حوار

“كل أمة تعيش نهضة على مستوى الوعي والواقع”

رئيس نادي بيت الحكمة للفكر والأدب بمعسكر، الدكتور "جليد قادة" لـ"البديـل":

تزامنا مع الاحتفال بذكرى “الأمير عبد القادر”، التقت يومية “البديـل” الكاتب والباحث والدكتور “قادة جليد” من ولاية معسكر، فكان هذا الحوار:

من هو جليد قادة؟

الدكتور “قادة جليد” من مواليد بلدية فروحة ولاية معسكر بتاريخ 29-12_1968، متحصل على شهادة دكتوراه دولة في الفلسفة من جامعة وهران سنة 2006، بدرجة مشرف جدا، أستاذ محاضر بقسم الفلسفة جامعة وهران، تلقى تكوينا أكاديميا بتونس والقاهرة وباريس وتركيا، له العديد من المؤلفات الفلسية والأدبية، كما له مقالات في مجلات علمية محكمة ومشاركة في كتب جماعية، كما ساهم في تأسيس الكثير من مخابر البحث بجامعة وهران، شارك في الكثير من الملتقيات الوطنية والدولية، يكتب بصفة دائمة في جرائد وطنية ودولية وانتخب عضوا بالبرلمان الجزائري، حيث كان عضوا في لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الدينية، كما نال عضوية الجمعية العامة البرلمانية للاتحاد الأوروبي وعضوا مشاركا فيها في دورتها المنعقدة بفينا النمسا، كما ساهم في تأسيس “الجمعية الجزائرية لترقية المواطنة وحقوق الإنسان”.
ماهي مؤلفاتك؟

تتعلق بالكتب الفكرية، وتطرح إشكالية التقدم في الفكر العربي الإسلامي، تعليل التاريخ مابين ابن خلدون وهيجل – سؤال العقل والتاريخ في الجزائر، مقالات في الفكر والسياسة، نظرية قراءة التراث عند الجابري، نقد العقل التاريخي الجزائري، أما الكتب الأدبية، فهناك رواية تجليات جبل، رواية زمن الأقدار، رجل سماوي لامرأة أرضية (مجموعة قصصية)، ديوان شعر يحيا الإنسان، كما هناك كتبا تحت الطبع ستصدر داخل الوطن وخارجه.

نجدك دائما تتكلم عن المجتمعات المتحضرة والتاريخ الجزائري، ما السر في ذلك؟

أولا الخطاب التاريخي الذي لا ينتج وعيا تاريخيا، هو خطاب يقع خارج التاريخ، وكل فكر بشري وإنساني هو فكر نسبي قابل للنظر وإعادة النظر. شهد التاريخ أن المجتمعات المتحضرة هي المجتمعات التي لها وعي بذاتها، ولها وعي إيجابي لفكرة الزمن، ويقاس تقدم وتخلف المجتمعات بالمفهوم الذي يعطيه كل مجتمع لفكرة الزمان، فإذا كان المفهوم ايجابيا كان المجتمع تاريخيا فاعلا في التاريخ، أما إذا كان المفهوم سلبيا كان المجتمع لا تاريخيا منفعلا بالتاريخ، لأن المفهوم الايجابي للزمن هو الذي يعطي للتاريخ معنى وللإنسان رسالته في الحياة. إن البحث عن معنى للتاريخ الجزائري يعني تجاوز الرؤية التقليدية للمؤرخ الجزائري العادي الذي ينظر إلى التاريخ كأحداث وقعت في زمان ومكان معين، محاولا الإجابة عن سؤال متى وقعت وأين؟ ومن ثمة عرضها في قالب كرنولوجي. ولا شك أن هذا النمط من التاريخ قد أبدع فيه الكثير من المؤرخين الجزائريين، مثل “أبو القاسم سعد الله” و”ناصر الدين سعيدوني” و”عبد الرحمان الجيلالي” و”يحي بوعزيز” و”محفوظ قداش” والقائمة طويلة، ناهيك عن المؤرخين الشباب والباحثين في مجال التاريخ الذين تعج بهم الجامعات الجزائرية.
إن البحث عن معنى التاريخ، يعني على الصعيد المنهجي والمعرفي اعتبار التاريخ الجزائري ديمومة وصيرورة، أو كتيار انطلق من الماضي وما زال مستمرا إلى اليوم، وبالتالي فان السؤال الذي يحكم هذه النظرة هو: لماذا وقعت أحداث هذا الماضي؟ ولماذا وقعت بهذه الكيفية مع ربط النتائج بالأسباب، وما هي الأسس والمبادئ الفكرية التي تحكم حركة هذا التاريخ وتبرر صيرورته بهذه الطريقة دون أخرى؟. إن الإجابة على هذه الأسئلة يعني أننا أمام موضوع جديد لم يطرق من قبل، وبطريقة أخرى نحن أمام موضوع فكري تأسيسي لم يؤسس بعد، وإن أشار إليه البعض هنا وهناك دون مساءلة ودون مواجهة، يقال أن “أصعب الأمور بداياتها”، وارتأينا هنا أن نطرح بعض الأسئلة الأساسية والمفتاحية التي من شأنها أن تنير الطريق لأي باحث يأتي في المستقبل.
إن اعتبار التاريخ الجزائري وحدة متصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل، يعني أنه مرتبط بالزمن ومفهومه ونظرة الإنسان الجزائري إليه، لأن الزمن هو جوهر التاريخ فبدون وعي ايجابي بالزمن يصبح التاريخ مجموعة من الإحداث العمياء تتقاذفها الأمواج إلى أودية العبث والعدم، ولأن الإنسان هو الكائن الوحيد ذو الأبعاد الثلاثة يتذكر ماضيه وينتبه لحاضره ويتوقع مستقبله، وبناءا على هذه النظرة التاريخية، يتفق الباحثون على أن الإنسان كائنا تاريخيا لأنه إنما يعمل في الزمان، ولا تاريخ إلا بالزمان ومن هنا ارتبطت كل نظرية في التاريخ بنظرية في الزمان، والإنسان هو الوحيد بين الكائنات الحية الذي يعي الزمن فهو الوحيد ذو التاريخ.
هل التاريخ الحقيقي هو ذلك الذي أنجزناه أم ذلك الذي ينتظرنا ولم ننجزه بعد؟

العصر الذهبي بالنسبة لكل أمة تعيش نهضة على مستوى الوعي والواقع، هو ذلك الذي لم تحققه بعد وليس الذي حققته لأنه أصبح شيئا مكتسبا وذو طبيعة ماضية، فالنظرة المستقبلية في تحقيق الأهداف هي التي تعطي للمجتمع تلك الدينامية، والقوة لحل مشاكل الحاضر والانخراط في بناء المستقبل، لأن النظرة التفاؤلية للتاريخ قائمة على مفهوم إيجابي للزمن، ينعكس على الحاضر والمستقبل ولا يتوقف عند حدود الماضي كتيار متدفق، يكون اللاحق فيه أحسن من السابق، فالحضارة والتخلف مسألتان تاريخيتان، كلما توفرت أو غابت شروط إحداهما تحققت الأخرى، منطقيا حسب القوانين والنواميس التاريخية التي تحكم حركة المجتمعات والشعوب.
لا شك أن جميع المعطيات اليوم ونحن في عهد جديد وبصدد بناء جمهورية جديدة، تؤكد على مستوى الوعي التاريخي للأمة الجزائرية أننا بحاجة إلى لحظة تأسيسية قائمة على العقل لا على العاطفة، في بناء وعي تاريخي جزائري، لا أقول جديد ولكن متجدد باستمرار، وهذه مهمة المؤرخين بالدرجة الأولى والمفكرين والمشتغلين بتاريخ الأفكار ودعوتهم للانفتاح على مناهج العلوم الإنسانية والاجتماعية وما تزخر به من مفاهيم نظرية وإجرائية ومقاربات إبستمولوجية، وهذا من أجل توسيع نظرتنا للتاريخ حتى لا يبقى الماضي البعد الوحيد والأوحد في دراسة المؤرخ واهتمامه بالقضايا التي يتناولها في دراساته وأبحاثه المختلفة.

ما هي الأسئلة الملحة التي حاولت الإجابة عنها؟

وعن أهم الأسئلة الملحة التي حاولت ككاتب الإجابة عنها، فأهمها الخطاب التاريخي الجزائري المعاصر، الذي لا يزال لم يتخلص أو لم يرتق من الايديولوجية إلى المستوى المعرفي العلمي، لأنه لم يتجدد بالمناهج والعلوم الإنسانية الموجودة اليوم، هناك مناهج كثيره. فالمؤرخ لا بد أن يعتمد على منهج متعدد الاختصاصات، وأيضا من الأسئلة التي فتحتها المداخلة هو إعادة الاعتبار للتاريخ الجزائري القديم، الذي يمتد على مدى آلاف السنين ومحاولة التأسيس لفهم جديد للتاريخ، لأنني شخصيا أعتقد وكما رأى هيجل وابن خلدون، أن المجتمع يدخل التاريخ من خلال الدولة، وبالتالي أن أعتقد أو أرى بأن المجتمع والأمة الجزائرية الدولة، بدايتها في التاريخ كانت مع دولة نوميديا ومع مؤسسها مسينسا الذى عاش فى القرن 2 ق م، وبالتالي فالأمة الجزائرية هي أمة ممتدة في التاريخ وفترات التاريخ لهذه الأمة هي متكاملة، مترابطة متضامنة وليست متنافرة أو متباعدة أو متناقضة، كما تروج له المدرسة الفرنسية الاستعمارية، أو حتى بعض المؤرخين الجزائريين للأسف، وأضاف أن “الفصل بين الفترات هو وهمي وليس حقيقي التاريخ الجزائري بشكل وحدة عضوية، هذا فصل وهمي وإيديولوجي وسياسي، ليس له معنى على الإطلاق”. أما عن الهوية، فالهوية كما يرى العلماء والمفكرون والفلاسفة قائمة على التعدد الذي هو إغناء وثراء، تبقى الهوية داخل الإطار الواحد الجامع ولكن الهوية لها عناصر، وهذه العناصر متٱلفة ومتضامنة.

ماهي مشاركاتك؟

نزلت ضيفا على المكتبة الوطنية الجزائرية الحامة، أمسية السبت 04 ماي 2024، حيث قدمت مداخلة حول “سؤال العقل والتاريخ” أمام حضور قليل ونوعي بالقاعة الزرقاء “محمد الأخضر السائحي”، ضمن فضاء “منتدى الكتاب”، الذي بادرت إليه وكان من ضمن من حضر رئيس الجمعية الجزائرية الفلسفية “عمر بوساحة” و”عاشور فني” من بيت الشعر الجزائري. وقد عبرت عن الحاجة الملحة في علم التاريخ إلى ظهور “ابن خلدون” جديد، وتساءلت ما الموانع من ظهوره؟، وهو الذي انتقد كل الإستيوغرافيا التاريخية العربية التي كانت قبله والتي كانت تعتمد على “الرواية”، التي كانت تصلح في “الحديث” الذي هو قضايا بشرية وتعتمد الجرح والتعديل، لكن لا تصلح للتاريخ الذي هو واقعة تاريخية حدثت، ومن ثمة رفض ابن خلدون الرواية وجاء بمنهج الدراية والمطابقة، ومعناه مطابقة الحادثة التاريخية لقوانين العقل و العمران البشري وغيرها من المحددات المكانية الجغرافية والزمانية. ولدى إشرافه على اللقاء قال منير بهادي مدير، بأنه عندما يحضر التاريخ يحضر بشكل ملغم وقلما نجد تنظيرا فكريا في الخطاب التاريخي، وقال بأن بداية التاريخ هي في الأصل، أسطورة بالنسبة لمجتمع وشعب معين، حول لغة أو دولة أو تكتل عصبي، والبدايات الخالصة للتاريخ غير موجودة أصلا، هناك تشكل مستمر في التاريخ في كل المستويات الثقافي واللغوي وتظهر بعد مدة تركيبة اجتماعية وثقافية جديدة. وعن موضوع المداخلة فقادة للجزائر الجديدة أن سؤال العقل والتاريخ في الجزائر، هو مشروع له في کتابین سيصدران في المستقبل القريب، الأول بعنوان “مقدمات في نقد العقل الجزائري” والكتاب الثاني بعنوان حول “السينوغرافيا التاريخية الجزائرية قضايا المنهج و الرؤية أما خلال الجلسة البحثية كنت فقدم كتابه الموسوم بـ”سؤال العقل والتاريخ”، الذي صدر لي في 2016، وفيه بعض المباحث والأسئلة وبعض الإجابات المفتوحة على الأسئلة، وأنا أحاول دائما أن أقدم شيئا جديدا في إطار منهج ورؤية جديدة، وهذا ضمن إطار تصور جديد للتاريخ يعتمد على الاستراتيجية ويعتمد على الرؤية الشاملة التي تتناول كل فترات التاريخ الجزائري بدون استثناء. جانب من مداخلتنا في الملتقى الوطني (تجليات الهوية الفلسطينية في الأدب الجزائري) والمنعقد بدار الثقافة كاتب ياسين بولاية سيدي بلعباس والمنظم من طرف الجمعية الثقافية دوحة للفكر والأدب، وهذا يوم 8 ماي 2024، بمناسبة شهر التراث وإحياء ذكرى مجازر 8 ماي 1945- 14ماي 2024، بالمركز الثقافي لبلدية مقطع دوز بدائرة المحمدية ولاية معسكر، قمنا بتقديم محاضرة والإشراف على ندوة تاريخية بمناسبة اليوم الوطني للطالب، وكان عنوان المحاضرة: (الطالب الجزائري ودوره إبان ثورة التحرير المجيدة وفي معركة البناء الوطني)، وهذا في إطار برنامج ونشاطات المرصد الحر للمجتمع المدني لولاية معسكر، وقد حضر اللقاء جمهور كبير من الطلبة والمنتخبين والأساتذة والمواطنين والأئمة ورؤساء المجتمع المدني لدائرة المحمدية، وسنعمل لاحقا على نشر الصور والتغطية الإعلامية لهذا الحدث التاريخي الكبير.

مشاركتنا بولاية سيدي بلعباس 8 ماي 2024، في الملتقى الوطني الموسوم؛ تجليات الهوية الفلسطينية في الأدب الجزائري المنعقد بدار الثقافة كاتب ياسين، وبدعوة كريمة من الأستاذة “رشا دريش” رئيسة الجمعية الثقافية دوحة الفكر والأدب، وتحت إشراف مديرية الثقافة والفنون لولاية سيدي بلعباس، وهذا تزامنا مع شهر التراث وإحياء ذكرى 8 ماي، ولقد شاركت بورقة بحثية افتتاحية لأشغال الملتقى بعنوان “حضور الهوية الفلسطينية في الذاكرة والوعي الجمعي الجزائري”، وقد حضر اللقاء أساتذة جامعيون وطلبة وشعراء ورؤساء الجمعيات المحلية والصحافة المحلية، ولقد كان الملتقى ناجحا من كل الجوانب والنواحي، ونشكر القائمين عليه على حسن الضيافة والاستقبال أما الصور وملخص مداخلتي سوف أنشرها لاحقا.

كلمة أخيرة؟

إن الذي يكتب عن تاريخه أو يبحث عنه، إنما يكتب ويبحث عن نفسه بشكل أو بآخر، لأننا نتاج هذا التاريخ بكل تراكماته وتناقضاته، انتصاراته وانكساراته، فليس التاريخ شيئا مضى ولم يعد موضوعا من موضوعات الوعي التاريخي، إنه يوجد أمامنا لأننا معرضون إليه ولأنه قدرنا. فسؤال التاريخ في الجزائر اليوم هو السؤال الكبير الذي يخلخل جميع الأجوبة المتوقعة والجاهزة لأنه مرتبط نظريا وعمليا بهوية كل أمة ووعيها بماضيها وحاضرها ومستقبلها، بتاريخها ومصيرها المشترك، بالدولة الوطنية الجزائرية التي هي ثمرة ونتاج كفاحها وثورتها وتضحيات أبنائها، بمشروع المجتمع الذي تنشده ورغبة مواطنيها في العيش المشترك، ومكانة الجزائر كأمة بين الأمم والرسالة التي تحملها في التاريخ، وما هي الإضافات التي يمكن أن تقدمها للإنسانية؟

حاوره: سلطاني مختار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى