الثـقــافــة

إحياء للأيام والأعياد الوطنية واحتفاء باليوم الوطني للمجاهد

منتدى الكتاب يستضيف الكاتب "حجايل مختار بلقاسم"

إحياء للأيام والأعياد الوطنية واحتفاء باليوم الوطني للمجاهد الذي يصاف 20 أوت، نظمت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية معسكر، والتي يشرف عليها السيد “جزيري” بالتنسيق مع نادي “بيت الحكمة للفكر والأدب والفنون”، الذي يشرف عليه السيد “جليد قادة” منتدى الكتاب في عدده الرابع والعشرون، بحيث تم تنظيم ندوة تاريخية بعنوان “20 أوت 1955 -1956 تاريخ حاسم في مسار الثورة التحريرية”، وهذا من تقديم الأستاذ “بلقاسم مختار حجايل” الكاتب المعروف الذي كتب عن شهداء معسكر والمعارك بمعسكر. 

هذا المنتدى، الذي نشطه الدكتور “قادة جليد” والأستاذ “فؤاد النجار” حضره نخبة من الكتاب والشعراء أمثال الشاعر “حسين كرار”، الشاعر “طاهر بقدار”.

 افتتح المنتدى بكلمة ألقاها السيد “جزيري عبد الكريم” رحب من خلالها الحاضرين، ثم أحيلت كلمة الدكتور “جليد قادة”، حيث قدم نبذة عن اليوم المجيد والتاريخي واستهل في تدخله بأن دوافع استراتيجية جاءت هجمات الشمال القسنطيني بعد 10 أشهر من اندلاع ثورة مطلع نوفمبر 1954 ضد الاستعمار الفرنسي، وتفيد وثائق وشهادات بأن اختيار تاريخ 20 أوت لم يكن اعتباطيا. 

وتعد هذه الهجمات بمثابة “الانطلاقة الثانية للثورة”، ولذلك هناك من يطلق عليها في الجزائر لقب “نوفمبر الثاني”. ودعا إليه “عبان رمضان” حيث جرت الاتصالات بين قادة الثورة، واختيرت قرية ايفري الواقعة بوادي الصومام بالقبائل شمال الجزائر نظرا لموقعها الاستراتيجي الأكثر أمنا، واختير 20 أوت لكونه يصادف الذكرى الأولى لـهجوم الشمال القسنطيني، ودخول القضية الجزائرية إلى هيئة الأمم المتحدة في أكتوبر. 

وبالنسبة لتليلاني تعد هذه الهجمات بمثابة “الانطلاقة الثانية للثورة”، ولذلك هناك مَن يطلق عليها في الجزائر لقب “نوفمبر الثاني”، وقدّم تليلاني رغبة الشهيد “زيغوت يوسف” في الانتقام لمقتل قائده “ديدوش مراد” دافعا رئيسيا للتحضير لتلك الهجمات.

تأثيرات هذه الهجمات 

في البداية بالتعريف بكتابه تحت عنوان “20 أوت تاريخ حاسم في مسار الثورة التحريرية”، قدم توضيحات عن طبعه وطريقة جمع المعلومات، بحيث بدأ قوله: “احتفلت الجزائر الأحد الموافق 20 أوت الجاري بـ (اليوم الوطني للمجاهد) تخليدا لذكرى هجمات الشمال القسنطيني عام 1955 وانعقاد مؤتمر الصومام بمدينة بجاية في العام التالي، وكلاهما محطتين مفصليتين في مسار الثورة التحريرية (1954-1962) من الاستعمار الفرنسي، غير أن تأثيرات لهذه الهجمات جعلتها بمثابة الانطلاقة الثانية للثورة.

 تلك العمليات نفذها مجاهدين مدعومين بمواطنين، ضد الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، ويطلق عليها “هجمات الشمال القسنطيني”، نسبة إلى منطقة قسنطينة (شرق) التي كانت تضم عدة محافظات تقع في جهتها الشمالية. ولأنها استهدفت مقرات عسكرية ومراكز اقتصادية لفرنسا، شكلت الهجمات نقطة دفع استراتيجية للثورة الجزائرية، بمنحها الحاضنة الشعبية وفضح الاستعمار الفرنسي أمام الرأي العام العالمي. 

زيغوت يوسف …مهندس الهجمات

ووفقا لشهادات ووثائق تاريخية، فإن قيادة المنطقة العسكرية الثانية لجيش التحرير الوطني، الجناح العسكري لـ (جبهة التحرير الوطني) المفجرة للثورة، قررت شن هجمات كبيرة على مواقع لجيش فرنسا ومصالحها الاقتصادية في تاريخ وتوقيت يصعب توقعهما. 

وكان مهندس الهجمات، من الفكرة إلى التنفيذ هو الشهيد “زيغوت يوسف”، الذي تولى قيادة المنطقة الثانية خلفا لقائده “ديدوش مراد” الذي استُشهد في 17 جانفي 1955. بعد تخطيط سري مكثف وقع الاختيار على تاريخ 20 أوت 1955، الذي صادف يوم سبت، لتنفيذ عمليات هجومية تكون ساعتها الصفر منتصف النهار، عكس كل التوقعات التي تعودت على عمليات مماثلة ليلا. 

وإلى جانب التوقيت المميز لقتال الاستعمار في وضح النهار، شارك في العمليات مجاهدون مسلحون ببنادق صيد ومواطنون مسلحون بفؤوس وعصي وبنزين وآلات حادة، إذ هاجموا ثكنات عسكرية وأتلفوا أعمدة الكهرباء وأحرقوا مزارع ومخازن الحبوب. 

الانطلاقة الثانية للثورة

وقال الأستاذ الجامعي رئيس مؤسسة (زيغوت يوسف) التاريخية “أحسن تليلاني”، في حديثه، إن تلك الهجمات نُفذت في 6 محافظات تابعة للشمال القسنطيني، وأوضح الكاتب “حجايل” كذلك أنها شملت كلا من “سكيكدة، جيجل، ميلة، عنابة، قالمة ونصف من سطيف وبجاية”، واستمرت الهجمات من منتصف النهار إلى غاية الليل. 

جاءت هجمات الشمال القسنطيني بعد 10 أشهر من اندلاع ثورة مطلع نوفمبر 1954 ضد الاستعمار الفرنسي، وتفيد وثائق وشهادات بأن اختيار تاريخ 20 أوت لم يكن اعتباطيا، وبالنسبة ل”تليلاني” تعد هذه الهجمات بمثابة “الانطلاقة الثانية للثورة”، ولذلك هناك مَن يطلق عليها في الجزائر لقب “نوفمبر الثاني. 

الهجمات غيرت مجرى التاريخ 

وقدّم “تليلاني” رغبة الشهيد “زيغوت يوسف” في الانتقام لمقتل قائده “ديدوش مراد” دافعا رئيسيا للتحضير لتلك الهجمات”، كما تبرز دوافع أخرى أكثر استراتيجية لمسار الثورة ككل، إذ كان لابد من عمليات نوعية لإسقاط دعاية الاستعمار التي كانت ترفض اعتبار اندلاع الكفاح المسلح “ثورة”، وتصر على وصف المجاهدين الأوائل بأنهم “أقلية خارجة عن القانون. 

كما واصل السيد حجايل قوله:”الهجمات غيرت مجرى التاريخ وفندت الادعاءات الفرنسية القائلة إن الثورة مجرد أحداث يرتكبها الخارجون عن القانون”. فمشاركة الشعب في الهجمات ومواجهته للآلة الاستعمارية في وضح النهار بصدور عارية، “كسرت حاجز الخوف وغيرت قناعات الناس، وأثبتت أن الشعب الجزائري مصمم على القيام بثورة ضد الاستعمار الفرنسي ونيل الاستقلال. ومشاركة مواطنين بسطاء في عمل قتالي عسكري جسّد، بحسب مؤرخين، المقولة الشهيرة لأحد رموز الثورة الجزائرية، وهو الشهيد العربي بن مهيدي:” ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب”. 

ومن بين من شاركوا في الهجمات المجاهد “السبتي زغدود مبارك”، حين كان عمره 18 عاما، وقال إن المواطنين كانوا مدعومين بعناصر من جيش التحرير وهاجموا بأسلحة بسيطة استعمارا شرسا، وأردف أن “الخروج للقتال في منتصف النهار والاستعداد للموت والشهادة أظهر مدى رغبة الشعب في الاستقلال”، مضيفا أن الهجمات “مثل الصفعة القوية التي يستحيل أن تُمحى من ذاكرة فرنسا. 

بداية تدويل القضية الجزائرية

ومن الدوافع الاستراتيجية الأخرى لشن تلك الهجمات، فك الحصار الذي ضربته فرنسا على منطقة الأوراس (شرق)، التي أُطلقت فيها أول رصاصة منتصف ليلة الفاتح من نوفمبر1954. 

وحاولت فرنسا قتل الثورة في مهدها، ففرضت حصارا شديدا على الأوراس، وتتحدث شهادات عن منع دخول حتى المواد الغذائية، مما استلزم القيام بعمل قتالي نوعي لتشتيت تمركز الجيش الفرنسي، فنفذ “زيغوت يوسف” هجمات الشمال القسنطيني. أيضا يحضر البعد الدولي في رمزية التاريخ الذي تم اختياره للهجمات، لأن 20 أوت 1955 صادف الذكرى الثانية لنفي ملك المغرب محمد الخامس من قبل الاستعمار الفرنسي، والقصد من وراء ذلك إعطاء البعد المغاربي للثورة الجزائرية، بحسب معطيات تاريخية. 

وكان وقع الهجمات وصداها بداية لتدويل القضية الجزائرية، خاصة وأنها جاءت قبل أيام قليلة عن انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالفعل “دخلت الثورة الجزائرية أروقة الأمم المتحدة”، جاء الرد الفرنسي على الهجمات وحشيا إلى أبعد الحدود، إذ أنزلت فرنسا جام غضبها على العزل والأبرياء من المدنيين.

الأيام الخالدة في الذاكرة التاريخية

إذا كان تاريخ أول نوفمبر 1954 قد جسّد فكرة المشروع التحرري للأمة الجزائرية من براثن الاحتلال الغاشم، فإن اليوم الوطني للمجاهد الذي يُحييه الشعب الجزائري كل عام، يُعتبر من الأيام الخالدة في الذاكرة التاريخية، لارتباطه بالذكرى المزدوجة: 20 أوت 1955 و20 أوت 1956، اعترافا وتخليدا لكفاح وتضحيات الرعيل الأول للمجاهدين، واستذكارا لحدثين تاريخيين هامين في مسيرة التحرر الوطني، فالأول ارتبط بهجومات الشمال القسنطيني التي كانت دليلا على تصميم جيش التحرير الوطني لدحر قوات المستعمر، وبُرهانًا على التفاف الشعب الجزائري حول قيادته الثورية، وبفضلها أخذت الثورة التحريرية نَفسًا جديدا عسكريا وسياسيا.

 أما الحدث الثاني والذي لا يقل أهمية عن الأول، فهو انعقاد مؤتمر الصومام الذي رسم خارطة طريق الثورة التحريرية، بإعادة تنظيمها وهيكلتها على مختلف الأصعدة، وحسب ما دونه التاريخ الجزائري للثورة والأحداث التاريخية إن رد الفعل الفرنسي لم يكن فوريا وبدأ في اليوم الموالي، إذ “أرسلت (فرنسا) 17 طائرة إلى محافظة سكيكدة لقصف القرى والمناطق التي حدثت بها الهجمات وصدرت أوامر جزائرية بالانتقام من الحاكم العام للجزائر آنذاك جاك سوستيل، الذي أمر بالعنف الوحشي تجاه المدنيين.

 ويتداول مجاهدو المنطقة تصريحات فرنسية تقول إن الجزائريين “نظموها (الهجمات) في 20 من الشهر وسنقتل منهم 20 ألفا، وتفيد تقديرات مؤرخين بأن عدد الضحايا فاق 12 ألف شهيد، نصفهم في سكيكدة، ولا زالت الجرافة التي استخدمتها السلطات الاستعمارية في جرف ودفن 1500 شهيد أمام ملعب وسط المدينة معروضة في مكانها كشاهد تاريخي على وحشية فرنسا.

 بعد التدخلات والأسئلة التي طرحت على الكاتب تم تكريم السادة “جليد قادة” رئيس نادي بيت الحكمة و”كرار حسين” الشاعر الخضرم المعروف بالشعر الفصيح والملحون من مطمور والشاعر والأستاذ “بقدار” دون أن ننسى الكاتب “حجايل مختار بلقاسم” على المجهود الذي قام به وكذا اهتمامه بتاريخ الجزائر بصفة عامة والتاريخ المعسكري بصفة خاصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى