الثـقــافــة

موسم سيدي يحيى بن صفية بجنوب تلمسان

فرصة لإصلاح ذات البين وفض النزاعات

لدراسة طريقة التحضير للموسم السنوي لوعدة سيدي يحيى بن صفية أحد أكبر المواسم بجنوب ولاية تلمسان، اجتمع بداية الأسبوع الجاري رؤساء بلدية سيدي الجيلالي والعريشة والبويهي رفقة أعيان المنطقة ومسير الزاوية العلمية سيدي يحيى بن صفية لتحضير أهم الإجراءات والمستلزمات الخاصة بموسم سيدي يحيى بن صفية، أحد أكبر المواسم بعاصمة الزيانيين والذي يستقبل سنويا عشرات الأساتذة والباحثين والدارسين وعديد الشخصيات الثقافية والسياسية والدينية.

تم الاتفاق على تاريخ 19 و20 من شهر سبتمبر القادم كموعد لانطلاق التظاهرة التي تدوم ثلاثة أيام، حيث من المنتظر أن يعرف موسم سيدي يحيى هذه السنة مشاركة قياسية للخيالة والفرق الفلكلورية ليس من ولاية تلمسان فحسب، وإنما من مختلف ربوع ولايات الوطن على غرار البيض النعامة معسكر وغيرها من الولايات المشهورة بالفنتازيا وركوب الخيل.

 الموعد الثقافي الكبير

وقد تم ضبط كافة الإجراءات لهذا الموعد الثقافي الكبير، حيث سيتم تزويد فرق الخيالة بالبارود ومختلف المستلزمات الضرورية لإنجاح الحدث الثقافي الهام، والذي سيكون مناسبة للترحم على أحد رجالات المنطقة الحاج صالح النهاري الذي رحل منذ سنوات، وهو الذي كان يحرص سنويا على إحياء موسم سيدي يحي ابن صفية ويعتبره فرصة سانحة للقاء الأحباب ولم الشمل والإصلاح بين الناس.

ويؤكد أستاذ الآداب واللغات والعلوم الاجتماعية بجامعة معسكر “قيداري قويدر” أن موسم سيدي يحيى فرصة حقيقية لإصلاح ذات البين، حيث تؤدي الوعدة دورا مهما في فض النزاعات القائمة بين الناس بطرق ودية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وهذا يمثل وجها مضيئا في مجال القضاء والتحكيم.

تسمية أولاد أنهار

وترجع تسمية أولاد أنهار حسب الباحث “قيداري قويدر” إلى حادثة وقعت لسيدي محمد ابن العطاء تعرضت لها الكثير من الدراسات بالشرح والتفصيل، من أهمها ما وجد مثبتا في خمس دراسات وبعض التقاليد التي تمكن من الإطلاع أكثر على مختلف الأمور، حيث اتفقت جميعها حول رواية واحدة في تعليلها لسبب التسمية وملخص هذه الراويات، حسب الباحث أن الجد الأعلى لسيدي يحيى ابن صفية وهو “سيدي محمد بن العطاء” كان عائدا من حجة لبيت الله الحرام فسمع بخبره واصل ابن وانزمار السويدي، وهو أحد كبار قطاع الطرق في منطقة السهوب فسار رفقة حوالي ألف فارس ليعترض سبيله وينهب ممتلكاته، ويؤكد الأستاذ قيداري في هذا الخصوص أن وانزمار السويدي ينتمي إلى قبيلة سويد أحد فروع زغبه التي تنحدر من بني هلال وقد عاش فعلا في القرن 14 ميلادي وهي الفترة التي كان يعيش فيها أيضا سيدي محمد ابن العطاء جد سيدي يحيى ابن صفية.

الفنتازيا والخيالة

وتسبق الوعدات تحضيرات حثيثة من أجل ضمان تنظيم ناجح واستقبال حار للضيوف والسياح، حيث يحرص شيوخ وأعيان كل قبيلة على إعلام العائلات بموعد إقامة هذه التظاهرة السنوية، وتوجه لهم الدعوة للإسهام في تنظيمها في سياق احترام قيم أسلاف هذه القبائل المعروفين بكرم الضيافة.

وتعتبر تظاهرات الفنتازيا والخيالة من العادات الأزلية الراسخة التي تستقطب في مثل هذه المناسبات الزوار فيرتدي فرسان كل قبيلة ألبستهم التقليدية كالبرانيس والعمامة فيما تزين الخيول بسروج متنوعة الأشكال والألوان. وبمجرد إعطاء إشارة الانطلاق تصطف مجموعات الفرسان المعروفين محليا بتسمية العلفة على خط واحد قبل أن يهبوا بعد أمر قائد المجموعة في سرعة كبيرة وهم يطلقون البارود، وتعتبر أحسن علفة تلك التي تتمكّن من تحقيق الانسجام حتى يبدو للجمهور، وكأن الأمر يتعلق بطلقة بارود واحدة مشتركة وفي نهاية الاستعراض تظهر على فرسانها ملامح الفخر والاعتزاز بخيولهم المعتادة على مثل هذه التمرينات وهم راضون عمّا قدموه في سباقهم.

نشاط تجاري كبير

ويصاحب الوعدة دوما نشاط تجاري كبير حيث تستحدث سوق خاصة بهذه التظاهرات فيجد التجار والحرفيون ضالتهم بعرض منتوجاتهم من فواكه وأعشاب طبية ومختلف منتجات الصناعات التقليدية مثل البرنوس والجلابة. ويشرع التجار في البيع من خلال إبراز مزايا ونوعية سلعتهم التي تقترح بأسعار معقولة.

وتشكل الوعدة التي تجمع الآلاف من الأشخاص فضاء مميزا لإبراز قيم الكرم وحسن الضيافة، وتدعو كل قبيلة الحاضرين إلى تناول الكسكسي كما يسهر القائمون على الوعدة على التكفل الجيد بالضيوف والسياح، وهكذا يقضي الحضور طيلة التظاهرة التي عادة ما تدوم يومين أوقات ممتعة من خلال إقبالهم على الألعاب التقليدية كرقصات العلاوي الشهيرة التي تعبر على أصالة عرش أولاد انهار أحد أكبر عروش منطقة تلمسان.

جرفاوي. ع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى