حوار

“المشكل في آثار ما قبل التاريخ هو انعدام التأريخ المطلق بطريقة علمية وغياب أهمية المواقع الأثرية علميا”

رئيس جمعية "رجل تغنيف" الثقافية، "إسماعيل عمر" لـ "البديل":

تزامنا مع الملتقى الوطني “نتائج الأبحاث الأثرية في الجزائر” المنظم في إطار شهر التراث (18 أبريل – 18 ماي) والذي يحمل هذه السنة شعار “التراث الثقافي وإدارة المخاطر في زمن الأزمات والكوارث الطبيعية المنظم تحت إشراف السيد والي ولاية معسكر “محمدي فريد”، التقينا بالأستاذ ورئيس جمعية رجل تغنيف الثقافية الولائية الذي يعتبر نوع من الأشخاص يمكن للجميع التعلم منه صادق مع نفسه ولا يخجل منها وينشر دائما الإيجابية أينما ذهب بسبب ثقته. إنه الأستاذ والعبقري السيد إسماعيل عمر وأجرينا معه هذا الحوار  

عرف نفسك للقراء

“اسماعيل عمر” من مواليد 1967 بدوار اولاد سيدي عبد القادر بن يسعد، من أسرة فقيرة، تعلمت في “مقلال” على يد الشيخ “عبد القادر يسعد” قراءة القرآن الكريم ودرست هناك المرحلة الابتدائية وانتقلت إلى متوسطة سيدي عقبة بتغنيف وثانوية “عبد القادر فرحاوي”، ونلت شهادة البكالوريا سنة 1987 وشهادة ليسانس من جامعة وهران، تخصص تاريخ، واشتغلت في جبال الونشريس في بداية التسعينيات بالأزهرية ولاية تيسمسيلت، وبعدها في ثانوية محمد بونعامة ثم انتقلت إلى ثانوية وادي التاغية إلى غاية 1999 مناضل في حزب، جبهة التحرير الوطني منذ 1990 منتخب في المجلس الشعبي البلدي لبلدية السحايلية من سنة 2002 إلى 2007. وبعدها انتقلت إلى متقن العروسي الحاج قدور بتيغنيف إلى غاية 2011، ومنها إلى ثانوية فرحاوي عبد القادر التي درست بها إلى غاية 2016 ومنها انتقلت إلى المعهد الوطني لتكوين موظفي قطاع التربية الوطنية معسكر كأستاذ مكون واصبحت رئيس مصلحة المتابعة والتقييم بالمعهد الوطني لتكوين موظفي قطاع التربية الوطنية معسكر.  أكملت دراستي الجامعية وتحصلت على شهادة الماستر تخصص التاريخ المعاصر، المقاومة والحركة الوطنية.

شاركت في كل المناسبات الوطنية بعقد تدخلات ومحاضرات وندوات حول تاريخ الجزائر عبر تراب الولاية، في ساحات العلم وفي مقرات الأسرة الثورية والشرطة وغيرها، ألفت كتاب تحت الطبع لجمعية رجل تيغنيف، مسؤول التنظيم لمحافظة تغنيف مسؤول المنازعات، بنقابة المؤسسة على مستوى الولاية ومسؤول التنظيم بالمعهد.

لماذا أسست الجمعية وما هي أهدافها؟

جمعية رجل تغنيف الثقافية الولائية تأسست في 5 جويلية 2011 وتجددت مرتين في 2013 ، وعينت أمين عام للجمعية ترأسها “سعيدي عبد القادر”، تجددت في  3 سبتمبر 2022. من بين أهدافها حماية المناطق الأثرية والتنسيق مع الجمعيات الفاعلة خدمة للثقافة بالولاية وتاريخها والاحتفال بالمناسبات الوطنية ومرافقة الباحثين وتصنيف المواقع الأثرية، إقامة متحف لأقدم إنسان في شمال إفريقيا الاهتمام بالمواقع الأثرية بولاية معسكر وحماية، ومن بين أهداف المهمة للجمعية استرجاع المكتشفات الأثرية إلى مكانها

نقول أول إنسان وجد في الجزائر في مرحلة ما قبل التاريخ يعني العصر الحجري كيف تفسر ذلك؟

 كانت الجزائر تتمتع بمكانة مرموقة خلال مرحلة ما قبل التاريخ بفضل مساحتها وموقعها الجغرافي، بحيث شكلت إحدى المهود التي ترعرعت فيها الإنسانية. وبرز هذا التراث الحضاري بفضل الحفريات والتنقيبات الأثرية التي سمحت للباحثين بالكشف عن أول وجود للإنسان في الجزائر من خلال العودة إلى العصر الحجري القديم مليوني سنة.

ويعد العصر الحجري أول وأطول مرحلة في فترة ما قبل التاريخ التي بدأت مع ظهور أول مخلوق بشري منذ حوالي مليوني سنة، بحيث قسم هذا العصر إلى ثلاث مراحل: العصري الحجري القديم الأسفل والوسيط والأعلى. ويعتبر الباحثون أن الموقع الأثري “عين لحنش” المتمثل في بحيرة قديمة متواجدة في بلدية قلته الزرقة (ولاية سطيف)، هو المكان الذي يحتوي على أقدم القطع الأثرية التي اكتشفت في 1947 والتي تعود إلى مرحلة ما قبل التاريخ في الجزائر وشمال إفريقيا.

ويعود تاريخ هذه القطع الأثرية إلى 1,8 مليون سنة أي خلال العصري الحجري القديم الأسفل، وعليه يمكن القول أن أول وجود للإنسان في الجزائر يعود إلى حوالي 2 مليون سنة وعلاوة على الموقع الأثري لعين لحنش، تم اكتشاف موقع تيغنيف المتواجد في بلدية تحمل نفس الاسم بولاية معسكر، بحيث سمحت الحفريات الأثرية باكتشاف بقايا حيوانات وبشر وأحجار منقوشة يعود تاريخها من 800000 إلى 400000 سنة قبل الميلاد.

يقال إن رجل تغنيف يعتبر أقدم ممثل لشعوب شمال إفريقيا، ما هو تفسيرك؟

 رجل تيغنيف (رجل الأطلس) على أنه أقدم ممثل لشعوب شمال إفريقيا وكان رجل الأطلس، الذي كان يملك مخا أصغر من رجل العصر الحالي وفكا أكثر قوة يتقوت من الجني والصيد، وكان كثير التنقل بحثا عن الغذاء. وعاش رجل الأطلس وسط المغرب العربي خلال آلاف السنين قبل أن يفقد أثره منذ حوالي 250000 سنة، وحل محل رجل الأطلس رجل القرن الإفريقي الذي وصل حسب الخبراء في علم الآثار إلى شمال إفريقيا مرورا بمنطقة القرن الإفريقي. ويعتبر الباحثون أن الموقع الأثري “عين لحنش” المتمثل في بحيرة قديمة متواجدة في بلدية قلته الزرقة (ولاية سطيف)، هو المكان الذي يحتوي على أقدم القطع الأثرية التي اكتشفت في 1947 والتي تعود إلى مرحلة ما قبل التاريخ في الجزائر وشمال إفريقيا.

الاكتشافات، لا تزال الجزائر في فترة ما قبل التاريخ غير معروفة، لماذا؟

 نعم رغم الاكتشافات، ورغم التنقيبات التي أجريت في مختلف الولايات وخاصة منطقة تغنيف لا تزال الجزائر في فترة ما قبل التاريخ غير معروفة، وهذا راجع إلى أن الاكتشافات ما زالت لم تصل إلى هدفها، مما يستدعي القيام بمشاريع بحث أخرى والتي بسببها وخاصة في منطقة تيغنيف، التي تعتبر أغنى في هذا المجال والدليل على هذا اكتشاف عظام لحيوانات وعظام إنسان وزواحف يرجع تاريخها إلى آلاف السنين، وقد برمجت لجنة تهتم بالآثار والتنقيب في المنطقة في كل عشر سنوات مثلا في 2013، ومؤخرا في ماي وجوان تحت إشراف البروفيسور “سحنوني محمد” ومرافقيه وبحضور اللجنة المكلفة بالولاية والجمعية المختصة في هذا المجال. لهذا يجب “إعادة النظر في تاريخ الإنسانية، وخاصة في هذه الفترة القديمة جدا”.

مشروع “موقع وإنسان تغنيف” بمعسكر، من هو صاحبه؟

 لقد أعلن الباحث الأثري، “محمد سحنوني”، الذي يشرف حاليا على مشاريع بحثية رائدة في الجزائر، من بينها مشروع “موقع وإنسان تيغنيف” بمعسكر، عن نتائج أبحاث أثرية جديدة تقدم لأول مرة خاصة بهذا الموقع والتي من أهمها أن تاريخه يرجع إلى “ما بين، مليون و400 ألف سنة، ومليون سنة”، مؤكدا “أهميتها الكبيرة في إعادة النظر في تاريخ الإنسانية، وخاصة في هذه الفترة القديمة جدا”. وأكد “سحنوني” أستاذ مشارك بالمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ علم الإنسان والتاريخ، في مداخلة له بملتقى وطني حول “نتائج الأبحاث الأثرية في الجزائر” (29- 30 أفريل)، أن “النتائج العلمية السابقة حول هذا الموقع كانت تقليدية جدا وغير دقيقة وكانت تؤرخ له بحوالي 700 ألف سنة”، مضيفا أنه “لم يحض بالعناية العلمية المطلوبة رغم أنه موقع هام جدا عالميا وقد وجدت به بقايا بشرية في الخمسينيات من القرن الماضي هي الأقدم في شمال إفريقيا ومن بين الأقدم في العالم”.

كل الباحثين الذين تناوبوا على هذا الموقع منذ الخمسينيات كان همهم الوحيد العظام الحيوانية، في حين أنه على أرض الواقع يتعدى هذا الجانب وقال أيضا “أعددنا استراتيجية منذ بداية العمل في 2013 تأخذ بعين الاعتبار تعدد التخصصات مع الجمع بين العمل الميداني والعمل المخبري”، وشدد على أن فريقه البحثي قد أعطى “أهمية كبيرة للتوثيق الأثري للموقع” والذي كان “مهملا في التنقيبات السابقة”.

ماذا عن الفريق العلمي؟

 المشكل الكبير في آثار ما قبل التاريخ في الجزائر، هو انعدام التأريخ المطلق بطريقة علمية، وبالتالي تغيبت أهمية المواقع الأثرية علميا، فموقع تغنيف لا يعود لفترة واحدة فقط وإنما هو ثلاث فترات تعميرية بشرية متمثلة في الثقافة الأولدوانية القديمة جدا، ثم الثقافة الأشولية ثم ثقافة ثالثة تجرى دراستها حاليا،  يمكن أن تكون متعلقة بثقافة الإنسان المنتصب (هومو إيركتوس). فالمشكل الكبير في آثار ما قبل التاريخ في الجزائر هو انعدام التأريخ المطلق بطريقة علمية وبالتالي تغيب أهمية المواقع الأثرية علميا”.

الملتقى الوطني المبرمج في ولاية معسكر مؤخرا هل جاء بنتائج؟

 الملتقى الوطني “نتائج الأبحاث الأثرية في الجزائر” المنظم في إطار شهر التراث (18 أفريل -18 ماي) والذي يحمل هذه السنة شعار “التراث الثقافي وإدارة المخاطر في زمن الأزمات والكوارث الطبيعية” سلط الضوء على نتائج أبحاث العلماء والباحثين الجزائريين من مختلف الجامعات ومراكز البحث التي هي تحت وصاية وزارة الثقافة والفنون ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

كلمة أخيرة؟

 نناشد السلطات المحلية والولائية والمحلية مساعدة الجمعية قصد تحقيق أهدافها النبيلة خدمة للثقافة الإنسانية. كما نشكر السيد والي ولاية معسكر على مجهوداته المبذولة خدمة للثقافة وتاريخ الجزائر.

حاوره: مختار سلطاني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى