حوار

“سنجعل الزاوية منارة لتحفيظ القرآن وتدريس أصول الدين وقبلة للطّلبة من داخل وخارج الجزائر…”

"إبراهيم الجرادي" شيخ الزاوية العلمية الصوفية للشيخ "سيدي أمحمد بن الجراد الكرزازي" والمدرسة القرآنية الداخلية لتعليم القرآن الكريم وعلومه وأصول الدين لـ"الــبديل":

 وأنت تبارح مدينة الحاجة لالة مغنية الحدودية متوجّها إلى منطقة سيدي مجاهد عبر الطريق الولائي رقم 46 تستوقفك مناظر طبيعية خلابة، روابي مبهرة بجمال خضرتها وسحر تضاريسها، تتربع بين أحضانها قلعة من قلاع علوم القرآن الكريم، “الزاوية العلمية الصوفية للشيخ سيدي أمحمد بن الجراد الكرزازي والمدرسة القرآنية الداخلية لتعليم القرآن الكريم وعلومه وأصول الدين”، هذه الزاوية العلمية التي افتتحت أبوابها أمام الطلبة لمختلف ولايات الوطن وحتى الأجانب 19 مارس 2017، هي لاتزال تنشط في أداء رسالتها القرآنية.

“الـبديل” حطّت الرّحال بذات الزاوية العلمية، وقد سعدنا حقا بإجراء هذا الحوار مع الأستاذ الشيخ “إبراهيم الجرادي”، حفظه الله، هذا الشيخ الجليل الذي يملك زمام لغة التعبير وجلاء الفكرة بسحر الكلمة، وهو حقا من شيوخ الزوايا القلائل الذين بلغوا ببصيرتهم وصرامتهم وواقعهم المفتوح حقولا متعدّدة من الفكر الموسوع وأتقنوا أسلوب التبليغ ولغة التخاطب، زرناه في مقرّ الزاوية العامرة، وأجرينا معه هذا الحوار الشيّق، انطلاقا من قوله تعالى : “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما مّا ينفع الناس فيمكث في الأرض”، ولعلّ من المفيد للقارئ أن أعرّفه بالشيخ، فهو إبراهيم الجرادي بن محمد بن أحمد بن عيسى سلسلة الأشياخ أو أجداده إلى سيدي أمحمد الجرادي الكرزازي، فهو كرزازي أصلا وفصلا ومنشأ، وجدّه رحمه الله الذي تولّى خلافة سيدي أحمد بن موسى مباشرة وهو تولاّه الخلافة لمدة تفوق 38 سنة، وهو الذي تسلسلت منه جميع أشياخ كرزازي، ومنذ صغره ذهب إلى سيّده وشيخه سيدي محمد بن الكبير بأدرار وتعلّم القرآن الكريم وتتلمذ عليه ثم اشتغل إماما، ثم انفصل عن إمامته في الوقت الذي كان فيه ما يدعى بالثورة الزراعية، أكمل دراسته ثم عاد إلى الدراسة ليتممها وفي سنة 1985 توظف كمعلّم للقرآن الكريم، وفي سنة 1987 التحق بالمعاهد الإسلامية لتكوين الإطارات الدينية سيدي عقبة تخرّج منها إماما وبقي في ذلك المنصب وهو يواصل دراسته وتكوينه من خلال تلقيه العلوم الشرعية عبر عدد من المعاهد الإسلامية بالأقطار العربية كمصر وسوريا، ليترقى بعدها عن طريق مسابقة وطنية خطيبا وبعد 5 سنوات من الجدّ والكد والمثابرة والبحث في العلوم الشرعية ترقّى في امتحان بجامعة الخروبة بالجزائر العاصمة إماما أستاذا إلى غاية سنة 2016، أين رقي إمام برتبة أستاذ رئيسي…

كيف جاءت فكرة تأسيس هذه الزاوية العلمية…؟

حقيقة كنت صغيرا عند شيخي وأرفع يدي وأنا صبي، لأني حفظت القرآن الكريم وأنا ابن تسع سنوات، كنت أدعو الله وأقول : “اللهم كما أكرمت شيخي أن وفقته أن فتح مدرسة، وفّقني حتى أكون مثله وافتح زاوية عامرة”، وفي عام التسعين نادني شيخي سيدي محمد بن الكبير فذهبت إليه وأنا إماما بالعبادلة بولاية بشار، فطلب مني أن أذهب إلى بني ونيف وقال لي جاء وقتك لأنك كنت في صغرك تدعو الله أن يجعل لك من يعينك على فتح مدرسة والآن قال لي أنت مأذون ومضمون ومأمون وأنت الآن مأذون لتفتح مدرسة في بني ونيف، فقلت له يا سيدي قرية منعزلة مقطوعة الأوصال، فقال لي قل سمعنا وأطعنا ولاتقل سمعنا وعصينا، لأننا اطلعنا على سبعين قلبا ولم نجد لمن يصلح لذلك المكان إلا أنت، فأنت مضمون ومأمون ومأذون وسوف تتحصّل على كل ما تريده في ذلك المكان، فذهبت إلى بني ونيف فوفقني الله تبارك وتعالى وفتحت مدرسة في عام 1991 وكنت أعلّم أنذاك أبناء البلدة فقط، ولكن في عام 1994 فتحت زاويتي لأبناء الطلبة من جميع ولايات الوطن وكان عندي من 21 ولاية، حيث تخرّج على يدي ما يفوق المائة من أئمة الخطباء والأساتذة والحمد لله هم الآن منتشرون عبر ربوع الوطن، ولكن عندما أذنت من شيخي ذهبت إلى شيخي سيدي الحبيب لأخبره بذلك هو الذي قال لي أعطيتك ما أعطاك الشيخ بن الكبير، كأنه اطلع علي، وذهبت إلى الشيخ سيدي مولاي الحاج فقال لي أنت مأذون ومضمون، وذهبت إلى الشيخ بن مهلال فقال لي أنت مأذون ومضمون، فجئت ومررت على كرزازي على مسقط رأس أبي وجدّي فأخبرت شيخي أخي سيدي أحمد بن عيسى، فقلت له الآن الشيخ قال لي بأنك تذهب إلى بني ونيف وتفتح مدرسة وأنت مأذون فقال لي يوما من الأيام فسوف تقول لي بأنك في مغنية وأنا لم أكن أعرف هذه مغنية من قبل، ولكن عام 2010 لما انتقلت من بشار إلى مغنية ناديت بالهاتف سيدي أحمد بن عيسى وقلت له أنا الآن ذاهب إلى مغنية فقال لي هذا كلام “قلته لك في التسعينات”، معناه هؤلاء الناس يرون الستر الحجاب فأنا لما جئت إلى مغنية صرت ما ذا أقول فيها :”مغنية والنو والنية والخير صباح وعشية والحاجة مقضية والله يخلّيها ليّ”، ولما أتمم ابني مصطفى دراسته بالشام بسوريا في إطار ما يدعى بمنحة الدراسة من طرف الدولة الجزائرية نصبته بزاويتي ببني ونيف وأنا جئت إلى مغنية، ولكن كثيرا من الناس سألوني كيف ذهبت إلى مغنية واخترتها وأنت محبوب في كل ولايات الوطن، فقلت لهم اختيار بلساني، أنا قلم والاقتداء أصابع، ولكن مغنية متهمة بالمخدرات والتهريب فأردت أن أقول لهم هاهي قلعة من قلاع العلم حتى يتعلموا منهم كما في بني ونيف، لأن هذه الأخيرة قبل مجيء كانوا يتهمونها بذلك ولما جئت والتف حولي أبناؤها ورجالها وأهلها أصبحوا ما يصدّرون الأئمّة والطلبة والشيوخ…ولايشتعلون بعمل الكيف والتهريب، فهكذا مغنية والحمد لله.

ماذا عن بناء الزاوية ومرافقها وتدشينها…؟

العلماء يقولون :”الفضل للمبتدي وان أحسن المقتدي والفضل للمبتدي وان أحسن المنتهي”، والله حقيقة بدأت في 2013 بناؤها أي تأسيسها، كنت ماذا كنت أتوكل على الله وكانت لي أملاك فبعتها وهي التي كانت سببا في أن أعانتني على بناء هذا الصرح العلمي والحمد لله، وبقيت من عام 2013 إلى 2017 موقعها بقرية أولاد الشارف ببلدية مغنية، وأنا الآن لدي زاويتين في الحدود، فالزاوية تتسع والحمد لله في المستقبل إلى 1000 طالب الذين يتم استقبالهم من مختلف ولايات الوطن وحتى من خارجه من الدول العربية والدول الإفريقية السينغال بوركينافاسو…وهذا إلا بعد مرورهم عبر وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ووزارة الشؤون الخارجية في إطار القوانين المعمول بها في الدولة الجزائرية، وقد ساهم في بنائها 10 بالمائة من المساهمين جزاهم الله عنا كل خير، كما أنها فتحت أبوابها في يوم عظيم 19 مارس 2017 عـيد النصر لأن الزوايا لها جذور في الأمة وتتذكر أعيادها الوطنية، فالزوايا مع دولتها ومع رئيسها ومع إطاراتها ومع ثورتها، فالزوايا فيها تعانق العلم والجهاد وكانت لها مكانة مرموقة وعالية إبّان الثورة التحريرية فهي التي حافظت على الهوية الوطنية وعلى اللغة العربية واحتضنت الثورة ولها قوافل من المجاهدين والشهداء هذه الحمد لله يسجلها التاريخ، وبخصوص مساحتها وقفت نصف هكتار والآن مبني ما يزيد تقريبا عن 2000 متر مربّع بها طابقين الطابق الأول والثاني والأرضي، بها والحمد لله جميع المرافق الضرورية لذلك منها 6 قاعات أو أقسام للدراسة، والمراقد حيث تتسع لـ 300 سرير، إضافة إلى مطبخ جاهز بكامل تجهيزاته بما في ذلك آلة لغسل الملابس، ودار للمعلمين ودار للاستقبال (الضيوف)، وقاعة للمحاضرات تتسع لما يزيد عن 2000 مقعد، إضافة إلى جناح الإدارة بكامل تجهيزاته، وكذا اقامات خاصة بمعلمي القرآن الكريم، وبالمناسبة كنت من الأوائل ممن استعملوا جهاز الكمبيوتر عام 1994 كان ثمنه أنذاك يتعدّى 17 مليون سنتيم، فكل الإمكانيات متوفرة لصالح الطالب لراحته ودراسته، وبخصوص المؤطرين هناك 5 مؤطرين 4 معلّمي القرآن الكريم ومساعد وواحد طبّاخ أتكفّل شخصيا بدفع أجرتهم الشهرية.

… يتبع

إعداد: ع. أمير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى