لك سيدتي

الوجه الأخر للمرأة ما بعد العقد السادس

النساء المتقاعدات العازبات

إن الحديث عن النساء المتقاعدات خاصة منهن العازبات، يحمل الكثير من الشجن والقلق بشأنهن رغم انّ معظمهن مثقفات وكنّ موظفات وإطارات وتحمّلن العديد من المسؤوليات، لكن مجرد الولوج في أغوارهن والحديث معهن، نكتشف الوجه الآخر لهن الذي ظل خفيا لعقود ولا يمكن للمرء ملاحظته بمجرد رؤيتهن أو التعرف عليهن، بل إنّ مظهرهن من حيث الجمال والأناقة يظل طاغيا عن المعاناة والقلق والحيرة بداخلهن.

بيتي هي جنتي، أريده ان يكون أجمل مكان في هذا الوجود

السيدة “نجية” 65 سنة، عملت في حقل التدريس لأزيد من 30 سنة كأستاذة لغة فرنسية، حاليا متقاعدة وماكثة في البيت، لم تتزوج في حياتها. كانت لها قصة حب أفلاطونية مع زميل لها في الثانوية لكنها انتهت كقصص الشهد والدموع، تزوج الفتى وظلت وحيدة وفية لحبها ورفضت كل عروض الزواج، كانت صدمتها أقوى من أي خطب جلل آخر. حاليا هي راضية بقدرها، تملك شقة وسيارة ولها تقاعد مريح ليست بحاجة إلى أي شخص مهما كان. تقضي معظم وقتها في بيتها والإعتناء به من كل النواحي، حيث قالت:” بيتي هي جنتي، أريده ان يكون أجمل مكان في هذا الوجود، لهذا أعطي اهتماما لأدق التفاصيل واعيد ترتيب أشيائه باستمرار حتى لا أحس بالملل كما أغير ديكوره مرة كل سنة حسب آخر صرخات التزيين والديكورات. أهتم كثيرا بنفسي من حيث المراقبة الدورية للطبيب وممارسة الرياضة وبمظهري، أريد أن ابدو ملكة حتى مع نفسي، كما أنني أقرأ كثيرا وأسافر، أحب الترحال عبر مدن بلادي التي بدأت أكتشفها من الداخل واتعرف على معالن=مها الرائعة” هكذا هي اليوم الحياة اليومية للسيدة “نجية” وهكذا بدأت تفهما كما استطردت قائلة:” الحياة جميلة جدا فقط يجب أن نعرف كيف نعيشها بكل بساطتها وعفويتها، نحن البشر الذين نعقّد كل شيء لهذا أصبحنا مضطربين وقلقين وخائفين من الغد رغم انه قد يكون الأجلى من الأمس والروع لما قبله”,

اخطر قرار إتخذته في حياتي خين أقسمت بأن لا اتزوج أبدا

من جهتها السيدة “خديجة” 63 سنة، عملت موظفة في البنك لأكثر من 34 سنة، لم تتزوج في حياتها رغم أنها ارتبطت عاطفيا عدة مرات برجال مختلفين اجتماعيا وثقتافيا، ترى بأن الحياة كامرأة متقاعدة وحيدة، له سلبياته أيضا من حيث فقدان الدفء العائلي والتكافل الأسري والشعور بالمسؤولية تجاه البيت والوزح والولاد وبشكل خاص فقدان ميزة الإنتماء الأسري الشخصي، حيث صرحت قائلة:” أنا لا انكر أني لست سعيدة في حياتي، بل الحمد لله املك كل رفاهيات الحياة من منزل وسيارة وتقاعد مريح لكن هذا وحده لا يكفي ليجعلك امرأة سعيدة لأنّ الأساس لم أهتم به خلال مسيرتي المهنية، صحيح جربت الحب مع أشخاص وأصبت بصدمات وخيبات أمل، لكن أصعب واخطر قرار إتخذته في حياتي خين أقسمت بأن لا اتزوج أبدا، اليوم أشعر بتداعيات القرار الذي اتخذته في لحظة غضب وكرهي لكل الرحال، لكنه لم يكن الحل بل الهروب من أزمة عاطفية كان من الواجب علي مواجهتها وحلها”. إعتراف أنثوي له دلالاته وأبعاده، ومع ذلك تقول باعتراف جريئ وقوي آخر:” علي اليوم في مثل هذا السن وقد تجاوزت الستين أن اتحمل رتابة الحياة وبرودتها وافتقادي للدفء العائلي مثل كل امرأة متزوجة لها أولاد، لست راضية بكل صراحة.”

 أريد الإستمتاع أكثر بحياتي في مثل هذا السن المتقدم

أما السيدة “جميلة ” 64 سنة، موظفة متقاعدة ترى بأن المرأة المتقاعدة خاصة العازبة تهتم أيضا بعائلتها خاصة والديها وهي دائما تساعد أخوتها واخواتها حتى ولو كانت مستقلة عنهم، بل تتعهدهم يوميا بزيارتهم وخدمتهم ومرافقتهم خاصة والدتها باصطحابها بين الفينة والأخرى في رحلات استجمامية، وفي ذات السياق تقول:” يجب علي تنظيم أوقاتي لأني متقاعدة ووقت فراغي مبير جدا، لهذا أقضي الكثير منه مع والدي في البيت العائلي وفي رحالات لولايات أخرى معهما”. بمعنى آخر أن المرأة المتقاعدة العازبة لديها عدة مهام عائلية تقوم بها على عرار الثفر مع والديها وأيضا التكفل بتكاليف ذهابهما إلى البقاع المقدسة لأداء مناسك العمرة، وأيضا كما تقول:” أقوم مع بعض الصديقات المقربات مني وكلهن متقاعدات وعازبات بجولات استكشافية داخل الوطن وحضور المنتديات النسوية والنشاطات الثقافية والفنية وحتى العروض المسرحية، لأني أريد الإستمتاع أكثر بحياتي في مثل هذا السن المتقدم ربما أعوّض سنواتي التي قضيتها كلها في العمل”، لكن هل الحياة المهنية السابقة تحنّ إليها؟ تقول “جميلة” بصراحة:” لا أبدا، لأنّ لي فيها الذكريات السيئة أكثر من الجميلة، وعرفت أشخاصا بحكم العمل لا غير تمنيت أن لا اتعرف عليهم إطلاقا، وكانت لي خيبات ظن من المسؤولين بل كانوا سببا مباشرا في عدم ترقيتي خلال مشواري المهني، لهذا لا يحزنني فراقهم ولا حتى ذكراهم”.

بقلم: رامي الحاج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى