
في سابقة لم تشهدها تونس منذ الثورة، لم تتجاوز المشاركة بالانتخابات البرلمانية عتبة 10 بالمائة في نسبة قد تكون الأضعف على الإطلاق.
ولم يعلق الرئيس التونسي قيس سعيد بعد على تدني نسبة المشاركة، في ما بدا أنه صمت إزاء مأزق سياسي سيكون له ما بعده.
من جانبها، وصفت جبهة الخلاص الوطني الأمر بالزلزال السياسي، ودعت سعيّد إلى الرحيل، وأن تشرع البلاد بمرحلة انتقالية توصلها إلى انتخابات مبكرة.
وأكد جوهر بن مبارك، القيادي في جبهة الخلاص الوطني، أن الشعب التونسي أصدر بطاقة وفاة لمسار 25 جويلية، وقال إن ما تبقى هو أن نجد الآن بديلًا، كما اعتبر حزب العمال اليساري في تونس أن حجم المشاركة الهزيل جدًا ينزع كل شرعية عن مجمل منظومة الخامس والعشرين الانقلابية.
لكن العزوف عن المشاركة في الاقتراع كان صادمًا بالنسبة لأنصار الرئيس، إذ وضعته المقاطعة أمام تحد صعب عن كيفية مواصلة مسار انفضّت الغالبية العظمى عنه، وتهاوت شعبية نهجه وسقطت سردية ما يصفه هو ذاته بالشرعية الشعبية.
وينظر مؤيدوه إلى ذلك على أنه ناقوس إنذار لمراجعة بعض السياسات، لا الذهاب إلى إسقاط المسار برمته، ورأى فتحي حكيمي العضو في الحراك المساند للرئيس، أن المناداة بإعادة خلط الأوراق من جديد أو استقالة الرئيس قيس سعيد يدخل البلاد في فوضى عارمة.
وبينما بدا أن صدى المقاطعة كان أقوى من دعوات الانتخاب، يقول مختصون في الشأن الانتخابي إن ذلك نتيجة طبيعية للانفراد بالحكم.
وأكد ناصر الهرابي، المدير التنفيذي لمرصد “شاهد” لمراقبة الانتخابات، أن 850 ألف مقترع لا يمكن اعتبار أنهم يعبرون فعليًا عن إرادة التونسيين، ومرد ذلك إلى مقاطعة الأحزاب السياسية لهذا المسار الأحادي النابع عن شخص رئيس الجمهورية.
لم تكن مفاجئة
يعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة تونس شكري خميرة، أن نتائج الانتخابات هي تقريبًا نهاية لتراكمات وسلسلة دخلت فيها البلاد منذ 25 يوليو 2021، وهي تمثل القوس الذي جاء داخل مرحلة الانتقال الديمقراطي كما تُسمى في العلوم السياسية.
وأكد في حديثه، إن هذه المرحلة هي بطبيعتها هشة وفيها نتوءات وعثرات وانتكاسات، وفيما يلفت إلى أن نتيجة الانتخابات كانت مفاجئة بالنسبة للبعض، يقول إن من يقدر المسار: كيف بدأ وكيف تطور منذ 25 جويلية، يفهم أنها لم تكن مفاجئة في الواقع بل كانت نتيجة طبيعية.
ويردف، بأنه في التجارب المقارنة سواء في أميركا اللاتينية أو غيرها، ثبت أن الانقلابات تنتهي في سنة أو سنتين أو ثلاثة على الأكثر مع نهاية العهدة، لا سيما إن كان الرئيس هو من قام بها.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية، اعتبرت أن الانتخابات البرلمانية في تونس تمثل خطوة أولية أساسية نحو استعادة المسار الديمقراطي للبلاد.
وأضاف المصدر، أن الإقبال المنخفض للناخبين يعزز الحاجة إلى زيادة توسيع المشاركة السياسية خلال الأشهر المقبلة، مؤكدًا أهمية تبني إصلاحات شاملة وشفافة في تونس.
أميركا تجدد التأكيد على أهمية تبني إصلاحات في تونس
جددت وزارة الخارجية الأمريكية، التأكيد على أهمية تبني إصلاحات شاملة وشفافة في تونس، وقالت الوزارة، إن الانتخابات البرلمانية، التي جرت في تونس في 17 ديسمبر الجاري، تمثل خطوة أولية أساسية نحو استعادة المسار الديمقراطي للبلاد.
واستطردت الوزارة، أن الإقبال المنخفض للناخبين يعزز الحاجة إلى توسيع المشاركة السياسية خلال الأشهر المقبلة.
وتابع المصدر نفسه، أنه ومع استمرار العملية الانتخابية حتى عام 2023، تعيد واشنطن التأكيد على أهمية تبني إصلاحات شاملة وشفافة، بما في ذلك تمكين هيئة تشريعية منتخبة، وإنشاء المحكمة الدستورية، وحماية حقوق الإنسان، والحريات الأساسية لجميع التونسيين.
حكومة ديمقراطية
وأضاف المصدر ذاته، لا نزال ملتزمون بالشراكة طويلة الأمد بين البلدين، وسنواصل دعم تطلعات الشعب التونسي إلى حكومة ديمقراطية خاضعة للمساءلة تحمي حرية التعبير، والمعارضة، وتدعم المجتمع المدني، وأردف نجدد التأكيد على أهمية تبني إصلاحات شاملة وشفافة في تونس.
واختتمت الخارجية الأمريكية قائلة، نحث الحكومة التونسية على اتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة الأزمة الاقتصادية الحالية وتحقيق الاستقرار والازدهار على المدى الطويل لجميع التونسيين.
وفي رسالة سابقة ، أكد وسام دعاسي على إجماع في الأوساط المعارضة للرئيس التونسي قيس سعيّد والمساندة له بأن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية ضئيلة وخجولة وضعيفة للغاية، وذلك يعبر عن عزوف واسع عن المشاركة في الانتخابات وأن 90 بالمائة قد قاطعوا هذه الانتخابات التي تأتي ضمن إجراءات الرئيس سعيّد التي أعلنها قبل نحو عام.
ولفت المصدر نفسه، إلى أن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات هي أقل من تلك التي سجلت عند الاستفتاء على الدستور في جويلية الماضي الذي شارك فيه أكثر من مليوني شخص.
وأشار المصدر، إلى دعوات المعارضة إضافة إلى حراك 25 جويلية المؤيد لسعيّد، لانتخابات رئاسية مبكرة وإلى وضع خارطة طريق جديدة.
وشهدت انتخابات “المجلس الوطني التأسيسي” في أكتوبر 2011، نسبة 54.1 بالمائة، بينما بلغت الانتخابات التشريعية في 2014 نسبة 69 بالمائة، في حين سجلت تشريعيات عام 2019 نسبة 41.3 بالمائة من الناخبين المسجلين.
والانتخابات التشريعية الأخيرة في البلاد، تعتبر أحدث حلقة في سلسلة إجراءات استثنائية بدأ سعيّد فرضها في 25 جويلية 2021، سبقها حلّ مجلسي القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء 25 جويلية 2022.