
صراع جديد ما بين تحديات وفرص يقدمها الذكاء الإصطناعي يقدمها للبشرية مما سمح بمزيد من القلق على مستقبل يغلب فيه ذكاء الآلة على ذكاء الإنسان، حيث تتمثل إحدى المشكلات في كون أنّ الذكاء الإصطناعي،ُّغالبا ما بتم تصويره خاصة في وسائل الإعلام الأكثر إثارة على أنه قادر على تجسيد قدرات البشر وهذه طريقة مُضللة للغاية بالنظر لتلك التقنيات، فالكثير من الأشياء التي يتم تصنيفها على أنها ذكاء إصطناعي ليست ذكية إلى حد كبير فهي لا تعدو كونها خوارزميات لإنتاج مخرجات معينة.
في بعض الأحيان يكون من الأفضل الإحتفاظ بالقوة البشرية العاملة بدلا من الإنتقال إلى الأتمتة لحماية مصادر دخل الناس، وعليه لا يمكننا الآن الإستهانة بقدرات الذكاء الإصطناعي لإنّ تأثيره المستقبلي سيكون كبيرا ومذهلا ومثيرا حيث أصبح يتماشى مع الوظائف تقريبا، وبالتالي ستؤدي العملية لأزمة في الوظائف إلى إزاحة الأشخاص عن أعمالهم، وهنا تصبح الأمور أكثر ريبة وتعقيدا عما هي الأنّ، والسؤال الجوهري سيكون:” ماذا سيعمل الأشخاص بدلا من ذلك؟”. كان المعمول في البداية أن يساهم الذكاء الإصطناعي في دعم إنتاجية البشر، لكننا بتنا نرى كيف أصبحت وظائف البشر عرضة للإستهداف، لدى فإنّ الخبراء يعتقدون أننا لا زلنا في صراع امام مزايا ومساوئ الذكاء الإصطناعي، ربما لم يتوقّع أحد أن تزاحم الآلة الذكية الوظائف الإبداعية.
الأدباء والفنانون مُتخوّفون من الآلة الذكية
فاجأت جريدة (الغارديان) البريطانية قراءها في سبتمبر 2020 بمقال إفتتاحي كتبه برنامج للذكاء الإصطناعي، بينما طور مبرمجون روبوتات لنظم الشعر مستفيدة بذلك من قاعدة ضخمة للبيانات تضم آلاف القصائد لفحول الشعر العربي فتنسج على منوالها. جدل كبير أثارته لوحة فنية حملت إسم (مسرح أوبرا الفضاء) عندما إحتلت الصدارة لمسابقة منحف (كولورادو) الأمريكية، بحيث لم تتمكن لجنة التحكيم من التمييز إذا كانت اللوحة من صنع مبدع بشري أم من آلة ذكية؟ وبرأي الخبراء، هناك بيانات عديدة تستخدمها هذه الآلات حيث تعتمد فيها بشكل مباشر على الرصيد الهائل لتصاميم سابقة لفنانين ومبدعين، زمن هنا يبدأ التخوّف أن تتعرّض أعمال الفنانين للسرقة ومن دون إذن منهم، وانتهاك لحقوق الملكية الخاصة بهم. كما أنّ التصميم لم يعد إستحداث غرافيكس جديد فحسب بل عملية يحتاج لشيء إنساني أكثر ودراسة للسوق وتطوير للشيء المطلوب من المصمم. وعليه لم يطلب منهم تصميم أي عمل يستخدم للذكاء الإصطناعي، بل يتمنون ان لا يُطلب منهم ذلك مستقبلا لأن هذا الشيء يُعتبر في حدّ ذاته كابوس لكل مصمم وفنان اجتهد وتدرب ولديه خبرات. بحيث في هذه اللمسات هناك اللمسة الإنسانية التي لم يستطع أحد بعد تحويلها إلى كود ثم الناء عليها ما يريد أن يقرره الذكاء الإصطناعي. وعيه تعتبر مرحلة صعبة كثيرا ان يكون للمصمم منافس يتمثل في الآلة.
الترجمة الآلية نقمة على وظائف المترجمين التقليديين.
كما تشهد التطبيقات المعتمدة على الذكاء الإصطناعي تطورا كبيرا، بحيث يتوقّع ان يتداول سوق الترجمة الآلية 7،5 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 ما يطرح التساؤل عن تلك الترجمة وكفاءتها في احتلال وظائف المترجمين التقليديين. حيث من لحظة وصل طلب الترجمة إلى لحظة تسليم الترجمة هناك الكثير من الأمور الإدارية يساعد الذكاء الإصطناعي كثيرا فيها، وعليه فلا مجال لتضييع الوقت في تلك الأمور ما دام الذكاء الإصطناعي سيحلها. كما ترى الكثير من الشركات والمؤسسات بأنّ الذكاء الإصطناعي من خلال روبوت الدردشة يساعد كثيرا المعاملات المترجمة مع العملاء، بحيث ارتفعت الجودة وعدد الكلمات التي يمكن تقديمها للعميل تضاعفت. فيما يرى آخرين بأنّ الآلة ليست مثل افنسان في العملية الإبداعية، بحيث تترجم كلمة بكلمة أكثر مما تترجم المعاني والسياق العام. كما انه خلال السنوات الماضية مع تطور الأنظمة للترجمة الآلية للذكاء الإصطناعي لم يعد بحاجة إلى عدد من المترجمين بنفس الوظيفة التي يمكن للآلة عمله، بحيث سيشرف عليها اثنان أو ثلاثة بدل من عشرين شخصا.
تطبيقات الدردشة الآلية
مجال آخر تقدمت فيه الآلة لتنافس على مهام ووظائف خدمة العملاء يعرف بالدردشات الآلية وهي تطبيقات ذكية تحاكي المحاكاة البشرية وهو ما بات مألوفا مع العشرات من المواقع الإلكترونية التي نرتادها كل يوم، حيث بلغ سوق خدمات الدردشة الآلية 3،78 مليار دولار امريكي سنة 2021 مع التوقع بتسجيل نمو سنوي مركب قدره 30،29 بالمائة في الفترة ما بين 2022 و 2027. أن استخدام روبوت الدردشة إلى قنوات الإتصال تعتمد على النص مثال (الفايسبوك، الإنستغرام، الوايت ساب، الميسنجر) أو مساعد الصوتي الذي يستهدف فيه مواقع التواصل بالشركات حتى يمكن أتمتة المكالمات الآنية من العملاء ويمكن أتمتتها ببساطة. وعليه فإنّ خدمات الدردشات الآلية يمكنها التفوّق على الرد المباشر للموظف العميل بالدقة في الإجابة، لكن العيوب في هذه الخدمة أنها لا تستطيع محاورة جميع العملاء بمختلف الإجابات. كما أنّ الموظف يمكنه إجابة العميل على عدة إستفسارات أو يحل مشكلة، بالمقابل الدردشة الألية لا يمكنها حل المشكلة بل تعطي فقط الإجابة على سؤال واضح وصريح، لأنّ هناك أسئلة تحتاج إلى أنظمة واستشارات فنية وقانونية، وعليه فإنّ موضوع الدردشة الآلية لا تستطيع مثل الموظف في هذا المجال. بالنسبة إذا كانت وظائف خدمات الدردشة مهددة أم لا بوجود الذكاء الإصطناعي، هناك الكثير من العاملين في القطاع يتوقعون أنها لن تكون مهددة وإنما ستقلل في عدد الموظفين، وهناك من يرى أنه يمكن استبدال الوظيفة.
فهم خاطئ
هذا الذكاء الإصطناعي يتعلّم منّا بقدر ما نستطيع تعليمه، هو ليس بالذكاء نحن الذين نعامله كذكي ونسميه ذكي لكنه في الأصل ليس ذكيا بل الإنسان الذي اخترعه هو الذكي والاذكى في نفس الوقت. بحيث يعتقد الكثير من الخبراء بأنّ هناك مجالات كثيرة يكون فيها العامل البشري ذكيا من الآلة، فالذكاء العاطفي هو تفسير الإشارات الدقيقة للسلوك البشري وفهم الأمور النفسية إلى ذلك جميعها يصعب جدا على تلك الآلات فهمها. كما أنّ لوجود العنصر البشري مهم جدا، لو ذهبنا مثلا إلى “السوق ماركيت” ونعمل “سكانير” للمشتريات، أحيانا يتوقف الجهاو فنضطر الإستعانة بالموظفين، بمعنى آخر دائما العنصر البشري الذي يقوم بتدقيق الاعمال وإلا ستكون مجرد وظائف آلية بلا روح، كما أنّ الإنسان بطبعه يريد الإستئناس وأن يرى امامه شخصا يحكي معه، وهذا ما لا نجده مع الآلة. وعليه لم يحن الوقت لاستبدال الإنسان بالآلة لسبب بسيط لأنه هو الذي يعمل كل شيء لهذه الآلة.
خصوصية الإنسان
بيانات ومدخلات لا حصر لها، تستقبلها الآلات الذكية عن سلوك البشر وعاداتهم وتفضيلاتهم مما يستدعي دورا رقابيا يحفظ للإنسان خصوصيته. كما أنّ استخدام بعض تطبيقات الذكاء الإصطناعي قد يُفقدنا الإستقلالية والخصوصية ويعرض قيمنا وثقافتنا للتهديد وحتى إدراكنا بأن نكون بشرا صار عرضة للتهديد. تحولات عالمية كبرى يقودها الذكاء الإصطناعي منذ عقدين من الزمن بدت الدول العربية أكثر تباينا في التعاطي معها، فبينما حرصة الدول الأغنى تبني تلك التقنيات مفسحة المجال لها في خطتها الإستراتيجية، لم تُعرها دول أخرى نفس الاهتمام. بحيث أظهر المؤشر العالمي للذكاء الإصطناعي وقائمته التي تضم 62 دولة هذا التباين بوضوح. وكان التأثير الإيجابي الوحيد لجانحة كورونا (كوفيد 19) أنه لفت الإنتباه للشركات والمنظمات والحكومات على ضرورة تسريع تبني هذه التكنولوجيا حتى تقدر الدول العربية تطور وتنمي مجتمعاتها واقتصاداتها، بحيث لا يمكن أن تكون الدول والشعوب ضحايا للذكاء الإصطناعي فإن كان من الصعب إعادة الأمور على الوراء فإنّ الحكومات بوسعها ان تلعب دورا في رسم مساحات العمل الخاصة بها ووضع اللوائح المنظمة لها. وعليه هناك مسؤوليات على الشركات والحكومات لإعادة تأهيل الناس الذين كانوا يعملون في وظائف تمّ استبدالها من طرف الذكاء الإصطناعي ويمكن تسخيرهم لوظائف مختلفة ويكون لهم دورا في الثورة الجديدة. كما يجب على كل الجامعات تعليم الطلاب على كيفية إستخدام هذه الأدوات لأنّ هذا التطور جاء من أجل البقاء وإذا أردنا البقاء في السوق يجب ان نعرف كيف نستعمله. خاصة وانّ الإنسان لديه القدرة على تطوير نفسه ويتعلم مهارات جديدة ويكتسبها بحيث يواكب هذا التطور التقني. كما يجب أن نأخذ بعين الإعتبار قدرة البشر على القيام بمهام لا حصر لها لما يمتلكونه من مهارات وقدرات، ويبقى الأمل ان يكون هناك حراك عالمي يضع قواعد منظمة إستخدامات الذكاء الإصطناعي يدعّم النُّظم والثقافات والقيم المحلية. في سياق متصل لا يمكن الإقدام على عرقلة انتشار الذكاء الإصطناعي لأنّ افقدام عليه سيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد وسيخلق مشاكل إجتماعية ومهنية. السؤال الحقيقي الآن (كيف يمكننا حماية البشر من تغول الذكاء الإصطناعي؟ كيف نتحكم فيه ونُطوّعه بما يحقق النتائج المرجوّة؟).
بقلم: أحــمــد الــشــامــي