
نموذج علي بابا للذكاء الاصطناعي “كيوين ماكس”.. أعلنت شركة “علي بابا” الصينية عن إطلاق أحدث نماذجها في مجال الذكاء الاصطناعي والذي وصفته بالأكبر ضمن سلسلة ابتكاراتها الحديثة، وجاء هذا الإعلان ليعكس الطموح المتزايد للشركة في ترسيخ حضورها العالمي ضمن سباق محموم تشارك فيه كبرى الشركات التكنولوجية، حيث تسعى كل جهة إلى تعزيز قدراتها وابتكار أنظمة أكثر تطورًا في التعامل مع النصوص وتحليلها، ويُعد هذا النموذج الجديد نقطة تحول في مسار الشركة التي دخلت بقوة ميدان المنافسة مع شركات أميركية بارزة.
نموذج علي بابا للذكاء الاصطناعي “كيوين ماكس”.. نموذج واسع القدرات ومعايير جديدة
النموذج الجديد الذي حمل اسم “كيوين ماكس” ينتمي إلى عائلة “كيوين” التي أطلقتها الشركة مطلع هذا العام، ويضم أكثر من تريليون معامل وهو رقم ضخم يعكس حجم البيانات والقدرات الحسابية التي بُني عليها، ويستطيع هذا النظام معالجة النصوص وفهمها بدرجة عالية من الدقة مما يجعله أداة قوية لإنجاز المهام المعقدة التي تتطلب تحليلًا متقدمًا للغة، وقد تفوق النموذج في اختبارات داخلية على نسخ سابقة من السلسلة إلى جانب تجاوزه نماذج منافسة طُورت من شركات صينية ودولية.
وبحسب ما ذكرته الشركة، فقد تمكن “كيوين ماكس” من تسجيل أداء متفوق مقارنة بنموذج “كيمي” لشركة “مون شوت”، وكذلك نسخة غير مكتملة من “كلود” التابع لشركة أنثروبيك، بالإضافة إلى تقدمه على نموذج “ديب سيك” في خمسة معايير قياسية أساسية، ومع أن هذه النتائج لم تُنشر في تقرير فني رسمي فإنها تعكس ثقة علي بابا في كفاءة منتجها الجديد، وقد وعد أحد مهندسي الذكاء الاصطناعي بالشركة بأن نسخة أكثر تطورًا تعتمد على ما يسمى “التفكير المتدرج” ستصدر قريبًا لدعم قدرات النموذج.
المتابعون يرون أن هذه القفزة التقنية تضع علي بابا في مواجهة مباشرة مع نماذج رائدة مثل “جي بي تي” من الشركة الأمريكية الشهيرة، خصوصًا أن النموذج الجديد يُقارب في قدراته ما يُعتقد أنه مستوى “جي بي تي 4.5” الذي يضم ما بين ٥ و٧ تريليونات من المعاملات، وهذا يعني أن الفجوة بين الصين والولايات المتحدة في مجال النماذج الضخمة لم تعد كبيرة كما كانت في السابق.
فتح الأبواب أمام المطورين حول العالم
واحدة من الخطوات اللافتة التي اتخذتها “علي بابا” هي فتح المجال أمام المطورين في مختلف أنحاء العالم، لاستخدام هذا النموذج عبر منصتها السحابية، وهذا القرار يعكس رغبة الشركة في جعل ابتكارها أداة مفتوحة لتطوير تطبيقات وخدمات جديدة في ميادين متنوعة مثل التعليم والصحة والأعمال الرقمية، كما يتيح للشركات الناشئة الوصول إلى تقنيات متقدمة لم يكن من السهل استخدامها في السابق بسبب ارتفاع تكلفتها أو محدودية الوصول إليها.
هذا التوجه ينسجم مع استراتيجية الصين في تعزيز مكانتها التكنولوجية على الساحة العالمية من خلال تصدير تقنياتها إلى الخارج، حيث لم يعد الهدف مقتصرًا على السوق المحلي بل امتد إلى منافسة الشركات الأمريكية التي تحتكر جزءًا كبيرًا من هذه الصناعة، وقد رأى محللون أن علي بابا لا تسعى فقط إلى تقديم نموذج جديد بل إلى بناء نظام بيئي عالمي يجعل مطوري البرمجيات يعتمدون على أدواتها ويصبحون جزء من شبكتها الواسعة.
وتشير التقديرات إلى أن فتح النموذج أمام الاستخدام العالمي قد يُسهم في تسريع وتيرة الابتكار، حيث يمكن للمطورين استغلال قدراته لإنتاج تطبيقات ذكية في مجالات الترجمة وتحليل النصوص والبحث العلمي وإدارة البيانات، وهو ما سيعزز مكانة علي بابا كمزود رئيسي للبنية التحتية الرقمية التي يقوم عليها المستقبل الرقمي.
انعكاسات السباق التكنولوجي على المشهد العالمي
إطلاق هذا النموذج يعكس بوضوح حدة السباق الدائر بين القوى التكنولوجية الكبرى، فبينما تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على هيمنتها في هذا المجال من خلال شركات مثل “أوبن آي إيه” و”آنتروبيك”، تتحرك الصين بقوة عبر شركات مثل “علي بابا” و”ديب سيك” لردم الفجوة وتعزيز حضورها في الأسواق العالمية، وهذا الصراع لا يقتصر على المنافسة التجارية فحسب بل يمتد إلى الأبعاد الاستراتيجية المتعلقة بالابتكار والسيادة التكنولوجية.
ويرى خبراء أن دخول “علي بابا” بمثل هذا النموذج الضخم يرفع مستوى التحدي أمام الشركات الأمريكية التي كانت لوقت طويل في صدارة هذا المجال، كما يعكس الطموح الصيني في أن تكون لها اليد العليا في صناعة الذكاء الاصطناعي خلال السنوات المقبلة، خصوصًا أن هذه النماذج قادرة على فتح آفاق جديدة في قطاعات الدفاع والاقتصاد والبحث العلمي وهو ما يمنحها أهمية استراتيجية تفوق بكثير مجرد كونها أدوات برمجية.
ويُتوقع أن يستمر هذا السباق بوتيرة متسارعة مع سعي كل طرف لإطلاق نماذج أكبر وأكثر كفاءة، مما سيؤدي إلى تطور سريع في قدرات الذكاء الاصطناعي وإدخال تغييرات عميقة على حياة الأفراد والمجتمعات، وفي خضم هذا التنافس يبقى السؤال المطروح هو كيف سيتم استخدام هذه التقنيات، وما إذا كانت ستخدم البشرية في مجالات الصحة والتعليم أم ستتحول إلى أدوات لتعزيز النفوذ السياسي والعسكري للدول الكبرى.
من خلال إطلاق “كيوين ماكس”، تثبت علي بابا أنها لاعب أساسي في ساحة الذكاء الاصطناعي العالمية، فهي لا تكتفي بمنافسة الداخل بل تسعى لمجاراة النماذج الأمريكية المتقدمة، ومع فتح الباب أمام المطورين حول العالم للاستفادة من قدراته تعزز الشركة من مكانتها كجسر بين الشرق والغرب في صناعة الذكاء الاصطناعي، ويبقى التحدي الأكبر هو قدرة هذه النماذج على تحقيق توازن بين الابتكار السريع والالتزام بالمسؤولية الأخلاقية في توظيفها.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله