
شهدت الأشهر الماضية سلسلة من التطورات البارزة في مسيرة نموذج “محادث الذكاء الاصطناعي” وشركته الأم بشكل عام، حيث شملت هذه التطورات لحظات حاسمة ترسم ملامح المستقبل كما يتصوره الرئيس التنفيذي للشركة.
بدأت هذه المسيرة بإطلاق الشركة لميزة التطبيقات المدمجة داخل النموذج، والتي تتيح له التفاعل مع التطبيقات المختلفة واستخدامها دون الحاجة إلى مغادرة نافذة الدردشة. وواصل المسؤول التنفيذي طرح التحديثات تباعا، مرورا بنموذج توليد مقاطع الفيديو الذي أحدث ضجة عالمية، ووصولاً إلى اتفاقيات الشرائح الإلكترونية مع كبرى شركات التقنية، بما في ذلك الشركات المصنعة للشرائح الخاصة بالشركة.
ثم أطلق المسؤول التنفيذي متصفحا جديدا يمثل المحاولة الأولى للشركة لإطلاق متصفح مدعوم بنموذج “محادث الذكاء الاصطناعي”، وبينما تبدو الشركة وكأنها تتحرك في اتجاهات متعددة وتطرح العديد من الميزات من مختلف الجوانب في فترة زمنية قصيرة، فإنها تقترب فعليا من الرؤية التي يسعى إليها. ورغم أن المسؤول التنفيذي لم يعلن عنها صراحة، فإنه يعمل بجد لتحويل “محادث الذكاء الاصطناعي” إلى منظومة متكاملة وتطبيق شامل يمكنه أداء العديد من المهام، وهو جزء من رؤيته لمستقبل الإنترنت الجديد.
منصة واحدة تقدم كل الخدمات
يؤكد الرئيس التنفيذي في حديثه مع أحد المحللين التقنيين، أن معظم المستخدمين يبحثون عن خدمة ذكاء اصطناعي، واحدة تقدم لهم كل شيء من خلال واجهة موحدة. ويضيف بأنه يشعر بأن هذه فرصة تاريخية نادرة، واصفا مساعيه لتحويل “محادث الذكاء الاصطناعي” إلى هذه الخدمة الشاملة.
يستمد المسؤول التنفيذي ثقته في النموذج وطموحه المستقبلي من العدد الهائل للمستخدمين الذي تتمتع به الأداة، حيث وصل عدد المستخدمين النشطين أسبوعيا إلى 800 مليون مستخدم. ومن المنطقي أن يشعر المسؤول التنفيذي عند النظر إلى عدد المستخدمين الموجودين في منصته، بالحماس والرغبة في تقديم المزيد من الخدمات التي تبقيهم داخل المنصة.
وسواء جاءت هذه الخدمات عبر بناء ميزات جديدة في نظام “محادث الذكاء الاصطناعي”، أو من خلال التعاون مع شركات خارجية لتقديم خدماتها داخل النموذج، فإن المسؤول التنفيذي ليس مستعدا لتخلي أي مستخدم عن منصته. لذلك، يصف المحلل التقني المسؤول التنفيذي بأنه “يحاكي رؤى رواد التقنية”، وذلك لتحويل “محادث الذكاء الاصطناعي” إلى نظام تشغيل متكامل ومسيطر على هذا العصر وخدماته.
بناء منصة شاملة دون نظام تشغيل تقليدي
يؤكد المحلل التقني أن “محادث الذكاء الاصطناعي” سيصبح النظام الأساسي لخدمات الذكاء الاصطناعي، وقد يثير هذا الوصف بعض الحيرة بين المستخدمين الذين سيعتقدون أن النموذج سيطور نظام تشغيل تقليدي. لكن المستقبل لا يكمن في نظام التشغيل الذي يتم تثبيته على الأجهزة، بل في تقديم مجموعة من الخدمات التي تجبر المستخدم على الدخول إلى “محادث الذكاء الاصطناعي” والبقاء فيه طوال اليوم سواء كان يستخدم هاتفاً محمولاً أو حاسوباً مكتبياً.
وهذا ما يسعى إليه المسؤول التنفيذي لتحقيقه، فعبر تقديم واجهة برمجية وأدوات تطوير متوافقة مع “محادث الذكاء الاصطناعي” للمطورين، أصبح من السهل ربط أي خدمة أو منصة خارجية به واستخدامها من داخل نافذته دون الخروج منها.فيمكنك التسوق من المتاجر الإلكترونية باستخدام بضعة أوامر مكتوبة، تطلب فيها من النموذج العثور على قطعة ملابس بلون محدد ومقاس معين ثم شراؤها، أو إنشاء قائمة تشغيل موسيقية والتعديل عليها كما ترغب في منصة الموسيقى دون فتح التطبيق والبحث عن جميع المقاطع التي تريدها.
ويمكن التوقع بأن “محادث الذكاء الاصطناعي” يحصل على نسبة أرباح من كل عملية تتم داخل “المنصة” الخاصة به، وهو ما يمثل مصدرا لدخل إضافي للشركة. لذلك فإن وصف “محادث الذكاء الاصطناعي” بكونه مجرد محرك بحث ينافس محركات البحث التقليدية هو وصف لا يعكس قدرات النموذج الهائلة التي تجاوزت الاستخدامات الأولية للذكاء الاصطناعي.
وربما نرى “محادث الذكاء الاصطناعي” يتحول في أحد الأيام إلى منصة تواصل اجتماعي، كما حدث مع نموذج توليد الفيديو الذي أتاح مشاركة المقاطع التي يتم إنشاؤها داخله مع المستخدمين. في النهاية، قد يتحول “محادث الذكاء الاصطناعي” إلى منصة متكاملة وتطبيق شامل يحاكي ميزات التطبيقات الشاملة الشهيرة في الصين، وهي بالمناسبة الخطة نفسها التي يحلم بها أحد أبرز رواد التقنية العالميين الذي كان جزءاً من مجلس إدارة الشركة الأم.
الخطوة الأولى نحو ذكاء اصطناعي أعمق
لا يمكن القول إن تحويل “محادث الذكاء الاصطناعي” أو خدمات الذكاء الاصطناعي بشكل عام، إلى تطبيق شامل يجمع العديد من جوانب الحياة ويخدمها، هو الهدف النهائي الذي يسعى إليه المسؤول التنفيذي، بل هو أقرب إلى خطوة أولى للوصول إلى هدفه الأسمى، وهو تحقيق الذكاء الاصطناعي العام القادر على محاكاة ذكاء البشر والتفوق عليه. وبينما تشتعل المناقشات على الإنترنت حول الشركة التي ستصل إلى هذه التقنية أولاً، فإن المسؤول التنفيذي ينظر إليها بعين تحليلية باحثاً عن سبل تحقيقها.
تتجسد هذه السبل في جمع البيانات التي يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي عليها، إذ إن غالبية البيانات المتاحة عبر الإنترنت استخدمت بالفعل في تدريب النماذج المختلفة بما فيها “محادث الذكاء الاصطناعي”. لكن الآن يسعى المسؤول التنفيذي لجمع بيانات جديدة وحقيقية مباشرة من المستخدمين دون وجود وسيط مثل منصات التواصل الاجتماعي، وبدلاً من أن يحلل الذكاء الاصطناعي بيانات المستخدمين ويراقب تفاعلاتهم عن بُعد، أصبح قادراً على تحليل ومراقبة هذه التفاعلات بشكل مباشر، وهي التفاعلات التي تحدث بينه وبين المستخدمين.
وعبر تحليل هذه البيانات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتطور حتى يحاكي ذكاء البشر محققا نبوءة الذكاء الاصطناعي العام التي طالما سعى إليها المسؤول التنفيذي. ويشير تقرير نشرته إحدى المجلات العالمية حول مستقبل “محادث الذكاء الاصطناعي” إلى أن من يصل لتحقيق الذكاء الاصطناعي العام أولاً سينجو من فقاعة الذكاء الاصطناعي وسيخرج منها منتصرا. لذلك اشتعل السباق بين كافة شركات الذكاء الاصطناعي في محاولة منها لتحقيق نبوءة الذكاء الاصطناعي العام والوصول إلى النتيجة النهائية.
في النهاية، لا يوجد ما يعبر عن رؤية الرئيس التنفيذي أكثر من كلماته نفسها، إذ أوضح سابقاأنه يرى الذكاء الاصطناعي محاكيا لتقنية أساسية في عالم الإلكترونيات، وهي التقنية التي تحولت إلى لبنة البناء للحياة الحديثة. ويضيف: “أؤمن أن الذكاء الاصطناعي سيتخلل كل منتج استهلاكي ومؤسسي تقريبا”، وهو يسعى لأن يكون الحجر الأساس للحياة المستقبلية، وذلك وفقاً للتقرير المنشور.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله



