تكنولوجيا

18 عاما على ولادة التحول الرقمي

يوم غيّر فيه الهاتف المحمول وجه العالم

في مثل هذا اليوم من عام 2007، وتحديدا في التاسع والعشرين من شهر يونيو، لم يكن الناس يدركون أنهم على موعد مع بداية فصل جديد من تاريخ التكنولوجيا الحديثة. ففي هذا التاريخ، طرحت شركة “أبل” أول إصدار من هاتفها الشهير “آيفون”، الذي لم يكن مجرد جهاز جديد في سوق الهواتف، بل نقطة تحوّل غيرت شكل العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا إلى الأبد.

لقد كان ذلك اليوم بمثابة بداية لعصر جديد، حيث انتقل الهاتف المحمول من كونه وسيلة بسيطة لإجراء المكالمات وتبادل الرسائل القصيرة، إلى نافذة شاملة تتيح الوصول إلى العالم، العمل، التعليم، التواصل والتسلية، وكل ما يحتاجه الإنسان من أدوات رقمية، في جهاز واحد لا يتعدى حجمه كف اليد.

 

بداية متواضعة.. لكنها فارقة

 

عندما تم الإعلان عن الهاتف لأول مرة في يناير من نفس العام، وقف المؤسس الراحل لشركة “أبل”، “ستيف جوبز”، ليكشف عن جهاز يجمع بين 3 منتجات في وقت واحد: هاتف نقال، جهاز للاستماع إلى الموسيقى، ومتصفح للإنترنت. كان ذلك أمرا غير مسبوق في ذلك الوقت، حيث كانت الهواتف المحمولة تفتقر إلى الشاشات اللمسية الذكية والتكامل البرمجي الذي نراه اليوم.

طُرح الهاتف للبيع يوم 29 يونيو 2007، وسرعان ما اصطف الناس لساعات طويلة أمام متاجر أبل في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، في مشهد قلّما تكرر في تاريخ التقنية. وقد طُرح الهاتف بنسختين، الأولى بسعة تخزين قدرها أربعة غيغابايت بسعر بلغ 499 دولارًا، والثانية بثمانية غيغابايت مقابل 599 دولارًا. لكن هذه السعة التي تبدو اليوم متواضعة، كانت آنذاك كافية لإحداث ثورة.

 

خصائص محدودة.. لكن الفكرة كانت أكبر

 

لم يكن أول هاتف آيفون يدعم شبكات الجيل الثالث، بل اعتمد على شبكة من الجيل الثاني ونصف، وهو ما أثر على جودة الاتصال وتصفح الإنترنت. كما لم يكن بمقدور المستخدم تشغيل المتصفح وتلقي المكالمات في الوقت ذاته، وكانت مقاطع الفيديو على تطبيقات مثل “يوتيوب” تظهر بجودة ضعيفة إن لم يكن الهاتف متصلا بشبكة لاسلكية.

لكن رغم هذه المحدوديات، فإن المفهوم الذي جاء به الهاتف كان أكبر من إمكاناته. فقد جمع لأول مرة بين الشاشة اللمسية متعددة النقاط، والتكامل البرمجي العميق، والواجهة البسيطة التي يمكن لأي مستخدم التعامل معها دون خبرة تقنية. وهكذا، بدأ العالم يتحول تدريجيًا نحو “الهاتف الذكي” بمفهومه الحديث.

 

الهاتف يتحول إلى مركز للحياة اليومية

 

مع مرور السنوات، تطوّر الهاتف من مجرد جهاز اتصال إلى أداة لا غنى عنها في تفاصيل الحياة اليومية. فقد أصبح المستخدم يعتمدعليه في التراسل الفوري، التصوير الفوتوغرافي، تسجيل الفيديو، تصفح الأخبار، إجراء العمليات البنكية، حجز التذاكر، التسوّق، إدارة الأعمال، حضور الاجتماعات والتعليم عن بعد، وحتى تتبع الحالة الصحية.

تطبيقات الهاتف الذكي اليوم تغطي كل مجالات الحياة، من أبسط المهام إلى أعقدها. ولم يعد الناس بحاجة لحمل أجهزة منفصلة لكل وظيفة، فالهاتف الذكي أصبح كاميرا، مفكرة، راديو، جهاز ملاحة، جهاز ألعاب ومكتبة إلكترونية، وكل ذلك في آنٍ واحد.

 

من رمز للترف إلى ضرورة حياتية

 

في بداياته، كان الهاتف الذكي يُعتبر سلعة ترفيهية مخصصة لذوي الدخل المرتفع، لكن سرعان ما تحوّل إلى حاجة أساسية لا غنى عنها. وحتى في المجتمعات النامية، أصبح الهاتف الذكي وسيلة رئيسية للاندماج في الاقتصاد الرقمي، وللوصول إلى التعليم والخدمات الصحية، ولمواكبة العصر الرقمي.

ومع تطور البرمجيات، أصبح الهاتف يعمل كمساعد شخصي ذكي، يقدّم اقتراحات، وينظم المواعيد، ويترجم اللغات، بل ويتفاعل مع الأوامر الصوتية. ولم يعد الإنسان بحاجة لحمل حاسوبه الشخصي معه في كل مكان، فالهاتف أصبح يقوم بجزء كبير من مهامه اليومية.

 

تحولات في السوق والمجتمع

 

نجاح هاتف آيفون الأولي سرعان ما دفع الشركات المنافسة إلى محاولة اللحاق بالركب. ففي عام 2009، أطلقت “موتورولا” هاتفا يُعد أول منافس فعلي، وهو “درويد”، بنظام تشغيل أندرويد الذي أصبح اليوم أكبر نظام تشغيل في العالم للهواتف الذكية.

هذا التحوّل لم يقتصر على الشركات فحسب، بل شمل أيضا المستخدمين الذين تغيّرت أنماط حياتهم وتفاعلهم مع العالم. فأصبح الهاتف بوابة للاتصال الاجتماعي، ومصدرًا للمعلومات، وأداة للتصوير والتوثيق، ومنبرًا للتعبير عن الرأي، بل وحتى منصة للعمل المستقل وريادة الأعمال.

 

من مقتنية إلى تحفة تاريخية

 

واليوم، وبعد مرور 18 عاما على إطلاق الجيل الأول من آيفون، أصبح الجهاز ذاته قطعة نادرة تلقى اهتمامًا من جامعي التحف الرقمية. ففي عام 2023، تم بيع نسخة غير مفتوحة من آيفون بسعة 4 غيغابايت بسعر فاق 190 ألف دولار، وهو ما يعكس قيمته الرمزية في مسيرة تطور التكنولوجيا.

 

نظرة إلى المستقبل

 

ومع دخول العالم حقبة الجيل السادس من شبكات الاتصال، وتطور تقنيات الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي، يبدو أن الهاتف الذكي مقبل على مرحلة جديدة من التحوّل. فقد يصبح قريبًا أداة للتفاعل مع العالم ثلاثي الأبعاد، أو منصة للتحكم الكامل في المنازل الذكية، أو حتى رفيقا صحيا يراقب الجسد ويستجيب لحالات الطوارئ قبل أن يشعر بها الإنسان.

قبل 18 عاما، لم يكن أحد يتصور أن جهازا صغيرا سيغير وجه الحياة بهذا الشكل. لكن اليوم، يمكن القول إن الهاتف الذكي لم يعد مجرد وسيلة تقنية، بل أصبح جزءًا من هوية الإنسان المعاصر، ومرآة لطموحاته، وجسرًا يعبر به نحو المستقبل الرقمي.

إعداد :ياقوت زهرة القدس بن عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى