
كثر الحديث عن المخاوف من مخاطر الذكاء الإصطناعي على الإنسان، بل البشرية جمعاء، ولكن هناك من الخبراء يؤكدون بأنّ الخطورة ليست بهذا الحجم أو القلق، خاصة فيما يتعلق بتقليص الوظائف أو إلغائها في حال استخدام الإنسان الآلي.
ما هو مؤكد أنّ الكثير من أرباب العمل يفضلون استعمال الروبوتات مستقبلا على توظيف العمال لاعتبارات كثيرة، ولعل أنّ هذه الألة لا تعمل بدوام محدد ولا تتقاضى راتباً كل شهر ولا تحتاج إلى عطل أو تأمين، ولا تطالب بعلاوات ومزايا أخرى، بل فقط يتم دفع ثمنه مرة واحدة وتكلف أعباء صيانته مرة واحدة كل عام، بحيث سيبدو لهم خياراً منطقياً بل واقتصادياً أكثر، لأنه ببساطة مجرد أداة تقنية سريعة ودقيقة تتماشى وفق ما تتطلبه المؤسسة من وظائف حسب البرمجة.
بعد هذه التوطئة، نلاحظ الصراع الحقيقي على الوظائف بين البشر والآلات، بحيث أنّ الذكاء الاصطناعي جعل المنافسة بين الإطار البشري والآلي مفتوحة على مصراعيها وعلى كل الإحتمالات، وهذا لمزايا كثيرة تقدمها هذه الآلة ولعل أهمها الدقة في الممارسة والإتقان في العمل والسرعة في التنفيذ وربح الوقت وعذم التعب أو الإرهاق أو الملل في تكرار نفس العمل عشرات المرات يوميا، ، ناهيك عن كونها معصومة عن بعض الأخطاء البشرية بحكم البرمجة، وهذا في حدّ ذاته ، ما يخاف منه العامل في أي قطاع كان لأنه بات يهدد مستقبله المهني والوظيفي على حد سواء.
لكن حسب نفس الخبراء، يؤكدون أنّ هذا التهديد لا يمس كل المهن والوظائف، بل ثمة البعض منها لا يمكن أبدا للذكاء الاصطناعي القيام بها مهما بلغ به التقدم والتطور، فهل يجب مستقبلا على كل باحث عن وظيفة أن يبحث عن مهنة آمنة من غزو التكنولوجيا؟. فيما يأتي قائمة ببعض الوظائف التي ستبقى بمأمن عن اجتياح الذكاء الاصطناعي والآلات للحياة المهنية للبشر، فلنستعرضها معاً:
1- الـبـرمـجـة: إذا كنت مبرمجاً أو ترغب في تعلُّم البرمجة، فإنَّ هذه الوظيفة من ضمن قائمة وظائف لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها، قد تبدو مفارقة غريبة بأنَّ الوظيفة التي خلقت مجال الذكاء الاصطناعي ستبقى بعيدة عن متناول يده، لكن هذه هي الحقيقة. هل لنا أن نتخيل أن يعطي البشر للآلات ميزة البرمجة واختلاق البرامج والتطبيقات؟.
2- الكتابة الإبداعية والترجمة: تُضاف كل من الكتابة الإبداعية والترجمة إلى قائمة وظائف لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها، فعلى الرَّغم من قدرة الإنسان على حشو ذواكر الآلات والتطبيقات بالكلمات، وعلى الرَّغم من قدرته على تدبير خوارزمية ما تساعد الآلة على تكوين جملة مفهومة، إلا أنَّ الذكاء الاصطناعي قاصر عن مواكبة التحديثات المستمرة على اللغة، والتراكيب الجديدة التي تستخدم فيها كل يوم، سواء في عمليات الترجمة أو التأليف. كما أنَّ الذكاء الاصطناعي يعجز عن رصف الكلمات بأسلوب إبداعي يعبِّر عن التخيلات والتصورات والمجازات، فهو يفتقر إلى الموهبة التي تجعل الكاتب المبدع يتفرَّد عن أقرانه، والأسلوب الذي يمنح كل كاتب أو مترجم يتميز عن غيره.
3- مجالسة الأطفال وكبار السن: إنَّ مهنة جليس الأطفال أو المسنين تندرج ضمن قائمة وظائف لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها، كون هاتين المهنتين لا تقومان على خوارزميات محددة؛ إنَّما هما استجابة لاحتياجات الطفل أو المسن؛ إذ يقوم من يؤديهما بتلبية متطلبات الشخص الذي يجالسه، والتي تكون غير منتظمة وغير روتينية، الأمر الذي يصعِّب أداء مثل هذا النوع من المهام بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي.
4- الاختصاصيون النفسيون والاجتماعيون: إذا كنت اختصاصياً نفسياً أو اجتماعياً أو مدرب حياة “لايف كوتش” فنطمئنك بأنَّ وظيفتك موجودة ضمن قائمة وظائف لا يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام بها، وتُعدُّ هذه الوظائف ذات خصائص فردية معقدة، فكل حالة لها خصوصيتها في الأعراض والأسباب والنتائج؛ وذلك بسبب الاختلاف اللانهائي في الطبائع البشرية؛ إذ من المستحيل أن نجد أشخاصاً متوازنين يتصفون بالطباع ذاتها بنسبة متطابقة، فكيف حال الأمر بالنسبة إلى من يعاني خللاً في توازنه؟
5- الفن والتصميم: تُعدُّ كل من وظيفتي الفنان والمصمم من الوظائف الآمنة من غزو الآلة، فهي ضمن قائمة وظائف لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها؛ إذ يُعدُّ الفن واحداً من الفنون الإبداعية التي تعبِّر عن مكنونات النفس البشرية باستخدام الريشة واللون، الأمر الذي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام به لما فيه من فيض أحاسيس ومشاعر تنبثق مع كل مرور للريشة الممسوكة بيد بشرية. قد يقول بعض الناس رأينا روبوتات ترسم لوحات فنية باستخدام الفرشاة، فنقول لهم هذا صحيح، لكن هذه الروبوتات قد لقنت تفاصيل هذه اللوحة تلقيناً، وإنَّ عملها ولو بدا رسماً ليس أكثر من طباعة مكررة تفتقد إلى أبسط مقومات الإبداع مهما بدت متقنة.
6- الفلسفة والإرشاد الروحي: إنَّ مهنة الفيلسوف الواعظ والمرشد الروحي من المهن التي لا يمكن للآلة أن تستحوذ عليها، فهي وبكل جدارة في قائمتنا عن وظائف لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها، وتتطلب الفلسفة التأمل في عمق الأشياء والأحداث والأقوال، لتستنبط الحكم والمواعظ التي تحسِّن حياة الآخرين. كما يتطلب الإرشاد الروحي التغلغل في قلب الآخر من أجل التأثير في نواياه وإرشادها إلى مواطن الخير والصلاح، الأمر الذي يتطلب تفاعلاً نفسياً وعاطفياً وروحانياً بين المرشد والشخص الذي قصده طالباً التنوير والهداية، وهذا بالتأكيد ما لا تستطيع الآلة أن تقوم به، فحتى البشر أنفسهم ليسوا جميعاً مؤهلين للقيام به.
وعليه مهما بلغت التكنولوجيا والآلة والذكاء الاصطناعي من مراحل متقدمة، إلا أنَّها تبقى صنيعة الإنسان ويبقى هو القائد في رحلة التطوير والتقدم، وعليه فإنَّ الكائن البشري معجزة إلهية غير قادرة على استنساخ نفسها مهما جهدت في ذلك.
حياة ميرهان