
شهد العالم تطورات تكنولوجية سريعة في السنوات الماضية ولعل أهمها الرقمنة التي ساهمت كثيرا في إستحداث آليات جديدة في التواصل والمعاملات الإدارية بشكل خاص، ومن بينها قطاع العدالة ونخص بالذكر هنا مجال القضاء الذي عرف طفرة نوعية من خلال عصرنة نظامه وتبني ما يسمى بالتقاضي الالكتروني.
تأثر المشرع الجزائري بـمجهودات الدول المختلفة فـي سعيها لتحسين أداء مرفق القضاء لتحقيق دولة القانون والعمل على رقي قطاع العدالة وعصرنته على نحو يـجعله أكثر فاعلية فـي تأدية مهامه للخروج من نواميس القضاء التقليدي واستعمال الوسائل الحديثة ضمن الإجراءات القضائية من أجل تحقيق ما يصطلح عليه بالتقاضي الإلكتروني. وعليه فإنّ مصطلح التقاضي الإلكتروني مصطلح حديث ظهر في سنوات السبعينات من القرن الماضي كبديل للتقاضي التقليدي، بحيث يتفقان في الموضوع وكذا أطراف الدعوى فكلاهما يهدف إلى تمكين الشخص من رفع دعواه أمام الجهة القضائية المختصة ولكنهما يختلفان في طريقة سير الدعوى ففي التقاضي الإلكترونـي يتم سير الدعوى عن طريق الوسيط الإلكتروني الأمر الذي يجعله يتميز بالعديد من الخصائص. لقد عرف جانب من الفقه التقاضي الإلكترونـي بأنه:” حوسبة الإجراءات القضائية بتحويل الإجراءات التقليدية من الشكل الورقي إلى الشكل الالكتروني حيث تتم الحوسبة في الإجراءات فقط دون الموضـوع”. وعرفه جانب من الفقه على أنه:” عملية نقل مستندات التقاضي لإكترونيا إلى المحكمة عبر البريد الإلكتروني حيث يتم فحص هذه المستندات بواسطة الموظف المختص وإصدار قرار بالقبول أو الرفض وإرسال إشعار إلى المتقاضي يفيد علما بما تم بشأن هذه المستندات”. وهناك جانب من الفقه عرفه بأنه:” سلطة متخصصة من القضاة النظاميين بنظر الدعوى ومباشرة الـإجراءات القضائية بوسائل إلكترونية مستحدثة، ضمن نظام أو أنظمة قضائيةـ معلوماتـية متكاملة الـأطراف والوسائـل تعتمد منهج تقنية شبكة الربط الدولية (الانترنت) وبرامج المـلفات الـحاسوبية الإلكترونية، بنظر الدعاوى والفصل فيها وتنفيذ الأحكام، بغية الوصول إلى فصل سريع بالدعاوى والتسهيل على المتقاضي”.
التطبيق الأمثل
فإنّ التقاضي الإلكتروني مصطلح حديث النشأة نسبيا خاصة بالنسبة للقضاء الجزائري الذي كان متعثرا في مواكبة ركب التطور الحاصل بالمجال القضائي، ورغم أن المشرع الجزائري سبق وأن أقرّ بالتقاضي الالكتروني منذ سنة 2015 بموجب القانون رقم 15-03 المتعلق بعصرنة العدالة، بعنوان (المحاكمة المرئية عن بعد)، إلا أنه لم يتم العمل بهذه التقنية على نطاق واسع، إلا خلال سنة 2020 كوسيلة حتمية فرضها وباء كورونا لاستمرار النشاط القضائي، حيث تم تفعيل هذه الأخيرة بموجب الأمر 20-04 المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية. وعليه، بعد دخول قانون الإجراءات المدنية والإدارية حيز التنفيذ سنة 2023 أصبح التقاضي الإلكتروني في الجزائر حيز التنفيذ، بحيث يهدف بالدرجة الأولى إلى إحداث تغيير من خلال تسهيل المعاملات القضائية وجعلها تقتصر على إجراءات بسيطة، منها الإجراءات الإلكترونية، وذلك تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية وتوجيهات المسؤول الأول عن القطاع. ورغم المجهودات المبذولة من طرف وزارة العدل لأجل التطبيق الأمثل لنظام التقاضي الإلكتروني، إلا أنه صادف صعوبات جمة في بداية تجسيده على أرض الواقع وتعميمه على مستوى جميع الجهات القضائية، وذلك بسبب ضعف التنظيم التشريعي الذي ينظم الإطار الإجرائي لها ومختلف النظم المرتبطة بالتقاضي الإلكتروني، وكذا ضعف الآليات الفنية والتقنية التي تسيره. كما يعتبر نظام التقاضي الإلكتروني أيضا آلية فعالة في التغيير والرفع من مستوى المنظومة القضائية، باعتباره تنمية معلوماتية شاملة للمرفق القضائي بما تحتويه من بيئة عمل واسعة متنوعة الأطراف، المحامين، القضاة …إلخ وتكمن أهمية التقاضي عبر الوسائط الإلكترونية في توفير الوقت والجهد على القضاة والمحامين والمتقاضين، وتمكنهم من التعرف على القرارات الصادرة، والاطلاع على ملفات القضايا ومحتوياتها واختصار الآجال التي تطالب للاطلاع، بحيث يمكن لهم الدخول إلى الموقع الإلكتروني للمحكمة والتعرف على الأحكام والقرارات وسير الجلسات. الكلمات المفتاحية: تقاضي إلكتروني، الأحكام، القرارات، المحكمة الإلكترونية، الأنترنت.
سرعة الفصل في الدعاوى القضائية
لقد جعل المشرع أكثر جدية فيما يخص تطبيق التقاضي الإلكتروني بالقضاء الجزائري وهذا ما نتج عنه صدور الأمر 04/20 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية، بحيث يكتسي التقاضي الإلكتروني أهمية كبيرة نظرا لحداثته خاصة بالنسبة للمنظومة القضائية الجزائرية، وكذلك بإعتباره آلية مـمتازة لمواجهة الظروف الطارئة التي من شأنـها إعاقة السير السلس للإجراءات القضائية لا سيما فـي ظل إنتشار الأوبئة وصعوبة الـحصول على الأدلة من الشهود لإستحالة حضورهم أمام السلطات الـمختصة وهذا فضلا عن دوره في حـماية الشهود المعرضين للخطر بالحفاظ على سرية هويتهم وأمانتهم، مع إرتباط التقاضي الإلكتروني بحقوق الأفراد وحرياتهم أين يظهر هذا الإرتباط في سرعة الفصل بالدعاوى القضائية .تتمثل الأهداف المرجو تـحقيقها من خلال هذه الدراسة في تسليط الضوء على التقاضي الإلكترونـي بإعتباره موضوع الساعة، مع إبراز مدى تأثيـره كبديل للتقاضي التقليدي على ضمانات المـحاكمة العادلة ويضاف لذلك إعطاء نظرة تقييمية لواقع التقاضي الإلكتروني في الحياة العملية وليس فقط من الناحية القانونية الـموضوعية بإبراز التحديات التي يواجهها هذا النظام في طريق تطبيقه على أرض الواقع .
خصائص التقاضي الإلكتروني
لعل من أعم سيمات التقاضي الإلكتروني في الجزائري:
(1)- تعزيز الوسائل المتبعة في التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة
(2)- ثانيا :القضاء على مظاهر الفساد في مرفق القضاء
(3)- الإنتقال من النظام الورقي إلى النظام الرقمي
(4)- استخدام الوسائط الإلكترونية في تنفيذ إجراءات التقاضي .
(5)- السرعة في إنجاز إجراءات التقاضي .
(6)- سداد مصاريف الدعوى إلكترونيا .
(7)- إثبات إجراءات ال قت اضي
(8)- حماية الشهود والمـجني عليهم
متطلبات التقاضي الإلكتروني
كما أنّ المشرع الـجزائري عمل على مواكبة التطور الحاصل في مـجال تقديـم الـخدمات بإستعمال التقنيات التكنولوجية الـحديثة إذ قام بإنشاء موقع إلكتروني رسـمي لوزارة العدل الجزائرية، بحيث مكن المواطنين من إستخراج بعض الوثائق مثل (شهادة الجنسية، صحيفة السوابق العدلي) والخدمة العمومية التي يقدمها مرفق العدالة بالطريقة الرقمية يتم من خلالها تـجسيد عدالة إفتراضية تقوم على إعتماد التقنية، وتستمد أساسها القانوني من مـجموعة من النصوص التشريعية تنظم التقاضي الإلكتروني، بحيث أنّ تطبيق هذا النظام يحتاج أيضا إلى توافر مقومات بشرية قادرة على التعامل مع التقنية التكنـولوجية وكذلك المقومات التقنية التي يعتمد عليها نظام التقاضي الإلكتروني لقيامه وتجسيده في الواقع المعاش. ويتعلق الأمر بالعتاد المادي والمتطلبات الفنية اللازمة لتطبيق التقاضي الإلكتروني مثل الأجهزة والمـعدات الإلكترونية وشبكة الإنترنت، حيث أمّ تمثل البنية التحتية لنظام التقاضي الإلكتروني هي كالآتي: أجهزة الحاسوب، إنشاء شبكة داخلية، إنشاء السجل الإلكتروني، إنشاء موقع للمحكمة على شبكة الإنترنت، إنشاء بريد إلكتروني، الحماية المعلوماتية للبيانات الإلكترونية..
محمد الأمين