الحدثحوار

“الصيرفة الإسلامية في الجزائر، نظام مصرفي مبتكر وتحديات مستقبلية”

الأستاذ الدكتور حاكمي بوحفص، أستاذ جامعي، يصرح "للبـديـل":

الأستاذ الدكتور حاكمي بوحفص أستاذ جامعي، قسم العلوم الاقتصادية، جامعة  وهران 2 ، رئيس فوج بحث تكويني حول ” التكنولوجيا المالية دورها في تعزيز الشمول المالي في المصارف الإسلامي” ، رئيس مشروع ماستر حول “المالية والبنوك الإسلامية “

له عدة كتب و إسهامات ومقالات ومداخلات في العديد من الجرائد، يساهم في تنشيط العديد من الحصص التلفزيونية وله تجربة في مجال البحث في القطاع المصرفي ورؤية عميقة للقطاع من خلال اختصاصه واحتكاكه بالخبراء والمتعاملين الاقتصاديين وبشكل خاص ما تعلق بالشأن  البنكي والمصرفي.

 جريدة “الـبـديـل” حاورته في بعض المسائل الاقتصادية وبشكل خاص ” للبديل” حول “الصيرفة الإسلامية في الجزائر”

ما هي مبادئ وأسس الصيرفة الإسلامية وكيف يمكن تطبيقها في النظام المصرفي الجزائري؟

 الصيرفة الإسلامية تتعلق بالواسطة المالية في المعاملات المصرفية وتقدم منتجات مالية أصيلة ومبتكرة ضرورية لجلب الإدخار وتمويل الإستثمار   والصيرفة الإسلامية  مكون رئيسي من مكونات المؤسسات المالية الإسلامية التي يقوم عليها النظام المالي وهي تقوم علي مجموعة من المبادئ والأسس تميزها عن الوساطة المالية التقليدية وهذه المبادئ تتعلق :

(1)- أن الأصل في المعاملات التي تقوم بها هو الحل أو الإباحة بمعني المساحة الخاصة بالعمل المصرفي والمعاملات  شاسعة وكبيرة وليس العكس كما يتوهم ويتصور الكثير من الناس ماعدا تلك التي لا تتوافق مع الشريعة الاسلامية   .

(2)- المصرفية الإسلامية تتعامل في الأصول الحقيقية وليس الوهمية بمعني تلك السلع والخدمات الملموسة، وقد كان التعامل في أنشطة تحتوي علي عدم اليقين والغرر والمشتقات المالية بسبب الإفراط في التعامل بالنقود أحد أهم أسباب أزمة الرهن العقاري،  بمعني المصرفية الإسلامية تدعم الأنشطة الاقتصادية الحقيقية (الإقتصاد الحقيقي).

(3)- من المبادئ أيضا تحريم الغرر في المعاملات المصرفية مثلما يحدث في العقود التقليدية التي تخفي العيوب المتعلقة بالغرر وبالتالي يتحمل الطرف الثاني مخاطر وتكاليف هذا الغرر.

(4)- المصرفية الإسلامية لا تتعامل بالأنشطة المحرمة أو المشبوهة مثل غسيل الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية أو التعامل بالعقود التي، تنجر عنها فوائد تؤدي إلى الربا المحرمة .

–  المصرفية الإسلامية يمنع التعامل بالفوائد أخذا وعطاء سواء ما تعلق بالاستثمار أو الإدخار، والبديل لذلك هو أن التعامل يتم علي أساس  تقسيم المخاطر ومن ثم المشاركة في الربح والخسارة في جميع صيغ البيوع أو تقسيم الربح.

–  تقوم مبادئ المصرفية الإسلامية علي تحريم ما لم يقبض وربح ما لم يضمن.

بالإضافة إلى مبادئ وأسس أخري تتعلق بمجمل المعاملات من وجهة نظر الشريعة كالنظر إلى النقود حيث تري فيها المصارف التقليدية بأنها سلعة في الوقت الذي تعتبر في المالية الإسلامية ليست سلعة ومن ثم لا ينبغي الإحتفاظ بها والتخلص منها بسرعة مما يجعلها في مناوئ عن حدوث التضخم .

وهناك العديد من المبادئ والأسس المرتبطة بطبيعة المصارف الإسلامية تميزها عن المصارف التقليدية.

ما هي القوانين واللوائح التي تنظم الصيرفة الإسلامية في الجزائر، وكيف تختلف عن الصيرفة التقليدية؟

 أما بالنسبة للقوانين التي تنظم الصيرفة الإسلامية في الجزائر ينبغي الإشارة أولا  أن الجزائر اختارت ازدواجية المصارف التقليدية والإسلامية لاعتبارات عديدة وهناك العديد من القوانين التي تقوم بتأطير عمل المصارف الإسلامية منذ  أن تم فتح أول بنك يعمل حسب قواعد الشريعة الإسلامية (بنك البركة) وأيضا مصرف السلام واعتماد هيئة المطابقة الشرعية متمثلة في المجلس الإسلامي الأعلى كهيئة مطابقة شرعية للإفتاء للصناعة المالية الإسلامية وصولا إلي السماح للبنوك التقليدية بفتح نوافذ إسلامية بها وأخيرا تدعمت بروافد اخري تتعلق بالسماح لشركة التأمين التكافلي بمزولة أعمالها في الجزائركرافد للمصرفية الاسلامية وتحقيق الشمول المالي ، حيث وتأسيس شركة Gam للتأمينات .

ولعل أهم القوانين التي أرست قواعد العمل المصرفي الإسلامي في الجزائر ما صدر أخيرا وعلي الخصوص :

– قانون 4 نوفمبر 2018 المتعلقة بقواعد ممارسة العمليات المصرفية بالخاصة بالصيرفة التشاركية .

– نظام 02.20 المتعلق بالصيرفة الاسلامية وقواعد ممارستها في البنوك  والمؤسسات المالية التقليدية .

غير أن شروط وكيفيات ممارسته لم يتحدد إلا بعد صدور المرسوم رقم 21.81 . وأخيرا إنشاء، حوالي 500 شباك للصيرفة الإسلامية.

من خلال الاختلاف مع الصيرفة التقليدية فذلك مرده الي طبيعية عمل كل مصرف. فالمصارف الاسلامية ليس هدفها النهائي الربح وحده وإنما طبيعتيها تعبدية أخلاقية تكافلية واقتصادية

أيضا المصارف الإسلامية تتمتع بصفة التاجرحيث ان المصرف الاسلامي تاجر يستطيع المتاجرة في السلع ولكن هذا غير متاح في المصارف التقليدية ،

وكذلك  تعدد صيغ التمويل الإسلامية (400) صيغة  وفي الوقت نفسه تفتقر المصارف التقليدية إلي تنوع الصيغ وتقتصر علي القرض بفائدة وإلي غيرها من العوامل مما اوجد مجالات مختلفة للتمويل الاسلامي ( المزارعة ، المغارسة ، الاستصناع ، السلم …)

هل يمكنك تقديم نظرة عامة على المنتجات والخدمات المالية الإسلامية المتاحة في السوق الجزائري؟

 بالنسبة للمنتجات المالية الإسلامية فإن هناك حزمة من الخدمات المقدمة في شكل عقود وهناك تنوع كبير فيها مثل المشاركة والمرابحة والمضاربة والسلم وعقد الإستصناع والإجارة وعقود البيع الأجل وغيرها، وقد ابتكرت الهندسة المالية صيغ جديدة مبتكرة مثل الصكوك الإسلامية. بالنسبة للمنتجات والخدمات المالية الإسلامية يمكن القول أن السلطات العمومية الآن عازمة علي الانفتاح علي الخدمات المالية الإسلامية سوءا تلك التي تقدمها المصارف الإسلامية علي غرار بنك البركة ومصرف السلام في شكل تلك الخدمات التي ذكرناها مثل المرابحة لشراء السكنات والعقارات والسيارات وتمويل الإستثمار كعقود الإستصناع (أو تلك الخدمات التي تقدمها شركات التأمين التكافلي أو مؤسسات الزكاة والوقف فهي كثيرة ومتنوع)

ونرجو أن تكتمل الصناعة المالية  بإصدار الصكوك الإسلامية قريبا لتمويل المشاريع الاستثمارية  لأن من خصائص المؤسسات المالية الإسلامية أنها تعمل بشكل مؤسسي، وضرورة  خلق جو من المنافسة بين المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية  في تمويل الاستثمار يستفيد منه المتعاملون والمؤسسات ويسمح لسلطات العمومية بتمويل البنية التحية الضرورية لبعث النمو الاقتصادي، من خلال ترقية السوق المالي في الجزائر وإعطاء حيوية أكبر في تمويل لهذه المؤسسات  للاقتصاد من خلال أليات البنكية التقليدية والصكوك الإسلامية.، خاصة وأن المصارف الإسلامية اثبتت صلابتها في ظل الأزمات المالية المختلفة .

ما هي التحديات التي تواجه الصيرفة الإسلامية في الجزائر؟ هل هناك عوامل اقتصادية أو اجتماعية تؤثر على نمو هذا القطاع؟

 إن التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية فهي كثيرة تتعلق بتامي وانتشار هذه المصارف وقدرتها على المنافسة في ظل إحتكار العمل المصرفي من طرف القطاع العمومي، وأيضا تحدي العلاقة مع البنك المركزي واعتباره أن المصارف الإسلامية مصارف ذات طبيعة خاصة لابد لها من قوانين خاصة بها . وهناك تحديات شرعية تتعلق بالمطابقة الشرعية وكيف يمكن إقناع المزيد من الزبائن أفراد ومؤسسات من التقرب منها والتعامل معها وهذا العامل مهم في كسب المزيد من التقه خاصة وأن الطلب علي الخدمات المصرفية الإسلامية كبير .

ومن هنا فإن المصارف الإسلامية في حاجة ماسة إلى سياسات تسويقية وترويجية لإقناع الناس بأن هذه المعاملات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وأن هذه المصارف تتوفر هيئة رقابة شرعية من كبار العلماء والخبراء.

بالإضافة إلى تحديات أخرى تتعلق بارتفاع تكلفة التعامل مع المصارف الإسلامية مقارنة بتكلفة القروض في البنوك التجارية. وهناك ايضا العديد من التحديات تتعلق بجوانب تأهيل الكاودر البشرية والمسؤولية الاجتماعية للمصارف الإسلامية ،  والالتزام بأخلاقيات المهنة للعاملين وغيرها

وتبقي المطابقة الشرعية للخدمات  تحدي كبير لإقناع الزبائن،  وهناك عوامل اجتماعية وثقافية تتعلق بنقص التثقيف المالي وضوابط المعاملات الإسلامية التي ينبغي علي الزبائن الإلمام بها .

هل توجد أمثلة على مشروعات ناجحة أو استثمارات إسلامية كبيرة تم تنفيذها في الجزائر باستخدام مبادئ الصيرفة الإسلامية؟

 الأمثلة كثيرة لتمويلات إسلامية ناجحة سوءا ما تعلق بالزبائن الأفراد في الحصول علي تمويل سكنات سيارات أو غيرها أو تمويل المؤسسات    .

ما هي التوجيهات المستقبلية لتطوير الصيرفة الإسلامية في الجزائر وكيف يمكن تعزيزها لتلبية احتياجات الجمهور وتحفيز النمو الاقتصادي؟

 أما بالنسبة للتوجهات المستقبلية لتطوير الصيرفة الإسلامية فإن لب القول أن الأفاق واعدة بسبب ارتباط الجمهور بالموروث الإسلامي  يتيح وجود طلب كبير علي خدماتها وثانيا فإن الأفاق المستقبلية متوقفة علي الانتقال بالعمل المصرفي إلى أفاق أفضل مما هي عليه الآن وقدرتها علي المنافسة في ظل سيطرة المصارف التقليدية في الجزائر علي العمل والسوق المصرفية وثانيا مرتبط بتكامل المؤسسات المالية الإسلامية (بنوك، تكافل زكاة، صكوك…). وأيضا بقدرة وإرادة السلطات في الدفع بهذه الصناعة المالية الإسلامية الناشئة والاستفادة من ثمارها علي غرار العديد من البلدان الرائدة في هذا المجال ، وأيضا تحديات مرتبطة سوءا في توفير التمويل بطريقة تنافسية تتيح للمتعاملين والمؤسسات في الحصول على أفضل الخدمات التمويلية الميسرة. أو مساعدة السلطات في رفع الضغوط التمويلية علي الخزينة العمومية، وإعطاءها الفرصة في التعامل مع الإقتصاد الحقيقي دون اللجوء إلى التمويل التضخمي وطبع النقود.

كيف تتعامل المصارف الإسلامية مع قضايا الشرعية والأمتثال في أنشطتها المصرفية؟

  أما بالنسبة لقضايا الشرعية والأمتثال في المصارف الإسلامية وخاصة في الجزائر فيمكننا القول بأنها من أكبر المخاطر التي تواجه مدي قبول الزبائن للمنتجات المالية الإسلامية، بحيث أن مخاطر سمعة مدي الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية من بين أهم المخاطر التي تواجهها وبالتالي تضيف إلى المخاطر الأخرى مثل مخاطر الربحية ومخاطر السيولة عاملا أخرى يؤثر علي ثقة الزبائن والمؤسسات التي تتعامل معها ويترك انطباعا عاما بأن المصارف الإسلامية  تقدم خدمات مشابهة للخدمات المصرفية التقليدية وأن الفرق بينهما ليس كبيرا وأن القضية تتعلق بالالتفاف علي الفائدة وهو انطباع خاطئ، ولذلك فإن تفعيل دور هيئات الرقابة الشرعية ومطابقة المنتجات لأحكام الشريعة تعتبر من القضايا الهامة في عمل المصارف الإسلامية، لما لذلك من أهمية في تفعيل الحكامة علي مستوي المصارف الإسلامية وتحقيق السلامة المصرفية لأنها تعمل في وسط بيئة مصرفية متنوعة المخاطر تهدد وجودها واستمرار وتحقيق أهدافها ورسالتها. وتكمن أهمية هذه الوظيفة الهامة (الشرعية والامتثال) في المصارف الإسلامية كونها تلعب دورا أساسا في تعزيز الحوكمة بصفة عامة والحوكمة الشرعية بصفة خاصة . لأن الجمهور الآن يركز في التعامل مع هذا النوع من المصارف على المصداقية الشرعية بعد تاريخ طويل مع الصيرفة التقليدية المملة، وهذه الوظيفة أيضا مهمة لاسترجاع المصداقية وهي جزاء مهما ومكون من مكونات الحوكمة الشرعية والتي تشمل هيئات الرقابة الشرعية والتدقيق الشرعي الداخلي والخارجي ولذلك فإن المصارف الإسلامية في الجزائر يجب أن تولي عناية خاصة للأمتثال  الشرعي الفاعل للتأكيد من أن  الالتزام  بمبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها أولوية العمل المصرفي الإسلامي بما يتطلبه ذلك من وجود عمل رقابي سابق وعمل رقابي لاحق ، لأن كل هذا جزء من الرقابة الوقائية وسيكون لذلك أثار ايجابية علي الإقبال والتعامل مع هذه المؤسسات ويؤدي إلى المزيد من الثقة من طرف الزبائن اتجاه المؤسسات المالية الإسلامية وهو أمر مهم في المصارف الإسلامية في الجزائر للمنافسة مع المصارف التقليدية. ولأهمية وظيفة الامتثال الشرعي في المصارف الإسلامية ودورها الإيجابي يمكن القول أن المصارف الإسلامية العاملة في الجزائر قد تساعد أيضا السلطات العمومية بهذا الدور الرقابي في تمويل الإقتصاد ومراقبة حركة السيولة ومحاربة غسيل الأموال والتمويلات المشبوهة .

حاورته: بن عيادة مريم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى