
أحيت دائرة مولاي سليسن جنوب ولاية سيدي بلعباس منذ أيام ذكرى وفاة البطل الشهيد “مواليد خليفة” المدعو “طاهر موسطاش”، في الذكرى الـ 64 لاستشهاده، الراحل كان قائدا للمنطقة الخامسة وحارب المستعمر الفرنسي الغاشم حتى استشهد من أجل الوطن، ترك كل شيء رغم الثراء وضحى من أجل أن تعيش الجزائر حرة مستقلة كغيره من أبطال الجزائر في مختلف ربوعها
ولد “مواليد بخليفة” المدعو “طاهر موسطاس” خلال سنة 1921 بقرية السعادنية، دائرة عين تالوت، ولاية تلمسان، ابن “حمزة” و”يامين فاطمة”، وهو ثاني إخوته، إذ كان له تسعة إخوة وثمانية أخوات، ثلاثة عشر منهم من امرأتين مختلفتين، كلهم التحقوا بالثورة التحريرية المباركة، استشهد خمسة منهم واثنان لازالا على قيد الحياة. توفيت أمه بعد أيام من ولاته، وتوفي أبوه خلال سنة 1948. وبخصوص عائلته الكريمة، فهي تنتسب إلى قبيلة أولاد بالغ التحاتة التي تنتشر فروعها بضواحي تاجموت، تلاغ رأس الماء، ضاية، مزاورو.
ثراء العائلة لم يمنع البطل من محاربة المستعمر
عرفت عائلة “مواليد بخليفة” بثرائها حيث كانت تملك 700 رأس من الغنم، 200 رأس من البقر، 08 أحصنة، شاحنة، سيارة من نوع ستروان ودكان لبيع المواد الغذائية، بالإضافة إلى العقارات الفلاحية، كما عرف عنها تمسكها بتعاليم الدين الإسلامي والأخلاق الفاضلة ومحافظتها على التقاليد المجتمع الجزائري ومحبتها لأهل العلم والمعرفة، وعنايتها بالقرآن الكريم وتحفيظه لأبناء القرية، حيث عينت هذه العائلة معلمين من أصول مغربية لتلقين الأطفال القرآن الكريم على نفقتها، وتكفلت بتأمين شؤونهما الاجتماعية، وليس غريبا على عائلة تمجد العلم المعرفة أن يكون من بين أفرادها من يحفظ كتاب الله، وهما الشهيدين “مواليد سعيد” و”مواليد شعبان”، في هذا الوسط الاجتماعي نشأ “مواليد بخليفة”، ولما بلغ سن الرابع والعشرين أكمل نصف دينه وتزوج من امرأة تدعى “خيرة بنت قدور” والتي توفيت مع طفلها عند الولادة، وبعدها تزوج “سي بخليفة” من ابنة عمه “مواليد زينة” والتي أنجب منها بنتان ووالدان، وبعد وفاة والده انتقلت إليه مسؤولية الإشراف على أموال وعقارات العائلة بحكم الأعراف التقاليد السائدة آنذاك، ومن ثم أصبح يحتل مركز والده على رأس عقلاء الدوار.
ظروف التحاقه بالثورة
بعد اندلاع الثورة، أخذت النواة الأولى للمجاهدين تتوسع شيئا فشيئا، وهذا بفضل جهود بعض المناضلين المخلصين، فحسب المعلومات التي استقيناها فإن الشهيد “مواليد بخليفة” كان على اتصال قبل الثورة بالشهيد “سي عيسى البوزيدي” و”بوزيان المصمودي” و”بوعلام المزاودي”.
وهذا ما يؤكد انضمامه إلى الخلايا التي كانت تحضر لاندلاع الثورة التحريرية، وهذه الاتصالات تكاثفت بعد اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954، حيث أصبح منزل العائلة بحكم موقعه الجغرافي مركزا يأوي المجاهدين والثوار، فكان مواليد بخليفة ينشط تحت خلية المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني سنة 1955، وقد حاول “سي الطاهر” إقناع “سي عيسى” بوجوب اللحاق بإخوانه المجاهدين في الجبال، إلا أن “سي عيسى” أكد لـ “طاهر موسطاش” مكانه بين الناس أنفع للثورة، لأنه سيزودهم بالمعلومات التي يحتاجونها، كما أن أهالي السعادنية وتاجموت يقدرونه ويستمعون إليه، إلا أن “الطاهر موسطاش” لم يكن راضيا أبدا بالمهام التي أسندت إليه لأنه كان يعرف، بل على يقين من أن دوره أكبر من هذا، فقام بإحراق مزرعة المعمر باسكال ومصنع للفحم رفقة أخيه الشهيد “مواليد عبد الرحمان” وبعد اكتشاف أمره، أصدرت السلطات الفرنسية في حقهما مذكرة بحث، وبعد العثور عليه من قبل الدركيَيْن الفرنسيَيْن اللذان كان يمتطيان الأحصنة، قام بضرب أَحدهما ولذ بالفرار والتحق بمجموعة المجاهدين التي كانت تحت قيادة “سي علال”، الذي شارك معه في أول الاشتباك قتل فيه 08 جنود فرنسيين وغنم 08 أسلحة، وفي ذلك اليوم أطلق عليه “سي علال” لقب “موسطاش” لشاربيه الطويلتين.
بعد هذه العملية العسكرية التي شارك فيها “الطاهر موسطاش”، قامت القوات الفرنسية بمصادرة جميع الأملاك العقارية التي كانت تملكها العائلة، وحرق المنزل وقتل جميع الماشية وتشريد أفراد العائلة الذين تم نقلهم إلى محتشد الحصيبة، وعندها قرر إخوة “الطاهر موسطاش” جميعا الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني، فاستشهد منهم خمسة أفراد وبقي اثنان على القيد الحياة، فهذه العائلة ضحت بأبنائها وأموالها من أجل أن تحيا الجزائر حرة مستقلة، على إثر التحقيقات التي أجرتها شرطة الاستعلامات العامة أيقنت أن “طاهر موسطاش” كان أحد المجاهدين البارزين، فجدت في البحث عنه وتعقب آثاره، لكنها فشلت في مهمتها، الأمر الذي دفع بالإدارة الاستعمارية إلى الحكم عليه غيابيا من قبل الرائد باهدو (BAHDO) قاضي التحقيق العسكري بالمحكمة العسكرية بوهران ومحكمة سيدي بلعباس التي صنفته كمجرم خطير وحكمته عليه بالإعدام.
أهم المسؤوليات التي تقلدها الشهيد “طاهر موسطاش”
بعد التحاق الشهيد “مواليد بخليفة” بصفوف جيش التحرير الوطني سنة 1956، عين على رأس فرقة من المجاهدين برتبة رقيب، أين قاد العديد من العمليات العسكرية ضد قوات العدو الفرنسي، والتي كللت معظمها بالنجاح، وفي سنة 1957 عين مسؤولا للتموين بالناحية الرابعة للمنطقة الخامسة للولاية الخامسة تاريخيا برتبة رقيب أول، وفي سنة 1959 عين مسؤولا للتموين على مستوى المنطقة الخامسة برتبة ملازم أول، حيث أوكلت إليه مهام تنظيم وتحديد مصادر التموين، بالإضافة إلى تعيين مسؤولي النواحي المكلفين بنقل وتوزيع وضبط مداخيل ونفقات التبرعات والاشتراكات والزكاة والرسومات والغنائم على وحدات جيش التحرير الوطني،وبعد استشهاد المجاهد “بن دحو عمارة” المدعو “سي بلحسن” قائد المنطقة الخامسة في شهر نوفمبر 1960، عين خلفا له الشهيد “مواليد بخليفة” قائدا لمنطقة الخامسة برتبة نقيب.
أهم المعارك والاشتباكات التي قادها الشهيد “طاهر موسطاش”
سنسلط الضوء على أبرز المعارك والاشتباكات التي شارك فيها أو قادها، كما شارك الشهيد في الكمين الذي نصب لقوات العدو الفرنسي خلال شهر جوان 1956 بالطريق الرابط بين بلدية القور ومولاي سليسن، وتم القضاء فيه على كتيبة كاملة والتحق بالمجاهدين أربعة عشرة جنديا جزائريا، كما شارك في المعركة التي وقعت في يوم 11 مارس 1957 بجبل الكسكاس بمنطقة أولاد ميمون، التي أسفرت عن مقتل العديد من الجنود الفرنسيين واستشهاد ثمانية مجاهدين.
من أهم المعارك التي قادها الشهيد “طاهر موسطاش” معركة جبل المعزم سنة 1958، ولقد كانت هذه المعارك التي شارك فيها الشهيد “مواليد بخليفة” مخططا ومنفذا تدل بحق على قدرته وأهليته للقيادة، وهو الشيء الذي جعله يحوز على ثقة القيادة التي منحته رتبة ملازم أول عام 1959، وهو ما جعله يدرك ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه، فضاعف من عملياته العسكرية وتوجيه للضربات ضد القوات الاستعمارية الفرنسية. وهكذا كانت الحرب سجالا بينه وبين العدو، ولم يكن ينته من اشتباك حتى يبدأ في التخطيط والإعداد لاشتباك آخر.
ظروف استشهاد الشهيد “طاهر موسطاش”
استشهد الشهيد “طاهر موسطاش” على إثر المعركة التي وقعت أحداثها يوم الجمعة 12 ماي 1961 بمنطقة جنان اللوز الواقعة بجبل بلعلاتين، بلدية القور، دائرة عين تالوت، التابعة تاريخيا للمنطقة الخامسة تلمسان وإداريا لولاية تلمسان، وفي هذا الصدد يقول المجاهدان “هلال بوفلجة” المدعو “زبير” و”الحاج مواليد بلقاسم” أخ الشهيد عند سردهما لأحداث هذا اليوم المؤلم، كان الموقع الذي وقعت به معركة 12 ماي 1961 تابعا للمنطقة الخامسة للولاية الخامسة التاريخية، وبعدما أسندت قيادة هذه الأخيرة للشهيد “طاهر موسطاش” وتولى زمام الأمور، دعا إلى عقد اجتماع لمسؤولي أعضاء المنطقة، لتدارس الوضعية الحربية والنظامية استعدادا لانطلاقة المقبلة ضد قوات العدو ولتصعيد العمليات الحربية بهدف شل مخططاتها، إن اختيار الشهيد “طاهر موسطاش” لهذا المكان دون غيره من المناطق يعود إلى جملة من الاعتبارات نذكر منها: المناعة التي توفرها الظروف الطبيعة في حالة وقوع حصار مفاجئ، بالإضافة إلى معرفة الشهيد بخبايا ومسالك المنطقة التي تربى فيها منذ الصغر، وقد كان عدد المجاهدين الحاضرين في هذا الاجتماع 65 مجاهدا.
يصرح المجاهدين “هلال بوفلجة ” و”مواليد بلقاسم” أن سبب اكتشاف مكان المجاهدين يعود إلى معلومات تمكنت القوات الاستعمارية من افتكاكها بعد إلقائها القبض على أحد المجاهدين بعد تعذيبه والكشف عن هويته، وصرح لهم بكل ما يتعلق بمجموعته ومكان تواجدها، وعلى الساعة السادسة صباحا قامت الطائرات الحربية بالتحليق فوق المنطقة وبدأت الطائرات المروحية بعملية إنزال العساكر، وتم محاصرة المكان وتطويقه، حينها أدرك القائد “طاهر موسطاش”، أنه لا مفر من المواجهة، فقسم المجموعة إلى عدة فرق كل فرقة تضم 12 مجاهدا، وعندما بدأ العدو يقترب من المجاهدين بدأ إطلاق النار واندلعت المعركة، حينها تكبدت قوات العدو خسائر كبيرة في صفوفها مما استدعى تدخل الطائرات الحربي التي بدأت بقصف مكان تواجد المجاهدين.
وفي حدود الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر، تمكنت إحدى الطائرات الحربية من إصابة الشهيد إصابة مباشرة بواسطة قذيفة “روكيت”، بعد أن خاض غمار هذه المعركة بكل شجاعة واقتدار، تمكن من خلالها إسقاط طائرة حربية. وقد استشهد معه الملازم “خلادي” والكاتب “سي مصطفى” والمجاهد “قدور”، أما بقية المجموعة فقد تمكنت من الانسحاب.
الصولي. ع