لك سيدتي

“نسيمة ثابت”…من الإدارة إلى النشاط الجمعوي

34 سنة في قطاع التضامن...

تعتبر “نسيمة ثابت” من العناصر التي وثقت اسمها في مجال التضامن بولاية وهران، وأصبحت معروفة لدى كل الجمعيات الناشطة، بفعل مساعدتها الإدارية وتسهيل تواصلها مع مختلف المؤسسات بحكم مهنتها الإدارية بمديرية النشاط الاجتماعي لمدة 34 سنة. 

 

ورغم خروج “نسيمة” إلى التقاعد هذا العام 2025، إلا أن ذلك حفزها للتوجه والاندماج الكلي في النشاط الجمعوي من خلال انشائها لجمعية “نجمة البحر”، وعضويتها بعديد الجمعيات، على غرار “أيادي الرحمن، بر الوالدين، النصر، شباب الباهية، وحي المثقفين، زاد الآخرة، المنظمة الوطنية للبيئة، زرياب الثقافية، المنظمة الجزائرية للاتصال والتنمية، تنسيقية المواطنة، كافل اليتيم” إلى جانب جمعيات أخرى نشطة خاصة في المجال الاجتماعي…

 

1991… البداية نحو عالم خاص

“نسيمة ثابت” من مواليد 1965، بدأت عملها في 1991، بعد زواجها وحصولها على شهاده ليسانس سنة 1989، تخصص علم النفس، انطلقت في عملها كطبيبة بيداغوجية بمدينة سيق، ولاية معسكر بمركز الأطفال المتخلفين ذهنيا وذلك بين 1991 و 1999.

وهناك اشتغلت أيضا كمديرة للنشاط الاجتماعي بالنيابة، بعدما تعرض المدير “عمراني” إلى عارض صحي، لكن شاءت الأقدار أن تصادف حادثا مأساويا وهي في طريقها بمنعرجات “ديبلينو”، هذه الحادثة جعلتها تتصل بمدير النشاط الاجتماعي بولاية وهران الراحل “قادة هزيل”، الذي منحها فرصة الانتقال من ولاية معسكر إلى ولاية وهران، التي التحقت في بدايتها بالفريق الخاص بمقر الولاية والمشرف على المتابعة الخاصة لضحايا المأساة الوطنية من الجانبين،حيث يتوجهون إلى مقرات الضحايا وهناك يتكفلن بهم صحيا، اجتماعية واداريا.

وتبقى أصعب ذكرى من الذكريات التي تملأ ذهنها إلى اليوم، إضافة إلى حادث ديبلينو بمعسكر، حادث سيدي بن يبقى والذي عرف اغتيال الوالدين على مرأى 6 أولاد تكبرهم 18 سنة وأصغرهم 3 أشهر، ولم يكن لهم أهل ولا أقارب بوهران، لأنهم قدموا من سعيدة بحثا عن عمل واستقروا هنا، ثم انخراطها في مشروع إدماج المعوقين في المؤسسات التربوية، حيث فتح أول قسم لذوي الاحتياجات الخاصة بمتوسطة “طنجاوي”، ثم اشتغلت كرئيسة مشروع للتكفل بالأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس التربوية.

في 2009 و2010 عينت مديرة بالنيابة الديار الرحمة بمسرغين وهناك كانت تجربة إنسانية جديدة، فتحت عينها على فئة أكثر هشاشة في المجتمع، ثم رئيسة مكتب العائلة،غير أن احتكاكها بالناس وتعاملها الإنساني جعلها ترفض العمل الإداري لتتجه إلى العمل الذي يجعلها في اتصال دائم وتواصل مع مختلف الفئات، فتوجهت إلى مصلحة التكفل بالفئات الخاصة.

في 2006 عينت كرئيسة لجنة التكفل بالمتشردين تحت إشراف الواليين “زوخوقوادري” بين 2007 و2010، لتنطلق بعدها مع مدير النشاط الاجتماعي بعدها “جمال رحيم” كرئيسة مصلحة التضامن بالنيابة، ثم رئيسة مصلحة العائلات المعوزة، كما قامت بتمثيل مدير النشاط الاجتماعي “محند فضالة”، في تحضيرات الخاصة بألعاب البحر الابيض المتوسط التي احتضنتها وهران، وذلك في قسم النشاط التطوعي.

 

لابد من دراسة اجتماعية ونفسية حقيقية لظاهرة التشرد

ولأن احتكاك “نسيمة ثابت” كنفسانية بمختلف شرائح المجتمع، فقد فضلت التواجد ضمن العمل الإنساني المباشر عوض العمل الإداري الجاف، جعلها تنجح في تنفيذ العديد من العمليات، لاسيما تلك المتعلقة بإعادة إدماج الأشخاص المشردين بالشارع إلى عائلتهم أو المراكز المخصصة للتكفل بهم، رغم صعوبة هذه المهمة، كما أنه أعطاها فرصة التعرف على هذه الفئة الخاصة من المجتمع، فهي تعتبر المتشردين في الشارع مرفوضين من المجتمع، رغم أنهم هو من حولهم مشردين منعزلين عنه. كما ترى أن هذه الفئة تحتاج إلى أطباء نفسانيين خاصين ومختصين في التكفل بهم ، لأنهم يعانون اضطهادا نفسيا وخارجيا.

 

لمديريات النشاط الاجتماعي دورا مهم في سن العديد من التدابير الوزارية

أما فيما يتعلق بمساعدة العائلات المحتاجة على مستوى مديرية النشاط الاجتماعي، فهي تعتمد كثيرا على التنسيق مع البلديات لأنها تملك الإحصائيات الدقيقة للعائلات المحتاجة، إضافة إلى تلك العائلات التي تتواصل مع مؤسستنا مباشرة، وكذلك التنسيق مع الجمعيات، على غرار جمعية “شقراني” التي يزيد نشاطها عن 20 سنة.

وقد عملت بالتنسيق مع مديرية النشاط الاجتماعي، في ما يسمى برنامج “مساعدي الحياة”، الذي أصبح برنامجا يساهم في توفير مناصب شغل عن طريق تكفل بالمرضى والمسنين ببيوتهم. مضيفة أنه لمديريات النشاط الاجتماعي دورا كبيرا في سن الكثير من القوانين وتطبيق الكثير من الميكانيزمات والآليات التي تساعد في إدماج الفرد في المجتمع، عن طريق الحياه المهنية ودعم الأسرة، على غرار قفة رمضان، التي كانت عبارة عن مساعدات غذائية تقدم للأسرة التي تحولت فيما بعد إلى مساعدات مالية، تصل الأسر المحتاجة عبر مكاتب البريد عن طريق الحوالات، وهذا تنفيذا لتوصيات مديريات نشاط الاجتماعي وولاية وهران واحدة منها حفاظا على كرامة الأسرة وسر استفادتها.

وأمام كل الآليات التي وفرتها الدولة من أجل السماح للفرد مهما كان مستواه الدراسي والاجتماعي الحصول على منصب عمل، فإنه يتعين إعادة ضبط ميكانيزمات توفير متطلبات الحياة الأساسية للشباب، هذا الأخير الذي أصبح متطلبا جدا ويبحث عن الوفرة السهلة دون كد أو تعب.

 

المرأة أصبحت أكثر تحررا واستقلالية

كما ترى الأخصائية النفسانية “نسيمة ثابت”، أن الآليات الجديدة الخاصة بمساعدة المرأة سواء بالنسبة للعمل أو الدراسة أو محاربة العنف، فإنها نتيجة المقترحات التي كانت تقدمها ولا زالت، تواصل ذلك مديريات النشاط الاجتماعي على مستوى الولايات، على غرار ولاية وهران من خلال التوصيات التي ترفع بعد دراسة للنشاطات الخاصة بخلايا الإصغاء المنشأة في هذا الإطار.

فاليوم أصبحت المرأة أكثر تحررا وأكثر استقلالية من سنوات سابقة، حتى أن العمل أصبح اختياريا لديها بعدما كانت تشتغل في أي مهمة تنسب لها، والأهم من ذلك أن المرأة أصبحت تتكفل بتحمل مسؤوليتها في حال تعرضت إلى حمل غير شرعي، بعدما كانت تتخلى عنه في السابق أصبحت اليوم إما تقوم بتربيته لتوفر العمل أو هي من تمنحه لعائلات تبحث عن أطفال للتكفل بهم، وأحيانا تقوم ببيعه. وبعدما كانت المرأة تتستر عن الظلم والعنف الذي تتعرض له، أصبحت اليوم أكثر إقبالا على المحاكم لاستعادة حقوقها وهذا راجع للتحديثات التي عرفها ويعرفها المجتمع. فبعدما كانت أكثر إقبالا على العمل لدى العائلات والتكفل بالمرضى والمسنين في بيوتهم، أصبحت اليوم ترفض هذا العمل وتعتبره شاقا وغير مناسب لها، وتفضل العمل بمطاعم الأكل السريع والمحلات.

 

أسباب انتشار العنف بالمجتمع

من وجهة نظر النفسانية “نسيمة ثابت”،فان ركيزة المجتمع هي المرأة، فإن صلحت صلح المجتمع، والام مدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الأعراق،

بحكم اندماجها في المجتمع واحتكاكها بمختلف فئاته، فإن المسؤول الأول عن انحراف الأطفال هو التربية الأسرية التي تكون على عاتق المرأة أكثر من الرجل،وتعيد ذلك لأن المرأة الأكثر بقاء واحتكاكا بالأطفال من الأب، كما يعود العنف الموجود في الشارع إلى تراجع الدور التربوي للمؤسسات التربوية، وذلك بعدما أصبح الأولياء يرفضون عقاب الأستاذ لأبنائهم،وهو ما منحهم حرية جعلتهم يتمردون على الأصول والأعراف المجتمعية، مصرة على أنه لابد أن يعود الدور التربوي الكامل للمعلم وتعود هيبة الأم والأب داخل الأسرة، حتى يتم ضمان تربية سليمة للطفل.

 

شباب اليوم ابن التكنولوجيا، متمرد على التقاليد

وفيما يخص جيل اليوم، فإن “نسيمة ثابت”، تؤكد أن التطور التكنولوجي أصبح اليوم يفرض نفسه على الشباب، وحتى الأطفال أصبحوا يفقهون كيفية اشتغال وسائط التواصل الاجتماعي وتطبيقات الإنترنت، التي تساهم في تسهيل تواصلهم وحتى تنفيذ بعض الرغبات، على غرار اكتشاف مناطق جديدة والتعرف على ثقافات أجنبية عن طريق العيش في العالم الافتراضي.

شباب اليوم حسبها، يحتاج إلى تأطير وهيكلة من أجل استغلال مكنوناته الخاصة، لا سيما في مجال الإبداع، باستغلال تكنولوجيا بمختلف أبعادها لأنه يملك ثقافة عصره، وهو متمرد على الثقافة التي سبقت، لأنه يرى فيها تأخر لا سيما المعاملات الإدارية، التي ما زالت تعتمد على ملفات ضخمة من الوثائق عوض الاستعمال السهل والبسيط للمعطيات الرقمية.

وقد أبان حضور الشباب خلال ألعاب البحر الأبيض المتوسط عن وجود كفاءات فكرية مبدعة تستحق فقط التوجيه، ومنحها مكانتها حتى تقدم ما هو واجب وضروري للمجتمع والبلد، وقد كان هذا حافزا كافيا لتفكر في إنشاء جمعية أطلقت عليها اسم “نجمة البحر” تتكفل باكتشاف المواهب والقدرات الخاصة لدى الشباب من أجل تأطيرها وتوجيهها، بالتنسيق مع المؤسسات المجتمعية مع التركيز على شباب المناطق النائية والمعزولة، إضافة إلى تقديم ومرافقة هؤلاء الشباب إداريا.

كما أنها تحضر لفتح قسم خاص لتعليم اللغةالإنجليزية، حتى يستطيع هؤلاء الشباب من التواصل مع غيرهم بشكل سهل وبسيط، ناهيك عن فتح خلايا إصغاء للاستماع لمشاكل واقتراحات الأفراد على اختلاف مستوياتهم وتنظيم دورات تكوينية لصالحهم، قصد تسهيل اندماجهم في المجتمع والحياة المهنية.

واختتمت “نسيمة ثابت” مقابلتها مع جريدة “البديل” بحلمها الذي تسعى لرؤيته يتجسد على أرض الواقع، بفتح المجال للشباب وتشجيعهم على التوقف عن الحرقة والبقاء ببلادهم عوض زرع اليأس فيهم، لأنهم بُناته وحُماته.

أعدته: ميمي قلان 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى