
تتوفر الجزائر على مخزون هائل من الطاقة الشمسية، بل وبرأي الخبراء يعتبر من أعلى الاحتياطات في العالم، ناهيك عن احتياطي ضخم من اليورانيوم يصل إلى 29 ألف طن ما يغطي حاجاتها من الطاقة لمدة 60 عاما،. لكن الطاقة الشمسية تبقى من أهم تتوفر عليها الجزائر، إذ تعادل حوالي أربع مرات من مجمل الاستهلاك العالمي للطاقة، أي نحو 37 ألف مليار متر مكعب من الغاز في العام.
تمكنت الجزائر من إنجاز محطة للطاقة الهجينة بحاسي الرمل، حيث تعتبر الأولى من نوعها على مستوى العالم، تعمل بالغاز والطاقة الشمسية معاً ويصل إنتاجها إلى 150 ميغاواط، أما المحطة الثانية بولاية غرداية بقدرة 1.1 ميغاوات.
يأتي كل هذا بعدما انخرطت الجزائر سنة 2010 في مشروع ديزيرتيك باعتباره الأوفر حظاً للظفر بأكبر أجزاء هذا المشروع الموزع بين شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بالنظر إلى مساحة أراضيها وتوغلها في عمق الصحراء، وهو مشروع ضخم وعملاق كما صرح به المسوؤلون حينها، بحيث تقدر كلفته بنحو 400 مليار يورو، ويهدف إلى تلبية 15 بالمائة من حاجات أوروبا من الكهرباء بحلول العام 2050 بالإضافة إلى جزء من حاجات شمال إفريقيا عبر حقول الطاقة الشمسية فيها، إذ يعتمد على الطاقة الشمسية الحرارية وليس الخلايا الشمسية.
والهدف الثاني يكمن في رغبة الجزائر التخلص من تبعية الثروة النفطية حتى لا تظل رهينة التجاذبات التي تشهدها السوق العالمية للطاقة، فهي تسعى جاهدة تجاوز الاعتماد على قطاع المحروقات النفط، الغاز والاتجاه نحو استغلال موارد الطاقة المتجددة استغلالا كاملا وعقلانيا قصد ضمان تغطية احتياجاتها من الطاقة وتأمين إمداداتها على المدى الزمني المستمر على عكس مصادر الطاقة غير متجددة كالنفط والغاز اللذان باعتبارهما مادة ناضبة في زمن محدد.
تشجيع الاستثمارات لتحقيق الهدف
إنّ توجه الجزائر نحو استغلال الطاقة المتجددة من خلال تفعيل البرنامج الوطني في الآفاق المستقبلية بوتيرة متسارعة وجدية من شأنه أن يحقق العديد من الايجابيات على صعيد الداخلي أو الخارجي، خاصة تشجيع الاستثمارات في مجال قطاع الطاقة المتجددة، بحيث سارعت منذ الوهلة الأولى إلى تسطير برنامج طموح الهدف منه تطوير الطاقات المتجددة وهذا سنة 2011 ناهيك على أنّ هدف البرنامج الوطني لتنمية الطاقات المتجددة إلى إنتاج 22000 ميغاواط آفاق 2030 منها 10000 ميغاواط موجهة للتصدير إذا ما توفرت الظروف المناسبة.
وما هو مسطر الوصول إلى 30 بالمائة حتى 40 بالمائة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في حدود 2030، فمنذ فيفري 2011 اعتمدت الحكومة الجزائرية البرنامج الوطني الممتد إلى آفاق 2030 للوصول إلى توليد 12000 ميغاواط من مصدر الطاقات المتجددة والحصيلة الطاقوية 29 بالمائة من نسبة تغطية الطاقة المتجددة والباقي للطاقات التقليدية. وقد وضع لهذا البرنامج خطة تتم عبر ثلاثة مراحل وهي كالتالي:
المرحلة الأولى: ما بين2011 و2013، ويخصص لإنجاز المشاريع الريادية النموذجية لاختبار مختلف التكنولوجيات المتوفرة.
المرحلة الثانية: ما بين 2014 و2015 ويتميز بالمباشرة في نشر البرنامج.
المرحلة الأخيرة: ما بين 2016 و2030 وتكون خاصة بالإنجاز على المستوى الواسع للمحطات الشمسية.
ووفقا لهذا البرنامج سيتم إنجاز ستون 60 مشروع منها محطات شمسية كهروضوئية وشمسية حرارية ومزارع لطاقة الرياح ومحطات مختلطة، ويسمح لهذا البرنامج بخلق آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة. وقد شرعت مؤسسة نييال NEAL فرع سونلغاز مع المتعامل الأسبانيABENEL في إنجاز محطة لتوليد الكهرباء انطلاقا من الطاقة الشمسية والغاز بحاسي الرمل بطاقة 150 ميغاواط، وانطلقت بها الأشغال سنة 2010.
تبني الاقتصاد الأخضر
بالإضافة، هناك مشروع آخر قيد الإنجاز يتمثل في مزرعة تعمل بطاقة الرياح بطاقة 10 ميغاواط بأدرار تشرف عليه مؤسسة (نييال) بالتعاون مع شركة فرنسية، كما تم التزويد بالكهرباء الناتجة عن الطاقة الشمسية 18 قرية بالجنوب الكبير و3000 مسكن بمنطقة السهوب بهذا النوع من الطاقة.
ومن المتوقع أن تستفيد أيضا 16 قرية معزولة بهذا النوع في إطار تزويد للمناطق النائية بالكهرباء وإلى نهاية 2008، فقد بلغ عدد المساكن التي تم تزويدها بالكهرباء الناتجة عن طريق الطاقة الشمسية 6240 مسكنا، اعتبار الجزائر شريك استراتيجي لها مع تبوؤها المكانة والتأثير على الساحة الدولية.
الاتجاه نحو تبني نهج الاقتصاد الأخضر، كالمحافظة على بيئة نظيفة والمساهمة في الالتزام تجاه الاتفاقيات الدولية في هذا الإطار من خلال التخفيف من انبعاث غازات الدفيئة المستنزفة من استغلال موارد الطاقة التقليدية، وتجاوزها نحو نمط موارد الطاقة النظيفة صديقة البيئة.
إيجابيات على الصعيدين الداخلي والخارجي
حسب ما أكده الخبراء فإن استغلال الطاقة المتجددة من خلال تفعيل البرنامج الوطني في الآفاق المستقبلية بوتيرة متسارعة، سيحقّقُ العديد من الإيجابيات على الصعيدين الداخلي أو الخارجي، من حيث الناحية الداخلية هناك إرادة سياسية جادة للُمضي قدما نحو هذا النمط من الاستغلال ووضع العديد من التسهيلات والامتيازات والضمانات، خاصة أمام المستثمرين وتخصيص غطاء مالي وبشري لتحقيق كل المراحل المُسطّرة من طرف الحكومة الجزائرية، ومن شأنه أيضا تحقيق قفزة نوعية في انتظار التحرر الكلي من الاعتماد على الريع البترولي مستقبلا، ويبقى تشجيع الاستثمار في القطاعين الوطني والأجنبي الخاص والعام من الأهداف المسطّرة ولن يكون إلا بمضاعفة المشاريع وتنوّعها. وعليه، فإنّ اهتمام الدولة الجزائرية بالطاقات المتجددة كمصدر للطاقة النظيفة واستراتيجية مستقبلية تمس الأمن الطاقوي ينبثق من صُلب الخيارات والبدائل المستقبلية، وخاصة العمل جاهدا لتوفير الطاقة للسكان في المناطق النائية والريفية المعزولة من جهة، ومن جهة أخرى، المحافظة على الموارد الطبيعية والاحتياطات النفطية، والدفع بفرص لتصدير الكهرباء.
رامـي الـحـاج