الحدث

“هكذا تبني الجزائر اقتصادها القوي”

وجد أمامه العديد من الملفات المُعقّدة والمُلغّمة، لكن عبد المجيد تبون، رسالته كانت واضحة:

تعتبر الجزائر من أكبر البلدان في القارة الإفريقية مساحة، بل وثالث أكبر إقتصاد في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا ونيجيريا، كما انها تملك كل الإمكانيات لجلب الإستثمارات، ناهيك عن كونها تتوفر على موارد طبيعية مُتنوّعة من مختلف المعادن وأراضي نادرة ومياه جوفية ومناخ متنوع يساعد كثيرا على إنعاش السياحة وتطوير الإنتاج الفلاح، إلى جانب أكبر إحتياطي صرف، كلها مؤشرات مُشجعة بشكل كبير في النهوض باقتصاد البلاد.

عندما دخل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قصر المرادية، كتن يدرك تماما بأنّ وضعية البلاد الاقتصادية لا تسر قزحية العيون، وانا أمامه العديد من الملفات المُعقّدة بل المُلغّمة، وعليه مسؤولية ترتيب أوراق الجمهورية على كافة الأصعدة إستجابة لمطالب الحراك المبارك ووفاء لليمين الدستورية التي أجاها في قصر الأمم بعد إنتخابه رئيسا للبلاد. والأكثر من ذلك، كان يعرف علم اليقين بأنّ إعتماد الدولة على ريع البترول يجب أن يتوقف والتوجه أكثر نحو بناء إقتصاد حقيقي بعيد ا عن مداخيل البترول. الشيء الأكيد، أنّ رئيس الجمهورية كان يدرك بأنّ المهمة لن تكون سهلة لكن ليست بالمستحيلة، وعليه في أول خطاب له أمام الشعب الجزائري كان صريحا وواضحا وأيضا حازما وحاسما، لأنّ الأزمة السياسية التي كانت تعيشها البلاد، كادت أن تعصف بمؤسساتها وبدأت ملامحها تلوح في الأفق، وكان الحراك المبارك لها بالمرصاد بل وظل سقف مطالبه يرتفع مع مرور الأيام، وكان على الرئيس الجديد أن يعرف كيف يتعامل مع المقتضيات الأنية مثل الجراح الماهر الذي يكوي الجرح دون أن يحرقه، وأن يساير التحولات المتسارعة مثل الريح التي تدفع شراع السفينة دون أن تغرقه.

عندما أعلن الرئيس عبد المجيد تبون عن الأهداف التي كان يسعى إلى تحقيقها خاصة ما تعلق في الشق الاقتصادي، كان له حلم يتمثل في النهوض بالجزائر واتباع مسار بحدد معالم هذا الحلم إلى غاية تحقيقه ومن خلاله إظهار جزائر قادرة على النجاح واستعادة مكانتها الإسترابيجية ليس فقط في حوض البحر المتوسط وإفريقيا والعالم العربي بل إقليميا ودوليا، لهذا ألقى بمشروعه الجديد إلى الشعب (الجزائر الجديدة) فاحتضنه قلبا وقالبا لأنه لم يكن مجرد شعار سياسوي أو دعاية ليكسب القبول، وإنما كان روحا تسري لتعيد لجسد هذا الوطن إشراقته المغتصبة ولهذا الشعب غده الرائع. هذه هي الجزائر اليوم التي ظل يراها مقبلة حقا على النجاح، بالرغم من كل التحديات العديدة التي عرقلت نمو الاقتصاد، وعليه أصبح يسابق الزمن ليكون عند كلمته أمام الشعب الجزائري، بحيث اليوم وبعد ثلاثة سنوات من انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون كل التوقعات تقول بأن الاقتصاد الجزائري بدا في التعافي وسيواصل نموه خلال السنوات المقبلة بشكل جيد بل أنّ هناك تكهنات تشير إلى تعزيز تواجد الجزائر الطاقوي في أوروبا وآسيا وغيرهما، خاصة بعد أن بدأت في إحياء المشاريع الكبرى للطاقات المتجددة. هذا هو الطريق الذي رسمه الرئيس للجزائر، وباشر فيه رغم الداء والأعداء. كما أنّ الاقتصاد العالمي سيتضاعف بحلول 2050، هذا ما كشفت عنه مؤسسة (برايس ووتر هاوس كوبرز) للخدمات المهنية الدولية، في تقرير لها بعنوان (العالم في عام 2050)، حيث توقعت أن تحقق إقتصادات الأسواق الصاعدة الكبرى تموا بوتيرة أسرع مرتين، وبحلول 2050 ستصبح ستة من إقتصادات الأسواق الصاعدة اليوم ضمن أقوى سبعة إقتصادات في العالم، فلما لا يصبح الاقتصاد الجزائري واحدا منها؟ الجزائر لها إحتياطات ضخمة من النفط ويبلغ دخل الفرد السنوي 4500 دولار، أما نسبة النمو الاقتصادي 5 بالمائة، وعن احتياطاتها من العملة الصعبة تزيد عن 50 مليار دولار في الوقت الذي تكاد تنعدم ديونها الخارجية، كما يوجد في السوق الداخلية الجزائرية ما يريو عن 40 مليون شخص أكثر من نصفهم حتى سن الخامسة والعشرين.ووقفا لبيانات البنك الدولي بلغ الناتج المحلي الإجمالي 213 مليار دولار سنة 2013 ولكن مع انخفاض أسعار النفط تراجعت قيمة الناتج إلى 160 مليار دولارا عام 2016، ثم تحسنت بعض  الشيء سنة 2018، فارتفعت قيمة الناتج إلى 180 مليارا بسبب تحسن نسبي في أسعار النفط واستقرارها أعلى من ستين دولارا للبرميل منذ 2017، مما يدلّ بشكل كبير على ريعية الاقتصاد الجزائري والدور الكبير الذي يؤديه القطاع النفطي، وحين إنهارت أسعار النفط في السوق العالمية إنخفضت قيمة إحتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 51،6 مليار دولار  عام 2020 بعد أن كانت في حدود 200 مليار دولار عام 2013. الجزائر اليوم تبحث عن بدائل للنفط والرفع من التصدير خارج المحروقات وخلق نموذج إقتصادي، إنتاجه يساير الرقمنة، وعليه فإنّ الحكومة الجزائرية إرتكزت على مخطط للإنعاش الاقتصادي للخروج من التبعية للمحروقات وبهدف هذا المخطط إلى تفليص الواردات بـ 10 مليارات دولار إبتداء من عام 2020، وتحقيق ما لا يقل عن 5 مليارات دولار من الصادرات خارج قطاع المحروقات. في سنة 2021 قررت الجزائر رفع التحدي لتحقيق هذا الهدف. هذا قليل ما تحتويه أجندة الرئيس عبج المجيد تبون، إنه يساير الأحداث بروية وحكمة وفراسة ثاقبة.

أحمد الشامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى