
تختلف عادات وتقاليد الزواج في الجزائر من منطقة إلى أخرى فرغم اختلافها إلا أن الرابط الأساسي هو التيقد بسنة حبيينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لان ديننا الإسلام يحثنا على ذلك فبشرى لنا بهذا النصيب الديني في حياتنا نحمد الله عليه.
بمدينة ندرومة بتلمسان ثـمّـة عادات وتقاليد راسخة في أذهان وقلوب أهاليها وسكانها لا تزال صامدة، وبفضل عودة الأمن عاد الأمل مجدّدا لعشاق ومحبّي الأغاني وفرقة الطبل، وكذا لعادة “أصغار” بمعنى جماعة العريس، فأثناء تواجدنا بشاطئ سيدنا يوشع في إطار جولتنا الصيفية عـبر المواقع السياحية المحاذية للبحر، دعانا بعض الأصدقاء لحضور حفل زفاف بمدينة ندرومة، وكان ذلك بالنسبة لنا فرصة لملاقاة أقارب لنا وأصحاب قدماء، وأيضا للاستماع إلى أغاني جميلة من الطرب الأندلوسي والحوزي، من تأدية مطربين ماهرين من هذه المدينة نفسها الهادئة، وأزقتها القديمة ومساجدها العتيقة محتلة الساحات العامة والبيوت المغلقة والمفتوحة في نفس الوقت متسللة داخل الأعماق البشرية، شعور غـريب حقا يمتلك الإنسان الآتي من بعيد والذي يعيش تلك السويعات الجميلة في تلك الليالي الصيفية القصيرة. فليالي ندرومة في الصيف لا يوجد لها مثيل على الإطلاق في أي مكان آخر، وتبدو المدينة، في بداية المساء إلى ساعة متأخرة من الليل وكأنها مغشاة بستار سحري معبق يلف أركان المدينة بنفحاته اللطيفة والمعطرة أنفاس عجيبة ناشئة من مزيج عذب وثاقب لهواء نقي وخفيف نازل من جبال “فلاوسن” الشامخة المحيطة بالمدينة ومن الغابات المجاورة من أشجار الصنوبر والبلوط والخروب والدردار واللوز وساسنو وأنواع أخرى من الأشجار المثمرة والأعشاب الطبية المتنوعة مثل فلايو ونوخا والشيح والريحان والخزامى، بالإضافة إلى أريج زكي والروائح الطيبة المتصاعدة من حدائق الزهور التابعة للمنازل الفردية داخل المدينة، حيث يهوى السكان الندروميون زراعة الورود والزهور الجميلة العبقة وكذا الأشجار والنباتات المعطرة، كشجر الليمون والياسمين ومسك الليل والحبق والقرنفل بمختلف أنواعه، يضاف إلى ذلك المزيج العـذب والخفي جرعات قوية من حنين الماضي الشيق والخالد والمتجدد عبر التقاليد الاجتماعية والثقافية الأصيلة.
الحفل الزفاف الذي دعـينا إليه في تلك الليلة بمدينة ندرومة كان يقام بأحد المنازل الحديثة التي شيدت مؤخرا على أراض خصبة كانت مستغلة في السابق في الزراعة والأعمال الفلاحية، وعـند وصولنا إلى مكان “الفرح” قبل المغرب صادفنا مجيء موكب العروسة المشكل من عدة سيارات فاخرة مزينة بالأزهار والورود والبالونات الملونة وبقطع الحاشية البيضاء والخضراء والحمراء وصاحبت الموكب طلقات متتالية من صوت مزامير السيارات وزغاريد النساء في جوّ من الغبطة والفرح المتماشي مع هذه المناسبة السعيدة وأخذت النساء والفتيات ينزلن من السيارات وهن مرتديات أفضل ثيابهن ومزينات الشعر والوجه بأرقى وسائل التجميل الحديثة وكن يحاولن الاقتراب من العروس بشكل حثيث لمرافقتها إلى داخل بيتها الجديد وسط زغاريد حادة تقطع الأنفاس وقد أحدثن وسط الدرب المزدحم تيار شذا عذبا انطلق من موكب العروسة وتطاير في كل اتجاه وهب نحونا في شكل زوبعة من العطر ولفحنا بلطافة عفوية شيقة حاملا معه مزيجا من العطور الجميلة التي غزت المكان في لحظات وكان المنظر يشبه عـرضا للأزياء، نساء شابات وفتيات في ربيع العمر، جميلات وأنيقات كلهن لا يمكن التفضيل بينهن قد خرجن من السيارات وهن في أجمل لباس السهرة فكان بعضهن يرتدي “القفطان” من القطيفة المطروزة بالخيوط الذهبية والبعض الآخر يرتدي لباس “الكاركو” أو القسنطينية وأخريات مرتديات فساتين من “الدنتال” المخرم أوالمنصورية الخفيفة ذات الأجنحة المتطارة كأجنحة الفراشة، هنالك أيضا البلوزة والبدعـية ونساء أخريات بأزياء أوربية عصرية وبعض الشابات حضرن إلى العرس بالبرنوس النسوي الجميل وأخريات بحايك المنسوج التقليدي المميز للمنطقة، فكل هؤلاء النساء والشابات اللائي جئن مع موكب العروسة كن رائعات في أزيائهن الجميلة وزينتهن البراقة وهيئتهن المشرقة وكان من الصعب بالنسبة لنا نحن المدعـوين الآتيين من بعيد، التمييز بينهن والتأكد من العروسة الحقيقية من بين كل هذه الفتيات الشابات المتزينات بأجمل الثياب ويخطر في البال أن هنالك أكثر من عروسة واحدة إذ أن النساء المرافقات كان كلهن تقريبا في نفس الدرجة من الرونق والحسن والبهاء، وكان لا بد من انتظار لحظات نزول صاحبة الخطوات الخجولة والمتعثرة من أفخر سيارة الموكب للقول بأنها العروسة الحقيقية وكانت تتميز بارتدائها لزي الأميرة المثقل بالذهب، عدة كيلوغـرامات من الذهب في شكل حلي مختلفة الأنواع والأشكال.
إستطاعت مدينة ندرومة أن تحافظ على تقاليدها وعلى طرازها المعماري الإسلامي بالنسبة للأحياء السكانية القديمة وأسلوب البناء للكثير من المنازل الفردية الحديثة وتقدم للباحثين مثالا واضحا للمدينة الإسلامية النموذجية، حيث نجد الجامع الكبير بمئذنته الشامخة يتوسط الأحياء القديمة وبجواره الساحة العمومية الرئيسية “التربيعة” أين يلتقي بها المصلون والمواطنون على خسائر المقاهي أو حول الطاولات تحت ظل الأشجار أيام الأعراس وفي أيام الأعـياد والمناسبات الدينية وكذلك في أوقات المساء والعطل كيومي الجمعة والسبت.
الأعراس المسيردية لاتحلو إلا بفرقة العرفة ورقصات العلاوي
وعـلى عكس أعراس الجهة الغربية الجنوبية لولاية تلمسان فبمنطقة المسيردة الواقعة أقصى الحدود الغربية للوطن لا تتم أفراح العائلات المسيردية بزواج أبنائها وبناتها إلا بحضور فرق العرفة الذائعة الصيت بالمنطقة، ولم تتمكن الديسكوهات وأغاني الشباب من منافسة فرق العرفة ورقصات العلاوي التي تجذب الكبار والصغار على حدّ سواء، ويبقى مجيء العرفة مصدر تفاخر وسط العائلات نظرا للتكاليف الباهظة لهذه الفرق الفولكلورية المعروفة حتما خارج الوطن، وحسب بعض العارفين بخبايا هذه الفرق فإن خروجهم إلى الأعراس يكون حسب سمعة وجاه العائلة، فعند الأغنياء قد يحضر 20 إلى 25 عضوا بينما يقتصر الحضور عـند العائلات المتوسطة الحال على 5 أو 6 أعضاء، و يبدأ النقاش من حدود الـ 6 آلاف دج، ويكون الاتفاق مع صاحب الفرح على طريقة تقاسم ما يسمونه “الصينية” وهي ما يجمع من “التبراح”، وتكون رقصات هذه الفرق بوقوف مجموعة من مجانين هذا الفلكلور في صفين متقابلين، ثم تبدأ رقصات “العلاوي” التي يزيدها أحد الشيوخ إثارة بصيحاته المدوية “عرش عرش” والتبريحات المتميزة وسط زغاريد النسوة.
ع. أمـيـر