تكنولوجيا

…تطوير العالم اقتصاديا”الرقمنة”

فكرة وتحديات

تحولت العمليات الاقتصادية، وأصبح التحول نحو “الرقمنة” من بين أبرز الظواهر التي غيّرت وجه الاقتصاد العالمي في العصر الحديث. فهو يسهم في استخدام الموارد ورأس المال والعمالة بكفاءة أكبر، كما يُعزز تطوير نماذج أعمال جديدة في مجال التجارة الإلكترونية وشبكات النظير إلى نظير. تأثير “الرقمنة” ينتقل ليطال المستهلكين، محولًا الاعتماد من المنتجات المادية إلى الخدمات الرقمية، وهو ما يمحو الحدود بين المنتج والمستخدم.

وبالتالي، تظهر أصول جديدة مثل منصات “جوجل” و “فيسبوك”، والتي لا تُحتسب في إجمالي الناتج المحلي،تسهم الاستثمارات في “الرقمنة” في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث يُطوَّر هذا الاستثمار تقنيات ذكاء اصطناعي تتقارب مع الذكاء البشري. بالفعل، تُعتبر “الرقمنة” غذاءً للذكاء الاصطناعي، إذ تدعم تطور وتنمية التقنيات الذكية في مختلف القطاعات الاقتصادية،ومن المتوقع أن تعتمد نحو %70 من الشركات على تقنيات الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، مما يُظهر تطورًا هائلاً في استخدام التكنولوجيا في البيئة العملية. ومن المتوقع أيضًا زيادة المكاسب الاقتصادية التراكمية المضافة إلى الناتج الإجمالي العالمي نتيجة لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي و “الرقمنة”،ويُعكس التحول نحو الرقمنة والذكاء الاصطناعي تحولًا جذريًا في العمل والاقتصاد، حيث يصبح الاستيعاب الكلي لتقنيات الذكاء الاصطناعي في %50 من الشركات هدفًا واقعيًا بحلول عام 2030،تُعتبر “الرقمنة” والذكاء الاصطناعي ركيزتين أساسيتين لمستقبل الاقتصاد العالمي، حيث يلعبان دورًا حيويًا في تحسين الكفاءة وتعزيز الابتكار. ومن الضروري على المؤسسات والحكومات الاستفادة من تطوراتهما لضمان التنمية المستدامة والازدهار في العصر الرقمي المعاصر.

تحمل عملية “الرقمنة” العديد من التحديات والمفاعيل الاقتصادية التي يجب مواجهتها وفهمها بعناية. إليك بعض هذه التحديات والمفاعيل:التحول الوظيفي: قد يتسبب التحول نحو الرقمنة في تحولات جذرية في سوق العمل، مما يتطلب تكييف المهارات وتطويرها بما يتناسب مع الطلب الجديد على العمل المتعلق بالتكنولوجيا،التفاوت الرقمي: يمكن أن تزيد عملية الرقمنة من التفاوت بين الدول والمجتمعات، حيث أن الوصول إلى التكنولوجيا وفهمها قد لا يكون متساويًا بين جميع الأفراد والمناطق،الأمن السيبراني: يتطلب التحول نحو الرقمنة تكنولوجيا أمنية قوية لحماية البيانات والمعلومات الحساسة من التهديدات السيبرانية المتزايدة،المسؤولية الاجتماعية: يجب أن تتحمل الشركات المسؤولية الاجتماعية في استخدام التكنولوجيا بطريقة تعزز المساواة وتحافظ على الخصوصية وتحترم حقوق الفرد،التأثير على الوظائف: قد يتسبب التحول نحو الرقمنة في تغييرات في هياكل الوظائف وفقدان بعض الوظائف التقليدية، مما يتطلب اهتمامًا خاصًا بتأهيل العمال وتوجيههم نحو الوظائف الجديدة،تحديات التنظيم والتشريعات: يتطلب التحول الرقمي إطارًا قانونيًا وتنظيميًا مناسبًا لضمان الحماية والنزاهة والتوازن في استخدام التكنولوجيا،التبعات الاقتصادية غير المتوقعة: قد تحمل عملية الرقمنة تأثيرات اقتصادية غير متوقعة، مثل زيادة التشغيل والابتكار ولكن قد تكون هناك تبعات سلبية أيضًا مثل فقدان بعض الوظائف التقليدية وتوجيه التهديدات السيبرانية،فهم هذه التحديات ومفاعيلها الاقتصادية يمكن أن يساعد في تشكيل استراتيجيات فعالة للتعامل مع التحول نحو الرقمنة والاستفادة القصوى من فوائدها في تحسين الكفاءة الاقتصادية وتعزيز التنمية المستدامة،رغم أهمية وجود استراتيجية قوية للرقمنة، إلا أن التنفيذ يظل أمرًا حيويًا ويمثل تحديًا كبيرًا أيضًا. يتجاوز معدل فشل التوقعات الاقتصادية للرقمنة نسبة 50٪، ويكون احتمال الفشل أعلى في مجالات الرقمنة المتعلقة بالعملاء لأسباب إدارية.

التحديات الإدارية

التحديات الإدارية تشمل الميزانية المحدودة والحاجة إلى المرونة والمساءلة والمسؤولية المشتركة والشخصية، وأهمية توفر المهارات الرقمية للعاملين، والتكيف مع البيئة الرقمية. لا ينبغي ترك البيانات التناظرية كما هي، بل يجب تحويل العمليات والأعمال لتتناسب مع البيئة الرقمية،يجب على المؤسسات الاستثمار في وسائل التواصل الاجتماعي وبناء المؤسسة “2.0” و “الويب 3.0” لتسهيل التواصل مع عملائها وشركائها وموظفيها،من المحتمل أن تؤدي الرقمنة إلى فقدان الوظائف خلال فترة التحول، مما يجعل التحدي أكبر في قضايا الخصوصية وأمن المعلومات،تواجه المؤسسات تحديات كبيرة في مجال الأمن السيبراني، وتعتبر هذه القضية هي التحدي الأكبر أمام الرقمنة،قضايا الخصوصية وأمن المعلومات بحاجة إلى حلول ومعايير مقبولة، وستبقى المؤسسات متباينة في استجابتها لهذه التحديات.

رؤية الجزائر لعام 2030م

في الجزائر، تعتبر “الرقمنة” محوراً أساسياً في رؤية الجزائر لعام 2030م، وقد تم إطلاق برنامج التحول الرقمي في إطار هذه الرؤية، بهدف تحقيق حكومة رقمية، ومجتمع واقتصاد رقمي، وصناعة تعتمد على الثورة الصناعية الرابعة،تتجلى أهمية الرقمنة في تحقيق التحول الاقتصادي والاجتماعي في الجزائر، حيث تسهم في تحسين كفاءة الخدمات الحكومية وتعزيز التواصل بين الحكومة والمواطنين، وتعزيز الشفافية والمساءلة. كما تساهم “الرقمنة” في دعم التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الابتكار وتحفيز الاستثمار في قطاعات الابتكار التقني،تعتبر الثورة الصناعية الرابعة محركاً رئيسياً للتحول الرقمي في الجزائر، حيث تسعى الحكومة إلى تعزيز القدرة التنافسية للصناعة المحلية من خلال تبني التكنولوجيا الرقمية وتطوير الصناعات الذكية والمتقدمة،بالتالي، يمكن القول إن “الرقمنة” في الجزائر تمثل عاملًا رئيسيًا في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز مكانة البلاد على الساحة العالمية كمركز للابتكار والتطوير التقني.

تعتبر الرقمنة أداة حيوية لتعزيز كفاءة العمليات الحكومية وتقديم خدمات أكثر راحة وسرعة للمواطنين والمقيمين، وقد أسهمت العمليات الرقمية في زيادة الإنتاجية بنسبة 40٪ في وزارة العدل الجزائرية،من جهة أخرى، تم توقيع مذكرة تفاهم بين وحدة الرقمنة في البلاد وشركة جنرال إلكتريك بهدف تعزيز التنوع الصناعي الرقمي وتطبيق نماذج الأعمال الرقمية،تجتمع المبادرات الناجحة مثل برنامج “مراس” ومنصة “اعتماد” وبرنامج “أبشر” كأمثلة على تحسين الخدمات الحكومية عبر الرقمنة، وتمكنت هذه المبادرات من تقديم خدمات أكثر فعالية وسرعة للمواطنين والمقيمين،تم تحسين بنية الإنترنت في الجزائر وتوفير تغطية شبكة الجيل الرابع المتنقلة بنسبة 90٪، مما أدى إلى تسهيل الوصول إلى الخدمات الحكومية عبر الإنترنت بشكل أسرع وأكثر فعالية،بالتالي، تُعد الرقمنة جزءًا أساسيًا من استراتيجية تطوير الخدمات الحكومية في الجزائر، وتسهم في تحقيق الأهداف الوطنية وتعزيز رضا المواطنين والمقيمين.

ريادة في التحول إلى الاقتصاد الرقمي وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي

تحتل الجزائر موقعًا مهمًا في التحول إلى الاقتصاد الرقمي على المستوى العالمي، حيث تقدمت في عدة مؤشرات مهمة. في مجال التحوّل الرقمي، حلت الجزائر في المرتبة 41 في النطاق العريض، و38 في مراكز البيانات، و43 في الحوسبة السحابية، و30 في البيانات الضخمة، و30 في إنترنت الأشياء من بين 79 دولة،وفي “دليل الرقمنة”، جاءت بلادنا في المرتبة 35 من بين 99 دولة في عام 2018، حيث يتألف هذا الدليل من ستة أبعاد رئيسية تشمل البنية التحتية واستيعاب المستخدمين والمؤسسات والحكومة، بالإضافة إلى التكلفة واللوائح،وفيما يتعلق بالاستعداد لتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، حلت الجزائر في المرتبة 87 من بين 194 دولة عام 2019، حيث يقيّم هذا الدليل استعداد الحكومات لتبني التقنيات الذكية في عملياتها،بفضل التطور المستمر، تسعى الجزائر لتقديم خدمات حكومية متطورة ومبتكرة، وتوفير بنية تحتية قوية لاستيعاب التحول الرقمي بشكل أفضل.

التحديات والعوائق أمام تطور الرقمنة في الجزائر

في ظل التطورات الرقمية السريعة في العالم، تعتبر الرقمنة أحد المحركات الرئيسية للتحول الاقتصادي والاجتماعي. ومع ذلك، تواجه الجزائر العديد من التحديات والعوائق في مسارها نحو الرقمنة،أحد التحديات الرئيسية هو نقص التحضير والتخطيط الاستراتيجي للرقمنة في السياسات الحكومية. فالتنسيق بين القطاعات المختلفة ووضع استراتيجيات متكاملة يعد أمرًا ضروريًا لضمان نجاح عمليات الرقمنة،كما تواجه الجزائر تحديات في مجال البنية التحتية الرقمية، حيث يعاني العديد من المناطق من نقص في التغطية الشبكية وسرعة الإنترنت. وتحتاج البنية التحتية الرقمية إلى استثمارات كبيرة لتطويرها وتحسين أدائها،تعتبر الأمن السيبراني أيضًا تحديًا كبيرًا، حيث يزداد التهديد من هجمات القرصنة والاختراقات الإلكترونية. وتحتاج الجزائر إلى تعزيز قدراتها في مجال الأمن السيبراني وتطوير استراتيجيات فعالة لحماية البيانات والأنظمة الحيوية،من الضروري أيضًا تعزيز التوعية والتثقيف بثقافة الرقمنة في المجتمع، وتوفير التدريب والتعليم المناسب للشباب في مجال التكنولوجيا والمعلوماتية،بالرغم من هذه التحديات، إلا أن هناك فرصًا كبيرة لتطوير الرقمنة في الجزائر،خاصة مع الاهتمام المتزايد بالابتكار وريادة الأعمال في القطاع التكنولوجي. ومن المهم أن تعمل الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص والمجتمع المدني على تذليل العقبات وخلق بيئة مواتية لتطوير الرقمنة وتحقيق التقدم والازدهار في مختلف المجالات،هذه التحديات تعكس الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات فعالة وشاملة لدعم تطوير الرقمنة في الجزائر، وتعزيز دورها كلاعب رئيسي في الاقتصاد الرقمي العالمي.

روافد لنهضة الاقتصاد الرقمي في الجزائر

وضع استراتيجية واضحة للرقمنة: يجب على الحكومة والجهات المعنية وضع استراتيجية واضحة ومتكاملة لتطوير الرقمنة في البلاد، مع التركيز على تحسين البنية التحتية الرقمية، وتعزيز الأمن السيبراني، وتعزيز الوعي بثقافة الرقمنة،تعزيز البنية التحتية الرقمية: يجب تحديث وتطوير البنية التحتية الرقمية، بما في ذلك توفير شبكات الإنترنت عالية السرعة وتوسيع تغطيتها في جميع أنحاء البلاد، وتحسين جودة الاتصالات اللاسلكية،تعزيز الأمن السيبراني: يجب على الحكومة تعزيز القدرات السيبرانية وتطوير استراتيجيات فعالة للحماية من هجمات القرصنة والاختراقات الإلكترونية، بالتعاون مع القطاع الخاص والخبراء في مجال الأمن السيبراني،تعزيز التعليم والتدريب في مجال التكنولوجيا: يجب تعزيز التعليم والتدريب في مجال التكنولوجيا والمعلوماتية، وتوفير الفرص التعليمية والتدريبية للشباب، لتأهيلهم وتمكينهم من المشاركة في اقتصاد المعرفة والابتكار،تشجيع ريادة الأعمال الرقمية: يجب على الحكومة تشجيع ريادة الأعمال في قطاع التكنولوجيا والابتكار، من خلال تقديم الدعم المالي والمساندة الفنية للشركات الناشئة والمبتكرة، وخلق بيئة مواتية لنمو الشركات الرقمية،تعزيز التعاون الدولي والشراكات الاستراتيجية: يجب على الجزائر تعزيز التعاون الدولي في مجال الرقمنة، من خلال تبادل الخبرات والمعرفة مع الدول الأخرى، وبناء شراكات استراتيجية مع الشركات والمؤسسات العالمية في مجال التكنولوجيا،تطوير التشريعات والسياسات الرقمية: يجب على الحكومة تطوير التشريعات والسياسات الرقمية التي تعزز بيئة الأعمال وتحمي حقوق المستخدمين الرقميين، وتوفير الإطار القانوني الملائم لتطوير الاقتصاد الرقمي،من خلال تبني هذه الحلول وتنفيذها بشكل فعال، يمكن للجزائر تعزيز تطورها في مجال الرقمنة وتحقيق النمو والازدهار في القرن الحادي والعشرين.

بقلم:جلال يياوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى