الجهوي‎محطات

إحياء الذكرى الـ 141 لوفاة الأمير عبد القادر

المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية معسكـر

بالتنسيق مع نادي الحكمة للفكر والأدب الذي يشرف عليه الدكتور قادة جليد نظمت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية معسكر ندوة تاريخية موسومة بـالاستراتيجية العسكرية لمقاومتي الأمير عبد القادر وأحمد باي (دراسة مقارنة) من تقديم الأستاذ إسماعيل عمر وتنشيط الدكتور قادة جليد، وهذا بحضور نخبة من الباحثين والدكاترة والأدباء ورئيس المكتب الولائي للمرصد الحر والمجتمع المدني السيد بختي بوعلام، وكذا مدير المعهد التكنولوجي بمعسكر.

وقام الأستاذ بدراسة معمقة حول المجاهد المغوار والبطل والرجل السياسي الأمير عبد القادر بتعريف شامل حول حياته ونضاله ومحاربته للعدو الفرنسي قائلا: عبد القادر بن محيي الدين بن مصطفى، اشتهر باسم الأمير عبد القادر الجزائري، يعتبر من كبار رجال الدولة الجزائريين في التاريخ المعاصر ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ورائد مقاومتها ضد الاستعمار الفرنسي. هو قائد سياسي وعسكري مجاهد ومقاوم وشاعر، بايعه الجزائريون سنة 1832 أميرا لمقاومة المستعمر الفرنسي، مرت حياته بـثلاث مراحل أساسية، الأولى قضاها في طلب العلم والتعرف على أوضاع البلدان العربية في طريق الحج، والثانية عاشها في الجهاد ومقاومة المستعمر، وقضى الثالثة أسيرا في فرنسا ثم مناضلا مغتربا في دمشق بين 1832 و1847.

ولد الأمير عبد القادر في 6 سبتمبر 1808 بقرية القيطنة الواقعة على وادي الحمام قرب مدينة معسكر غرب الجزائر، والده محيي الدين بن مصطفى كان أحد مشايخ الطريقة القادرية الصوفية، كما كانت أمه السيدة بنت عبد القادر بن خدة أيضا ابنة أحد شيوخ الطريقة نفسها. وحسب بعض المؤرخين، فإن عائلته تنتسب إلى الأدارسة الذين يمتد نسبهم إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتحديدا إلى إدريس الأكبر بن عبد الله المحصن بن حسن المثنى بن حسن السبط بن علي بن أبي طالب، وأم إدريس فاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم والعائلة التي ينتسب لها الأمير عبد القادر ينحدر منها أيضا حكام في المغرب العربي والأندلس، وكان لهذه الأصول تأثير عميق في تكوين شخصيته وساهمت في تحديد ملامحه قائدا روحيا وعسكريا. تزوج سنة 1823 من ابنة عمه خيرة بنت أبي طالب. أما عن الدراسة والتكوين فقد تلقى الأمير عبد القادر دروسه الأولى تحت إشراف والده في مسقط رأسه قرية القيطنة، وتمكن من ختم القرآن الكريم قبل أن يبلغ الـ 11، إضافة إلى تعلمه مبادئ العلوم اللغوية والشرعية، ونال بذلك درجة الطالب، مما جعله يكلف بتحفيظ القرآن للأطفال وإلقاء الدروس والتفسير في الزاوية مقر الطريقة القادرية. سافر عام 1821 إلى مدينة أرزيو الساحلية التي تبعد 70 كيلومترا عن شمال مدينة معسكر، ثم إلى مدينة وهران، حيث تتلمذ على عدد من شيوخ المنطقة مثل القاضي الشيخ أحمد بن الطاهر البطيوي والعالم الفقيه أحمد بن خوجة، وأخذ عنهم مبادئ العلوم الشرعية واللغوية والتاريخ والشعر، فصقلت ملكاته الأدبية والفقهية والشعرية في سن مبكرة. بعد زواجه سافر عبد القادر بصحبة أبيه إلى البقاع المقدسة مرورا بتونس، ثم انتقل بحرا إلى الإسكندرية، ومنها إلى القاهرة حيث عاين المعالم التاريخية وتعرف إلى بعض علمائها وشيوخها. أبدى إعجابه بالإصلاحات والمنجزات التي تحققت في عهد والي مصر آنذاك محمد علي باشا، ثم توجه إلى البقاع المقدسة أدى فريضة الحج، ومنها انتقل إلى بلاد الشام لتلقي العلم على يد شيوخ جامع الأمويين في دمشق. من دمشق سافر إلى بغداد التي تعرف أيضا على معالمها التاريخية واختلط بعلمائها، ليعود مرة أخرى إلى البقاع المقدسة عبر دمشق ليحج، وبعدها رجع مع والده إلى الجزائر عبر القاهرة ثم إلى برقة ومنها إلى درنة وبنغازي فطرابلس ثم القيروان والكاف إلى أن وصلا إلى القيطنة في الغرب الجزائري ليتفرغ فيها عبد القادر للقراءة والتأمل رحلة الأمير في مختلف البلدان العربية والإسلامية أكسبته زادا معرفيا ودراية بالشعوب، وجعلته يتدبر حال الأمة وهو في العشرين من عمره.

أما عن تجربته السياسية فقد قال الأستاذ إسماعيل عمر: في 5 جويلية 1830 وقّع داي الجزائر وقائد الحملة الفرنسية المارشال دي برمون معاهدة الاستسلام التي بموجبها احتلت فرنسا الجزائر، وبدأ الجزائريون رحلة النضال ضد الاستعمار بأشكال شعبية منظمة وغير منظمة ومع سقوط وهران سنة 1831 بدأت الفوضى والاضطرابات تعم حياة الجزائريين اليومية، مما دفع شيوخ وعلماء مدينة وهران إلى البحث عن شخصية تتولى زمام الأمور في البداية توجه الرأي إلى اختيار الشيخ محيي الدين والد عبد القادر، لما عُرف عنه من ورع وشجاعة وتاريخ نضالي، إذ سبق له أن قاد المقاومة الأولى ضد الفرنسيين سنة 1831 وشاركه فيها ابنه عبد القادر منذ أول الاشتباكات مع المحتلين تردد الشيخ محيي الدين ثم اعتذر نظرا لتقدمه في السن، ومع إلحاح العلماء وشيوخ المنطقة رشح ابنه عبد القادر لتولي قيادة المقاومة وترتيب شؤون المنطقة، وكان في تلك الفترة يحارب الفرنسيين بمنطقة تسمى حصن فيليب وفي 27 نوفمبر 1832 اجتمع زعماء القبائل والعلماء في سهل غريس قرب مدينة معسكر، وتمت البيعة الأولى للأمير عبد القادر وأطلق عليه لقب “ناصر الدين”، ثم تلتها البيعة العامة يوم 4 فيفري 1833.

فيما يخص القيادة، قاد الأمير المقاومة في رقعة شاسعة وجعل الغرب مركزا ومنطلقا لها نحو الوسط والشرق الجزائري، واستطاع تحقيق العديد من الانتصارات العسكرية والسياسية التي جعلت المستعمر الفرنسي يتعثر في سياسته التوسعية أمام استماتة المقاومة وعسكريا، أدرك الأمير عبد القادر أن المواجهة تتطلب إحداث جيش نظامي على نفقة الدولة، ولهذا أصدر بلاغا إلى المواطنين طالب فيه بضرورة التجنيد وتنظيم الجيش والمعسكرات في البلاد كافة، وتفاعلت معه قبائل المنطقة الغربية والجهة الوسطى.

الاستراتيجية العسكرية لمقاومتي الأمير عبد القادر وأحمد باي (دراسة مقارنة)  

يعتبر هذا العنوان المحور الرئيسي للندوة التي برمجت، وقد كان له إقبالا كبيرا لما له من أهمية بالغة بالمناسبة: يُعتبر الحاج أحمد، باي قسنطينة الأخير، من ألمع وجوه المقاومة في الجزائر، ومن أكبر قادتنا الذين تمردوا على فرنسا، والذين يجب أن نفتخر بهم، لقد اعترف له الكثير من الجنرالات بالدهاء العسكري، وحاول المارشال فالي أن يتفق معه، اقتناعاً منه بأن الرجل أهلا للقيادة ولا يمكن أن يستسلم بسهولة.

ومن المؤكد أن كل أمة تحافظ على شرفها وهذا ما فعله الجزائريون، حيث أنهم قاوموا بشجاعة جميع أساليب القمع التي تعرضوا لها وكانت محاولة الشعب الفرنسي لإغراء الجزائريين للاستسلام فاشلة ولكنهم لم يستسلموا أبدا، كانوا مثالا للعبارة نحن لن نستسلم ننتصر أو نموت، فالذي جرى مع سكان قسنطينة أنهم لم يرضوا العيش تحت سيطرة فرنسا، وأنهم بعثوا لهم ردا على رسالتهم أن الموت عندنا تحت أسوار بلدنا أحسن من حياتنا تحت سلطة فرنسا، وأظهر الجزائريون مقاومة عنيفة في الشرق الجزائري منذ بداية الاحتلال فخاضوا معارك كثيرة بقيادة أحمد باي الذي يعتبر من أبطال الجزائريين الذين ظلمهم المؤرخون الاستعماريون وتجنى عليهم الحاقدون بالتشويه والتزوير والإهمال ومن حسن الحظ أن المؤرخين الشبان المعاصرين تنبهوا للحيف الذي لحق بهذا البطل العظيم فأنصفوه، وهم لا يتأخرون في كل مناسبة عن تقديم مآثر هذا الرجل العظيم الذي عرفته البلاد قبل عام 1830م بايا إداريا عاديا ثم تعرف عليه بعد هذا التاريخ مقاوما شهما وحتى أنه تخلى عن حياة الترف مدافعا عن المبادئ التي آمن بها وعن الوطن الذي أحبه وأخلص له حتى آخر ساعة من حياته. ويختلف أحمد باي عن غيره من بايات عهده بروحه ومشاعره الوطنية الفياضة التي جعلته لا يتردد في التضحية بمنصبه كباي ولا يبخل بوضع ثروته الطائلة تحت تصرف المقاومة ولا يفكر كغيره من البايات الذين ركزوا اهتمامهم على مناصبهم كبايات حتى أنهم ساوموا الفرنسيين بقصد أن يتركوهم في مناصبهم تحت السيادة الفرنسية وحين لم تتحقق رغباتهم تخلوا عن المقاومة وغادروا البلاد بعائلاتهم وثرواتهم وانقطعت صلاتهم تماما بالجزائر الحبيبة، أما أحمد باي فقد بقي صامدا مقاوما حتى الاستشهاد.

ومن جهته، أوضح الدكتور جليد قادة أن الأمير عبد القادر الجزائري كان يواجه المحتل في عز شبابه، الذي كان مختلفًا عنه في الدين والحضارة والمعتقدات، وقد كانت رؤيته للكون والناس المختلفة عنه تصدمه للوهلة الأولى، إلا أنه لم يعارض أحدًا، ولم يحارب أي شخص لمجرد اختلافه عنه وفي إطار فلسفة هذا الأمير القائد، واشتهر بنظريته حول الكون أو الوجود؛ إذ يعتبر الكون دورة أساسها أسماء الله الحسنى، وباعتباره متصوّفًا، فقد بحث عبد القادر الجزائري فيما وراء الأديان وليس في الأديان نفسها، وإن اختلف الآخر عنه في العقيدة والدين، فقد كان يتقرّب للآخر لدينه وليس لشخصه.

للأمير القائد عبد القادر الجزائري إنجازات عدة؛ إذ أجبر الاحتلال على توقيع معاهدة (التافنة) عام 1838م، والتي من خلالها اعترفت فرنسا بسيادة الأمير عبد القادر التامة على غرب ووسط الجزائر، إلا أن المحتل سرعان ما خرق الهدنة؛ فمارس سياسة الأرض المحروقة،[٧] وقد أنشأ جيش نظامي ودربه على أحدث الفنون العسكرية، وزوده بالأسلحة المتقدمة، وقسم الجيش إلى ثلاث فرق: فرقة المشاة، فرقة من الخيّالة وفرقة من المدفعية، وقد قام التنظيم الإداري للدولة على أسس فدرالية، وكان يتمثل بوجود  مقاطعات إدارية، وكل مقاطعة يرأسها خليفة للأمير، وقد اتخذ الأمير في كل مقاطعة مكانا للشورى لبحث الأمور الهامة في الدولة.

وقد اختتمت الندوة بتكريم السيد إسماعيل عمر على المجهود الذي قام به وأفاد به الحاضرين.

مختار سلطاني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى