
لازال موضوع الذكاء الإصطناعي يصنع الحدث في عالم التكنولوجيا والتطورات العلمية لما أفرزه من تداعيات على المشهد العلمي والتكنولوجي العالمي على كافة الأصعدة، ولا زال الخبراء والمختصون في المجال بصدد البحث والإستشراف عن مستقبل الذكاء الإصطناعي في ظل التحولات التي يشهدها العالم. وعليه تم انعقاد مؤتمر دولي ما بين 6 و 7 جويلية الجاري بجنيف بحضور نخبة من الخبراء والعلماء والباحثين، وكانت لجريدة (الـبـديـل) فرصة للإلتقاء بالباحث الدكتور علي كحلان، وإجراء معه هذا الحوار
هل يمكن أن نقول اليوم أن العالم يشهد ثورة تكنولوجية مع ظهور الحلول التكنولوجية القائمة على الذكاء الاصطناعي؟
نعم، يشهد العالم حاليًا قفزة تقنية كبيرة إلى الأمام، مع ظهور الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي (AI) ، فهو ليس جديدًا، والذكاء الاصطناعي يتجاوز عمره 70 عامًا، إنه علم كمبيوتر قديم. التحول المستمر متعدد الأبعاد ويؤثر على العديد من المجالات مثل الصحة والتعليم والنقل والتمويل وأكثر من ذلك بكثير، والجديد أنه يؤثر بشكل مباشر على المواطن في أبعاد حياته الثلاثة، في المنزل، في العمل وفي أوقات الفراغ.
السرعة التي يتقدم بها الذكاء الاصطناعي مذهلة. لا يقتصر الأمر على أتمتة المهام التي كان يؤديها البشر تقليديًا فحسب، بل يمكنه أيضًا التعلم والتكيف لأداء مهام معقدة بشكل متزايد. يمكن أن تحقق هذه التطورات فوائد عظيمة، مثل زيادة الكفاءة، وتحسين الدقة، وتقليل الخطأ البشري، والأهم من ذلك توفير الوقت لأنشطة بشرية أكثر إبداعًا ومكافأة. ومع ذلك، فإنها تثير أيضًا أسئلة مهمة حول السلامة والأخلاق والتوظيف وعدم المساواة. نحن بالتأكيد نفترض فترة من التحول التكنولوجي المكثف، والذكاء الاصطناعي هو في قلب هذه الثورة.
لقد أولت الجزائر منذ فترة أهمية خاصة لهذا التخصص العلمي من خلال إنشاء مدرسة عليا م dedicated إلى الذكاء الصناعي وإطلاق استراتيجية تهدف إلى تطوير تعليمه في جامعاتنا. ما هي في رأيك التحديات التي يجب مواجهتها في هذا المجال؟
قامت الجزائر باتخاذ مسار طموح، وهو العمل على الذكاء الصناعي، وأظهرت الوعي بالتحديات والفرص التي تقدمها هذه التكنولوجيا. وليس هذا جديدًا أيضًا، كما ذكرتم في سؤالكم، فقد تم في عام 2018 اتخاذ القرار بوضع “الاستراتيجية الوطنية للذكاء الصناعي 2020-2030”. ومن بين التوصيات الأخرى، كانت توصية بإنشاء مدرستين وطنيتين عليا، واحدة للذكاء الصناعي (ENSIA) والأخرى للرياضيات (ENSM). وعلى الرغم من أن المدرستين تعملان منذ سبتمبر 2021، فإن هذا الطموح يتطلب التغلب على العديد من التحديات. التحدي الأول هو تطوير بنية تحتية شبكية قوية للسماح للذكاء الصناعي بأن يتفوق. وهذا يشمل شبكات النطاق العريض الموثوقة لنقل المعلومات، ومراكز البيانات لتخزين كميات ضخمة من البيانات، وأنظمة الحوسبة القوية لإجراء العمليات الحسابية المعقدة. لتكون الجزائر في طليعة الذكاء الصناعي، يجب أن تستثمر في تدريب شبابها وأي شخص قادر يحتاج لذلك. سيتعين علينا وضع برامج تعليمية مناسبة وذات صلة ومعلمين ماهرين لتدريب الموارد البشرية قادرة على فهم واستخدام الذكاء الصناعي بفعالية.
يتقدم مجال الذكاء الصناعي بسرعة، وبسرعة كبيرة. يتطور البحث والتطوير في الذكاء الصناعي بسرعة، ومن الهام جداً الاستثمار في البحث للبقاء على اطلاع بكل ما يؤسف للخطأ في الرد السابق، لقد تجاوز النص الحد المسموح به للرسائل. سأكمل الجملة وأتابع الرد. يتم في جميع أنحاء العالم ولتكون منافسًا ومنافسًا. يمكن أن يعني ذلك، سواء في الجزائر أو في الخارج وخصوصًا مع جاليتنا، إقامة شراكات بين الجامعات والصناعة والحكومة لتحفيز الابتكار في الذكاء الصناعي.
أي تكنولوجيا جديدة أو استخداماتها، يمكن أن تقلب الترتيب المعتاد رأسًا على عقب. مع الفرص الجديدة التي يقدمها الذكاء الصناعي، تأتي أيضًا تحديات أخلاقية وقانونية جديدة. من الضروري تطوير إطار تنظيمي مناسب لضمان استخدام الذكاء الصناعي بطريقة أخلاقية ومسؤولة. في الجزائر، تهدف القانون رقم 18-07 المؤرخ في 10 يونيو 2018 المتعلق بـ “حماية الأشخاص الطبيعيين في معالجة البيانات الشخصية” إلى ضمان احترام الخصوصية والحقوق الأساسية للأفراد من خلال تنظيم جمع البيانات ومعالجتها وحفظها والاتصال بها. هذا القانون يعود إلى ما قبل انفجار الذكاء الصناعي في جميع أنحاء العالم، خصوصًا مع استخدام الدردشة الآلية مثل ChatGPT، التي كانت محظورة في البداية في إيطاليا، قبل أن يتم السماح بها مرة أخرى بعد شهر. الأسباب الرئيسية للحظر كانت أن OpenAI (الشركة المنشئة لـ ChatGPT) لم تقم بإعداد نظام للتحقق من العمر لمستخدميها، وهو الإلزامي في اللائحة العامة لحمايةالبيانات الأوروبية (GDPR). كان ChatGPT في الأصل مخصصًا للمستخدمين الذين تزيد أعمارهم عن 13 عامًا، وكونه لا يوجد نظام للتحقق من العمر يمكن أن يؤدي إلى حالات يحصل فيها الأشخاص القصر على ردود غير مناسبة للعمر. النقطة الأخرى، لم تبلغ OpenAI المستخدمين أن بياناتهم ستُعاد استخدامها لتدريب نماذج الذكاء الصناعي.
كانت أوروبا قد اعتمدت في عام 2018، اللائحة العامة لحماية البيانات الشخصية (GDPR). للتوافق مع العالم الذي يتغير بسرعة كبيرة، أوروبا قد أصدرت مؤخرًا قانونًا أوروبيًا عن الذكاء الصناعي، وهو قانون الذكاء الصناعي. مع هذا البيئة الرقمية الجديدة، إكمال قانوننا أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.
لجني فوائد الذكاء الصناعي وأن تكون من الدول الرابحة، استيعابها هو المفتاح، في أسرع وقت ممكن وعلى جميع المستويات. من الأساسي تشجيع استخدامها في جميع القطاعات التي تحتاجها. يجب التوعية بالذكاء الصناعي ودعم المؤسسات في تحولها الرقمي. تحدي البيانات هنا. يحتاج الذكاء الصناعي إلى البيانات للتعلم والتحسين. لذا، من الضروري وضع سياسات لجمع واستخدام ومشاركة البيانات التي تكون عادلة وتحترم الخصوصية. ستكون سيادتنا الرقمية أقوى من خلال ذلك. نحن نواجه تحديًا كبيرًا ولكنه فرصة فريدة أيضًا. بتجاوز هذه التحديات، يكون للبلاد الفرصة لتصبح قوة رائدة في الذكاء الصناعي وتحقيق التحول الرقمي الكامل. الذكاء الصناعي يمكن أن يساهم في تحقيق النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة وتحسين جودة الخدمات العامة. ولكن، يتطلب ذلك التزامًا قويًا من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع الأكاديمي والمجتمع بأكمله.
في هذا السياق، يجب على الجزائر أن تنظر في كيفية تنمية واستخدام تكنولوجيا الذكاء الصناعي بطريقة تعمق سيادتها الرقمية وتعزز حماية البيانات الشخصية. يمكن للجزائر أن تستفيد من تجارب الدول الأخرى ولكن يجب أن تقوم بتطوير نهجها الخاص بناءً على احتياجاتها وأولوياتها.
على الرغم من أن الذكاء الصناعي يقدم العديد من الفرص، فإنه يأتي أيضًا بتحدياته الخاصة. ومع ذلك، بفضل الرؤية الواضحة والاستراتيجية القوية والالتزام بالتحسين المستمر، يمكن للجزائر أن تغتنم فرص الذكاء الصناعي وتحقق تحولًا رقميًا ناجحًا. في النهاية، الذكاء الصناعي هو أداة، وتحقيق النجاح يعتمد على كيفية استخدامنا لهذه الأداة.
ما هو دور الشركات الاقتصادية الجزائرية في تطوير الذكاء الاصطناعي، خاصة لاستخدامه في المجال الصناعي؟
في الجزائر، كما في كل مكان آخر، انتشار الذكاء الاصطناعي (AI) هو أمر لا مفر منه ببساطة. دور الشركات الجزائرية في هذا السياق أساسي، خاصة في المجال الصناعي. على الرغم من الغرابة والتناقض، الذكاء الاصطناعي يجد الكثير من التطبيقات العملية في غرف الاجتماعات وخطوط الإنتاج. عندما يستخدم الأول الذكاء الاصطناعي كمساعد فعال لتوفير الوقت وزيادة الإنتاجية، يتبنى الآخر الذكاء الاصطناعي لتحسين العمليات. بهذه الطريقة، سوف تزيد الشركات الجزائرية ليس فقط من إنتاجيتها وتنافسيتها، ولكن ستحفز أيضًا الطلب على المهارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. هذا الطلب سيشجع بدوره التدريب وتطوير المواهب في هذا المجال الجديد الذي لا يجذب الشباب فقط. ومع ذلك، يجب ألا يقتصر التزام الشركات على التبني البسيط للذكاء الاصطناعي. لديهم أيضًا القدرة، وأقول حتى المسؤولية، للاستثمار في البحث والتطوير في هذه التكنولوجيا. سواء كان ذلك من خلال العمل على تطبيقات جديدة للذكاء الاصطناعي، أو تحسين الخوارزميات الحالية، أو البحث عن كيفية حل المشكلات الصناعية الخاصة باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن للشركات أن تلعب دورًا حاسمًا.
لهذا، يمكنهم تطوير شراكات مع المؤسسات الأكاديمية، وبذلك تقديم أرضية خصبة للبحث التطبيقي، والتدريب، والابتكار. يمكن لهذه الشراكات أيضًا أن تفتح فرص عمل وتدريب للطلاب، والمساهمة في تشكيل الجيل القادم من المحترفين في الذكاء الاصطناعي.
للشركات الجزائرية أيضًا دور في تقديم التدريبات المستمرة لموظفيها لمساعدتهم في اكتساب وتحديث مهاراتهم في الذكاء الاصطناعي.
يمكنهم أيضًا المساهمة في رفع الوعي بالذكاء الاصطناعي وإمكاناته، وتشجيع تبنيه على نطاق أوسع في المجتمع والاقتصاد.
كمستخدمين للذكاء الاصطناعي، للشركات أيضًا مسؤولية ضمان استخدامه بما يتوافق مع المعايير الأخلاقية والقواعد التنظيمية. الهدف هو ليس فقط حماية الأفراد، ولكن أيضاً المحافظة على ثقة الجمهور في هذه التكنولوجيا. في النهاية، الشركات الجزائرية لها دور مركزي في ثورة الذكاء الاصطناعي، دور سيكون حاسماً للمستقبل الاقتصادي والصناعي للجزائر.
بشكل عام، كيف ترى آفاق الذكاء الاصطناعي في الجزائر؟
بالنسبة لمستقبل الذكاء الاصطناعي (AI) في الجزائر، أنا متفائل جداً. على الرغم من أن البلاد تواجه تحديات مثل تطوير البنية التحتية التكنولوجية، وتدريب الموارد البشرية المؤهلة في الذكاء الاصطناعي، والحفاظ على مواهبها، ووضع التشريعات المناسبة، إلا أنها تمتلك أيضًا العديد من المزايا.
لقد أظهرت الجزائر بالفعل الإرادة السياسية الواضحة لدعم الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال إطلاق استراتيجية في البحث والابتكار في الذكاء الاصطناعي وكذلك من خلال إنشاء مدارس عليا متخصصة واحدة منها مخصصة بالكامل للذكاء الاصطناعي مع تطوير تعليمه في الجامعات الأخرى في البلاد. يجب التذكير أن هذه المبادرات ستساهم في تكوين جيل من المحترفين المؤهلين في الذكاء الاصطناعي الذين يمكنهم قيادة تطوير وتبني هذه التكنولوجيا في البلاد. (انظر الشكل رقم 1)
من الهام أن نشير أن الجزائر قد تقدمت 42 مكانًا في تصنيف GAIRI (Government Artificial Intelligence Readiness Index) في عام 2018. لقد تقدمنا من المركز 141 إلى المركز 99 في غضون عامين.
ليس من قبيل الصدفة أن الشركات الجزائرية بدأت في الاعتراف بأهمية الذكاء الاصطناعي والاستثمار في هذه التكنولوجيا. الالتزام الذي يظهرونه مهم لتحفيز الابتكار وتبني الذكاء الاصطناعي في القطاع الصناعي. الجزائر تمتلك قدرة كبيرة فيما يتعلق بالبيانات، والتي هي الوقود الذي يعمل على تشغيل الذكاء الاصطناعي. إذا تم استخدام هذه البيانات بطريقة أخلاقية ومسؤولة، يمكنها تشغيل مجموعة متنوعة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، من الرعاية الصحية إلى التعليم، ومن الزراعة إلى الصناعة.
من الواضح أن الطريق نحو مستقبل يعتمد على الذكاء الاصطناعي ليس خاليًا من العقبات. ومع ذلك، إذا استمرت الجزائر في الاستثمار في التعليم والبحث والبنية التحتية والتشريعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، أعتقد أن لديها كل الفرص للنجاح في هذه المسعى. يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي هو المفتاح للتحول الرقمي للجزائر ويساهم بشكل كبير في تطورها الاقتصادي والاجتماعي وكذلك في تأسيس سيادتها الرقمية.
ق.ح