
إن متطلبات الرقمنة المنشودة على المستوى الوطني كبيرة ومتعددة، وتأتي أول بذرة داعمة لها من مؤسسات التعليم بكافة مراحله. فالمدرسة بداية المشوار، وهي مطالبة -في سبيل إنجاح عملية الرقمنة على نطاق واسع وبأسرع وتيرة ممكنة- بتلقين التلاميذ منذ نعومة أظافرهم مبادئ الإعلام الآلي والتحكم في أدواته المختلفة.
وحالنا اليوم هو ما أظهرته جائحة كورونا في مدارسنا وجامعاتنا: الغالبية من التلاميذ والأولياء والأساتذة والطلبة لا يحسنون التحكم في جهاز الحاسوب بشكل جيّد، بدءًا من أساتذة الجامعات إلى المنتسبين لمراحل التعليم ى الأخرى! فكيف ستنجح عملية التعليم عن بعد وعملية رقمنة الإدارات والمؤسسات التي تعتبر أحد الأهداف الكبرى للسلطة الحالية؟. ووعيا بأهمية هذا التوجه، كانت وزارة التربية قد قرّرت –نظريًا- إدراج مادة الإعلام الآلي في السنتين الأوليين من المرحلة الإعدادية عام 2006، ثم عممتها إلى السنة الثالثة عام 2008، بمعدل ساعة أسبوعيا. وأخيرا، شملت المادة عام 2014 السنوات المتوسطة الأربع، بمعدل 28 ساعة لكل سنة! وجاء في تعليمة وجهتها الوزارة إلى مديريات التربية مبررة هذا المسعى: “إن تقنية التعامل مع الاتصالات والمعلومات أصبحت مرتكزة على استعمال الحاسوب ومتواجدة بشكل متنام في كل مناحي حياتنا اليومية”. ولذا حرصت الوزارة على إدراج الإعلام الآلي في مرحلة التعليم المتوسط “حتى يتمكن المتعلم في نهاية المرحلة التعليمية من إتقان المهارات والحقائق العلمية المقررة في المناهج الدراسية”!. هذا هدف واضح وجميل. لكن من يقف على تدريس هذه المادة في مؤسساتنا (في المرحلة المتوسطة) يدرك أنه مجرد كلام معسول لا يمت للواقع بشيء. فنظرا لنقص عدد المتخصصين من الأساتذة في مادة الإعلام الآلي، أوضحت وزارة التربية في تعليماتها تلك:” يكلف مدير الإكمالية أساتذة العلوم الفيزيائية والتكنولوجية بتدريس المعلوماتية، وإذا اقتضت الحاجة يمتدّ التكليف إلى أساتذة مادة العلوم الطبيعة والحياة بناءً على الكفاءات المتوفّرة في مادة المعلوماتية.” وفي تعليمة أخرى لوزارة التربية صدرت عام2007، نقرأ:” يكلف مدير الإكمالية أساتذة كل المواد التعليمية بتدريس المعلوماتية بناء على الكفاءات المتوفرة. هذا هو حال تدريس المعلوماتية في مدرستنا! ففي عام 2019-2020 لا زال يدرّس هذه المادة لتلاميذنا أساتذةٌ اختصاصهم التاريخ واللغات والتربية …!!
توجّه الوصاية يعاكس توجّه الحكومة!
ذلك ما يجري في بلادنا، أما في البلدان المتقدمة فالإعلام الآلي يغزو المرحلة الابتدائية، ويتواصل تدريسه حتى المرحلة الثانوية. ولسنا بحاجة إلى الاستشهاد بالدول المتقدمة تكنولوجيًا، بل يكفي أن نلقي نظرة على برامج البلدان العربية في المناهج الدراسية وكتبها الموجهة لتلاميذ مختلف المستويات: في الكويت، مثلا، يبدأ التلميذ بتلقّي هذه المادة من السنة الرابعة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية، وفي سوريا من الخامسة ابتدائية إلى المرحلة الثانوية، وفي قطر من السنة الأولى الابتدائية إلى المرحلة الثانوية بدون انقطاع، وفي كل هذه البلدان نجد كتابا مدرسيا رسميا في الإعلام الآلي مخصصا لكل سنة. يبدو لنا أن هذا التقصير أدركه طاقم وزارة التربية اليوم ويسعى إلى إزالته. وقد أدركنا مرارة ما يحدث عندما اطلعنا هذه الأيام على مذكرة تخرّج بالمدرسة العليا للأساتذة-القبة وعلى استطلاع لرأي أهل الميدان في المؤسسات التعليمية للمرحلة المتوسطة في عدد كبير من ولايات الوطن. إنه لمؤسف حقا أن نجد في بعض البلدان النامية (ناهيك عن البلدان المتقدمة) أن التلميذ يدخل مرحلة التعليم المتوسط وهو قادر على التبحر في عالم البرمجة المعلوماتية في الوقت الذي نبدأ فيه نحن في الجزائر نعلّم أقرانه في مدارسنا كيف يشدّ بيده على الفأرة!! أبهذا التوجه سندخل عالم الرقمنة قريبا؟ أوَبهذه الوتيرة سنضمن انتشار الرقمنة بين المؤسسات والإدارات وبين المواطنين في القريب العاجل؟. وفي هذا السياق، بلغنا أن وزارة التربية مدركة تمام الإدراك لهذا الواقع عكس ما كان عليه الحال في ماضي السنين. وهذا ما جعلها تخطط لمستقبل تدريس الإعلام الآلي وتطلب من وزارة التعليم العالي تكوين أساتذة مدرسين لمادة الإعلام الآلي في المدارس العليا للأساتذة بإعادة فتح فرع الإعلام الآلي أمام الحاصلين على الباكلوريا كما كان الحال قبل سنوات
ق.ح