
في عام 2023، شهدت الجزائر تسارعًا كبيرًا في مسار الرقمنة، وضمنتها الرئيسية لبناء الجزائر الجديدة كآلية أساسية لضمان النزاهة والشفافية وتحقيق الحوكمة الإلكترونية والسيادة الرقمية. أعلن الرئيس عبد المجيد تبون خلال خطاب للأمة أن الدولة تعمل بجدية على تسريع مسار الرقمنة، وأكد أن نهاية النصف الأول من عام 2024 ستشهد الانتهاء من مشروع الرقمنة، بهدف الحصول على بيانات دقيقة لتحقيق التنمية بأسس علمية.
وقد أصدر الرئيس “تبون” العديد من القرارات، مؤكدًا أن “ميكانيزمات محاربة الفساد معروفة”، وأن الرقمنة تلعب دورًا هامًا في محاربة البيروقراطية والفساد. كما أصدر توجيهات للحكومة لتسريع مسار الرقمنة والإحصاء الدقيق في جميع القطاعات، مثل أملاك الدولة والضرائب والجمارك والميزانية، إضافة إلى إنشاء أرضية رقمية محينة تقدم بيانات صحيحة لاتخاذ القرارات المناسبة،وفي مجال الأمن السيبراني، أشار الرئيس إلى أنه يجب وضع استراتيجية وطنية متكاملة، وأكد على أهمية تحديد التهديدات السيبرانية وتطوير آليات الرقابة والرصد الناجعة، بالإضافة إلى إعداد قانون للرقمنة لتعزيز فعاليتها،كما قرر الرئيس إنشاء المحافظة السامية للرقمنة لمتابعة وتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للرقمنة، وتقييم تقدم القطاعات واقتراح التصحيحات اللازمة. وتعمل المحافظة حاليًا على إعداد الإستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي وصياغة قانون للرقمنة لضمان تحقيق السيادة الرقمية.
الهدف الرئيسي من الرقمنة
أوضحت بن مولود أن الهدف الرئيسي من الرقمنة هو تحقيق نموذج جديد لإدارة الإدارات والهيئات والمؤسسات العمومية والاقتصادية، من التسيير الورقي إلى الحوكمة الرقمية، من خلال استخدام التكنولوجيا الرقمية الحديثة لتعزيز مبادئ الشفافية وتسهيل العلاقة بين الإدارة والمواطن وتبسيط الإجراءات الإدارية،وسجلت عدة قطاعات تقدمًا نوعيًا في عملية الرقمنة، مثل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي أنشأت 51 منصة تقدم 54 خدمة رقمية تشمل الجوانب البيداغوجية والخدماتية والبحثية، مع الهدف من استبدال الطابع الورقي بالكامل،وقامت وزارة العدل بالانتقال إلى استخدام الرقمنة في عدة عمليات مثل استخراج الوثائق وخدمة الشباك الوطني الإلكتروني، بالإضافة إلى تنظيم المحاكمات عبر الإنترنت. وعملت وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية على تحسين الخدمات العمومية من خلال رقمنة خدمات الحالة المدنية وربط جميع المقرات بالوزارة بواسطة الألياف البصرية،وشهد قطاع الصحة تحولًا رقميًا أيضًا، مما ساعد على تبادل المعلومات وتحسين التكفل بالمرضى، بينما قام قطاع التربية برقمنة الامتحانات والمسابقات والتسيير الإداري. وقد استثمرت مختلف القطاعات في الرقمنة لتحسين التسيير وتقليل الأعباء الإدارية، مثلما فعل قطاع العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي بإطلاق منصات لتسهيل التعامل مع الانشغالات وتقليل الحاجة إلى التنقل،وعملت مصالح وزارة المجاهدين وذوي الحقوق على إطلاق العديد من المنصات الإلكترونية المختصة في التاريخ الوطني، ناهيك عن جهود وزارة السكن التي تعد أول دائرة وزارية استعملت الرقمنة في تسجيل طلبات المواطنين ودراستها ومتابعتها.
تعزيز الرقمنة في القطاع العقاري…وزارة السكن تقود المشهد
تواصلت وزارة السكن خطواتها الرامية إلى تعزيز الرقمنة في القطاع العقاري، حيث أصبح بإمكان المواطنين الآن تقديم طلباتهم للحصول على السكن عبر المنصات الإلكترونية المخصصة. وتأتي هذه الخطوة في إطار جهود الوزارة لتسهيل الإجراءات وتحسين جودة الخدمة المقدمة للمواطنين،منصات الرقمنة التي أطلقتها وزارة السكن تغطي مختلف مراحل توفير السكن، بدءًا من تسجيل الطلبات وصولاً إلى دراسة الملفات ومتابعة تقدم الطلبات بشكل مستمر،يهدف هذا النهج إلى تحسين تجربة المواطنين وتوفير آليات أكثر فاعلية لتلبية احتياجاتهم السكنية،بفضل هذه الجهود، يمكن للمواطنين الآن التفاعل مع وزارة السكن بشكل أكثر سهولة ويسر، مما يسهم في تحسين الشفافية والكفاءة في إدارة القطاع العقاري.
رهانات الرقمنة في الجزائر 2024: التحديات والفرص
مع دخول عصر الرقمنة بكل قوة، تجد الجزائر نفسها أمام تحديات وفرص جديدة في مجال التكنولوجيا والاتصالات. تعد الرقمنة من أبرز الأولويات للحكومة الجزائرية في عام 2024، حيث تسعى إلى تحديث البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعزيز استخدام الإنترنت في جميع جوانب الحياة اليومية،تواجه الجزائر تحديات عديدة في مسار الرقمنة، بما في ذلك البنية التحتية المتقادمة ونقص التأهيل التقني. لكن مع هذه التحديات تأتي أيضًا فرص كبيرة لتحقيق التقدم والنمو الاقتصادي،من بين أهم الرهانات التي تواجهها الجزائر في رحلتها نحو الرقمنة هي توفير خدمات الإنترنت السريعة والموثوقة للمواطنين في جميع أنحاء البلاد. يعتبر الإنترنت من أساسيات الحياة الحديثة، وتعتمد العديد من الصناعات والخدمات على وجود اتصال جيد بالإنترنت للنمو والازدهار،بالإضافة إلى ذلك، تحتاج الجزائر إلى استثمارات كبيرة في تطوير المهارات التقنية للشباب وتوفير بيئة مشجعة لريادة الأعمال التكنولوجية. يعتبر توفير فرص العمل في مجال التكنولوجيا والابتكار أمرًا حاسمًا للحد من البطالة وتعزيز التنمية الاقتصادية،على صعيد آخر، تعد الرقمنة فرصة لتعزيز الشفافية والفعالية في القطاعات الحكومية والخاصة. من خلال استخدام التكنولوجيا في الإدارة والخدمات الحكومية، يمكن تحسين الجودة والكفاءة وتقديم خدمات أفضل للمواطنين،بالنظر إلى هذه التحديات والفرص، يتطلب تحقيق الرقمنة النجاح تعاوناً متبادلاً بين القطاع العام والخاص، بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرات الدولية وتبادل المعرفة. إذا تم تجاوز هذه التحديات بنجاح، فإن الجزائر قادرة على الاستفادة من فوائد الرقمنة لتعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق رؤية مستقبلية مزدهرة للجميع.
الجزائر تكثيف جهودها في مجال أمن المعلومات وحماية البيانات
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الجزائر تكثيف جهودها في مجال أمن المعلومات وحماية البيانات الشخصية، حيث يتزايد التهديد الإلكتروني والاختراقات السيبرانية في العصر الرقمي. يجب تطوير استراتيجيات قوية للتصدي لهذه التهديدات وتعزيز الوعي الأمني بين المواطنين،علاوة على ذلك، يتطلب تنفيذ الرقمنة في الجزائر تحديث القوانين والتشريعات لمواكبة التطورات التكنولوجية السريعة وضمان حماية حقوق المواطنين والشفافية في استخدام البيانات،من المهم أيضًا أن تضمن الجزائر شمولية الرقمنة، بحيث يتمكن جميع الفئات الاجتماعية والجغرافية من الوصول إلى فوائدها، وتجنب فجوة التكنولوجيا والمعرفة،باختصار، تتيح الرقمنة للجزائر فرصًا هائلة لتحقيق التقدم والتنمية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ولكنها تتطلب جهوداً متواصلة وتعاوناً شاملاً لتجاوز التحديات واستغلال الفرص بشكل مثمر لصالح جميع المواطنين.
تعزيز التعليم والتدريب في مجالات الرقمنة وتكنولوجيا
من الجوانب الهامة التي يجب أخذها في الاعتبار أيضًا هي ضرورة تعزيز التعليم والتدريب في مجالات الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات، لضمان توافر الكوادر المؤهلة التي تستطيع تطبيق وإدارة هذه التقنيات بشكل فعال. ينبغي أن يكون التركيز على تطوير مهارات الشباب وتزويدهم بالمعرفة الضرورية لمواكبة التطورات التكنولوجية والمساهمة في بناء مستقبل الجزائر الرقمي،علاوة على ذلك، يمكن أن تلعب الشراكات مع الشركات التكنولوجية الكبرى دورًا مهمًا في دعم عمليات الرقمنة في الجزائر، من خلال نقل التكنولوجيا وتوفير التمويل والتدريب. يمكن أن تكون هذه الشراكات مفتاحًا لتعزيز الابتكار وتطوير الحلول التقنية المحلية التي تلبي احتياجات السوق المحلية،في النهاية، يجب على الجزائر أن تعمل على بناء بيئة تشجيعية للابتكار وريادة الأعمال في مجالات الرقمنة، وذلك من خلال تشجيع الاستثمارات وتسهيل الإجراءات الإدارية وتوفير الدعم اللازم للشركات الناشئة والمبتكرة،باختصار، يعد الرهان على الرقمنة في الجزائر لعام 2024 تحديًا كبيرًا، ولكنه في الوقت نفسه يتيح فرصًا هائلة لتحقيق التنمية والازدهار. يجب على الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني أن يعملوا معًا بروح التعاون والشراكة لتحقيق أهداف الرقمنة وتحقيق رؤية مستقبلية مزدهرة للبلاد ولشعبها.
مسار التنمية والتحول الاقتصادي والاجتماعي
يتبين أن الرقمنة تمثل عنصرًا حاسمًا في مسار التنمية والتحول الاقتصادي والاجتماعي في الجزائر خلال عام 2024 وما بعده. تواجه البلاد تحديات عديدة في سبيل تحقيق هذا الهدف، ولكن مع الإرادة السياسية والتعاون الشامل بين جميع الفاعلين، يمكن تجاوز هذه التحديات واستغلال الفرص المتاحة بشكل كامل،من المهم أن نفهم أن الرقمنة ليست مجرد وسيلة للتطور التكنولوجي، بل هي أيضًا أداة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الشمولية وتحسين جودة الحياة للمواطنين. لذلك، يجب أن يكون للحكومة دور فعّال في توجيه الجهود نحو تعزيز الرقمنة بطريقة تضمن المساواة والعدالة الاجتماعية،وفي نهاية المطاف، يجب أن يكون الهدف الأسمى للرقمنة في الجزائر هو تحسين حياة الناس وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة للبلاد. إذا تمكنت الجزائر من الاستفادة الكاملة من إمكانيات الرقمنة بشكل صحيح، فإنها ستكون على الطريق الصحيح نحو بناء مستقبل مزدهر ومستدام للأجيال القادمة.
بقلم:جلال يياوي