بكل صراحة

نوفمبر.. في القلب والذاكرة

بكل صراحة

يعود نوفمبر فاتحا شهية المساءلة عما تحقق من آمال وأحلام الشهداء والمجاهدين في الذكرى 66 لاندلاع الثورة التحريرية، ومعه عطش جيل الإستقلال لمعرفة ما سر عظمة هذه الثورة التي شغلت الورى وملأت الدنى وأطاحت بأكبر جيش فرنسي بمعية الحليف الأطلسي.. لا زالت الذكرى يستلهم منها الشعراء والأدباء وحتى ما تبقى من الشعوب المستدمرة نبراسا لشحذ هممها نحو التحرر ومع ذلك يظل الكثير من جيل الإستقلال يجهل هذه “الثورة التحريرية” ورجالها البواسل وأهم معاركها، ليطرح السؤال في كل مرة:” أين يكمن الخلل؟ لماذا أبناؤنا يجهلون تاريخ ثورتهم ويمرون على الحدث مرور الكرام، مجرد يوم للراحة ” ولكن إذا عرف السبب بطل العجب. ألم يقل الشهيد العربي بن مهيدي:” ألقوا بالثورة في الشارع يلتقطها الشعب” وكانت فراسته نابعة من عمق إيمانه بالثورة، فكيف سيحتضن الذكرى ويعرف أحداثها ويًقبل جيل الإستقلال عليها وهي حبيسة الصالونات المكيفة والمناسبات التي يطبع عليها البهرجة اكثر من جوهر الحقيقة التاريخية التي لا زالت الأسئلة لم تجد أجوبة مقنعة. جميل ان نحتفل بالمحطات التاريخية والأعياد الوطنية ولكن الأجمل وضعها في نسقها الصحيح وفق منهجية يعرفها المؤرخون والأساتذة الباحثون وحتى من شارك في الثورة التحريرية وليس ضمن إطارها الإحتفالي الذي غالبا ما يطغى عليه الطابع التقليدي النمطي عوض المنهجي ويغزوه سماسرة السياسة في أقبح استغلال سياسوي للظهور بمظهر حماة المعبد، وبالتالي تاهت الذكرى في زحمة الأشياء عوض التفاصيل التي تصنع الفارق وتعيد قطار الحدث التاريخي في سكته الصحيحة، وتمر الذكرى وقد تضيع فرصة أخرى دون ان نغرف ما كنا في أمسّ الحاجة إليه، ويعود جيل الإستقلال يتساءل دون أن يسمع لأسئلته ركزا. فبأي حال عدت يا نوفمبر؟. وهل فعلا أنصفنا الذكرى حقها من خلال الإحتفاليات العديدة عبر ربوع الوطن بكل برامجها ومحاورها وأجنداتها؟. إنّ الحدث يستحق أكثر من ذلك لأنه كان بداية مرحلة جديدة في تاريخ الجزائر بعد قرن ونيف من الإستدمار الفرنسي، ويستحق أن نطبع الآلاف من الكتب والمنشورات المخلدة لأهم مراحلها أبرز معاركها وأبطالها الشهداء وحتى إعادة طبع العشرات من الكتب التي تناولت الثورة الجزائرية بكل تفاصيلها وعمومياتها ليعرف جيل الإستقلال أن الحرية وقعها الرصاص وكان العهد قسما.. خاصة ونحن في مرحلة التحوُّلات الإقليمية ما أحوجنا للعودة إلى تاريخنا لنستمد منه قوتنا ولا نكون فريسة سهلة حول ما يصدر إلينا عبر (الذباب الإلكتروني) ونتقوى بذاكرتنا لنجابه كل من يشكك في ثوابت وطننا ولا زال يلقي سمومه لننفر من تاريخنا. إن الحدث يتزامن مع (طـوفان الأقصى) الذي أكدت الجزائر للمرة المليار انها كانت وتظل وستبقة مع فلسطين ظالمة ومظلومة، ولعل ما أكده الرئيس عبد المجيد تبون من ولاية الجلفة، بأنّ الفلسطينيين ليسوا إرهابيين بل مقاومين وأصحاب حق، أسقط كل الأقنعة وأعاد بوصلة التاريخ بين نوفمبر التحرير وطوفان الأقصى. ولعل ما تقوم به الجزائر ما هو إلا انعكاس لما جاء به بيان أول نوفمبر 1954. إن هذا الحدث، أكبر من هذه السطور المتواضعة ولكن لا بأس من أن نهمس في الآذان “بالمناسبة” يجب أن تصالح مع تاريخنا ونحببه في نفوس أبنائنا وأحفادنا لأن الجيل النوفمبري لم يبقى منه إلا القليل اطال الله في عمره فمن سيحكي لنا تفاصل الحكاية من بعدهم؟..

بقلم: رامـي الـحـاج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى