
في خطوة مفاجئة أعادت إلى الأذهان رهانات سابقة مثيرة للجدل، أعلنت شركة “ميتا” عن نيتها ضخ ما يقارب 15 مليار دولار في شركة متخصصة بتصنيف البيانات تُعرف باسم “سكيل“، سعيًا لامتلاك قرابة نصف أسهمها وتعيين مديرها التنفيذي الشاب ألكسندر وانغ لقيادة ما يُوصف داخليًا بمختبر “الذكاء الفائق”.
لا تختلف هذه الصفقة من حيث الجرأة عن صفقات سابقة خاضها مؤسس “ميتا”، “مارك زوكربيرغ”، حين قرر اقتناء تطبيق “واتساب” بمبلغ فاق 19 مليار دولار وتطبيق “إنستغرام” مقابل مليار دولار فقط، وهي استثمارات استُهجنَت في وقتها، لكنها أصبحت لاحقًا أعمدة أساسية في إمبراطورية الشركة الرقمية غير أن الرهان الحالي يبتعد تمامًا عن مجال التواصل الاجتماعي، ويتجه إلى مصدر قوة جديد: البيانات، فالعالم لم يعد يكتفي بالبرامج الذكية، بل باتت البيانات النوعية والدقيقة هي الأساس في تدريب النماذج الذكية، وتحديد مستقبلها.
فشل داخلي ومحاولة إنعاش
رغم إعلان “ميتا” عن نموذجها الذكي “لاما 4” فإن أداءه جاء باهتًا، وفشل في منافسة نماذج أخرى متقدمة، خصوصًا تلك القادمة من مختبرات آسيوية مثل “ديب سيك”، كما تواجه الشركة استنزافًا حادًا في كوادرها، حيث أظهرت بيانات داخلية أن أكثر من 4 بالمائة من خبرائها التقنيين انتقلوا إلى مختبرات منافسة خلال الأشهر الأخيرة، هذا التراجع دفع الشركة إلى عقد صفقتها مع “سكيل” المتخصصة في توليد وتصنيف البيانات، والتي تعتمد عليها حاليًا أبرز الشركات المطورة للنماذج الذكية. ويبدو أن “ميتا” تراهن على هذا التحالف لإنعاش مسارها في سباق الذكاء الاصطناعي، وتجاوز إخفاقاتها الأخيرة
المثير في الصفقة، أن من سيقود هذه المرحلة ليس باحثا علميا من الطراز الأول، بل رجل أعمال شاب معروف بطموحه وسعة علاقاته، رغم افتقاده لعمق بحثي تقني.
ورغم ذلك تعول “ميتا” كثيرا على قدرة هذا الشاب في إعادة تشكيل فريقها الذكي، لا سيما بعد ضمها لعدد من الأسماء اللامعة من شركات كبرى، مثل “ديب مايند”، لكن تبقى التساؤلات قائمة حول قدرة “وانغ” على قيادة مختبر بحجم “الذكاء الفائق”، في بيئة تسير بسرعة تفوق التوقعات، وتتطلب قرارات حاسمة يوميا، وتطويرا متواصلا في الخوارزميات وطرق التعلم.
البيانات الصناعية.. تهديد صامت
يتحدث كثير من الخبراء عن تغير قواعد اللعبة في هذا المجال، فبينما تعتمد شركات مثل “سكيل” على بيانات العالم الحقيقي، تتجه مختبرات أخرى إلى إنتاج بيانات صناعية تولَّد داخل أنظمتها ما يجعل السؤال مفتوحًا: هل سيبقى نموذج “سكيل” صالحًا في المستقبل القريب، بل إن تقارير مالية كشفت عن إخفاق الشركة ذاتها في تحقيق بعض أهدافها خلال الفترة الأخيرة، مما يطرح شكوكا حول مدى صلابة هذا التحالف الذي تراهن عليه “ميتا”.
لم يتأخر القلق من هذه الصفقة في الظهور، فقد أعرب بعض عملاء “سكيل” عن خشيتهم من تعارض المصالح، خاصة بعدما أصبحت “ميتا” شريكًا مؤثرًا.
وقال أحد المسؤولين في شركة منافسة، إن عملاءه أبدوا رغبتهم في التعامل مع شركاء “أكثر حيادية”، ما يعكس مخاوف من تسرب البيانات أو استغلالها لصالح جهة واحدة.
في الوقت الذي تعلن فيه شركة “أوبن أي” عن استعدادها لإطلاق جيل جديد من نماذجها الذكية، يقف العالم على عتبة سباق لا يشبه أي سباق سابق. لم تعد السيطرة مرهونة بالمنصات أو الأجهزة، بل أصبحت مرتبطة بمن يملك “البيانات الأفضل” و”القدرة على تحليلها وإعادة إنتاجها”.
في هذا السياق، تضع “ميتا” رهانها الكبير على صفقة قد تكون حجر الزاوية في عودتها إلى الواجهة، أو النقطة التي تكشف حدود قدرتها على التجدد في عالم لا يعترف بالراحة ولا يعفو عن التباطؤ