رأي

مهتمون يدعون إلى تطبيق القانون وأخلقة المجتمع

"التيك توك" في الجزائر

تحول تطبيق “التيك توك” إلى هاجس يؤرق العائلات، بعدما تجاوز حدود الانفتاح المحترم على مختلف الأمور والقضايا إلى القفز على الأعراف والتقاليد، وصل حد درجة “التعري الأخلاقي”، الذي جعل الشباب لاسيما المراهقين، الذين وجدوا في الألعاب والمسابقات التي تجري عبره تخلق الإثارة، بفعل الأحكام التي يطلب تنفيذها من طرف اللاعبين، الذين ينفذون طلبات الأشخاص الذين يدعمونهم في الخفاء، دون الحديث عن التواصل المباشر المعروف بـ”اللايف”، الذي يطرح مواضيع جريئة، ويتم فيه التدخل في خصوصية المتصل دون سابق إنذار، ناهيك عن الفيديوهات المسجلة التي تقدم حتى كبارا في السن، يقومون بتصرفات غريبة، تحولهم إلى مادة دسمة للتنمر ويصبحون ضحية للتهجمات من طرف المتابعين.

وفي المجتمع الجزائري، تعالت أصوات كثيرة مطالبة بغلق تطبيق “التيك توك” لأنه أصبح يفضح العائلات والأفراد ويتعدى على الأخلاق، بعد تطاول بعض الشباب وتماديهم في “السب والشتم والكلام البذيء…”، كما أصبح يخوض في مواضيع حساسة أو محرجة بتبسيط مبتذل يصل حد التحرش ناهيك عن التنمر، وعوض أن يتناول مواضيع الساعة ويعمل منتسبوه على نشر الوعي وتثقيف المجتمع، اختار هؤلاء أقصر الطرق للشهرة، وهي “الخروج عن النص”. وفي هذا الشأن تلتقي آراء الأشخاص في ضرورة العمل على “أخلقة المجتمع” قبل الردع، لأن المجتمع يفرض حضور الأسرة التي يبدو أنها تخلت عن دورها، وطلقت مسؤوليتها اتجاه أفرادها. فأصبح الزوجان يطلان عبر “التيك توك” ويقومان بتصرفات مخجلة أحيانا. وفي هذا الإطار يرى مهتمون بشأن التواصل الاجتماعي، أن “التيك توك” تحول إلى مكب للنفايات المجتمعية والفكرية، فقد أصبح يضم أكبر عدد من المؤثرين “التافهين”، الذين يقدمون محتوى هابطا ومواضيع سيئة فكرا وإنتاجا، أصبح لها تأثيرا وخيما على المجتمع، وهو ما يستدعي حسبهم المسارعة إلى إصدار قوانين تضبط كيفية استعمال هذه التطبيقات التكنولوجية وإعادة تفعيل دور المختصين اجتماعيا، لإعادة أخلقة المجتمع. حيث كان “يوسف شوشة”، طالب دكتوراه سنة ثانية، مختص في علم الاجتماع الاتصال، بجامعة قاصدي مرباح “ورقلة”، قد قدم دراسة ميدانية على عينة من الأسر بمدينة الأغواط، حول “تأثير منصة التيك توك على القيم التربوية لدى الطفل من وجهة نظر الآباء”، خلال فعاليات الأيام العلمية الوطنية، الدولية للعلوم الانسانية والاجتماعية، التي نظمها مجلس التعاون العلمي العربي برئاسة الدكتور “قاضي هشام”، بجامعة وهران 2. الذي أوضح أن الوقت المعاصر يشهد اعتماد المجتمعات على التكنولوجيا بك لأنواعها، حتى أصبحت ضرورة من ضرورياتها، خاصة إذا نظرنا إلى دورها الفاعل في مختلف مجالات الحياة، فقد جعلت من العالم بأسره أشبه بالقرية، وامتدت آفاق التطور التكنولوجي إلى تعدد الوسائط الاجتماعية عبر تطبيقات متنوعة يسعى من خلالها الأفراد إلى المشاركة الافتراضية بينهم، ولعل أبرز التطبيقات المستحدثة في الآونة الأخيرة هو تطبيق “تيك توك، Tik Tok” الذي أحدث ضجة بانتشاره السريع في كل المجتمعات ودخوله لأغلب العائلات، حيث يعتبر “التيك توك” تطبيق اجتماعي متخصص لنشر الفيديوهات، وقد امتد تأثير هذه التقنية الحديثة ليشمل جميع جوانب الحياة، ليصل إلى الأسرة التي تعتبر الوحدة الأساسية في بناء المجتمع، وتأثرت هذه الأخيرة من خلال منظومتها القيمية الأسرية نتيجة الظروف التي فرضتها التطورات التكنولوجية الحديثة (تيك توك)، الذي أثر في القيم الأسرية لدى أطفالها من خلال غرس مفاهيم أخلاقية قيمية أخرى على حساب قيم نفعية غير مرغوبة تتعلق بالضمير الخلقي، الصدق، الأمانة، الحياء ما قد يؤثر على المرجعية الثقافية والذوق الأخلاقي العام للعديد من المجتمعات، خصوصا لماندرك تنامي الحضور الواضح لمجموعات إباحية وصفحات بمختلف الألوان والتيارات تؤثر على قيم الطفل. متسائلا عن كيفية تأثير “التيك توك” على القيم التربوية لدى الطفل من وجهة نظر الآباء، و مدى تأثير استخدام تطبيق “تيك توك” على العلاقة بين الأبناء والآباء، إلى جانب مدى تأثير هذا التطبيق على القيم الأسرية لدى الطفل. مشيرا أن هذا البحث يهدف إلى التعرف على تأثير مواقع التواصل الاجتماعي (التيك توك) على القيم الأسرية لدى الطفل، والتي تشمل العلاقة بين الآباء والأبناء وبقية أفراد الأسرة في جوانبها الدينية والأخلاقية والاجتماعية والمعرفية والسلوكية، وذلك من خلال التعرف على بعض الخصائص الاجتماعية لدى الطفل من وجهة نظر الآباء، مدى المداومة على استخدام التيك توك، ومكان الاستخدام ومدة الاستخدام، التعرف على دور وسائل التواصل الاجتماعي (التيك توك) في تغير القيم الأسرية لدى الطفل، الكشف عن الانعكاسات السلبية التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي والمتمثلة في تمزيق النسيج الاجتماعي وتغيير النسق القيمي، دراسة إيجابيات وسلبيات التيك توك حالة تغير القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية والعلمية والسلوكية، دراسة التغير الناتج عن استخدام التيك توك في كل من العلاقات الأسرية، وميزانية الأسرة والتحصيل الدراسي والعلمي للأبناء سلبا وإيجابا. منتهيا بتوصيات مهمة، على غرار الحث على الرقابة الأبوية للأبناء خلال استخدام الهواتف الذكية وكذا منصات التواصل الاجتماعي، وضع برامج وإشهاريات توعوية للحث على مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي على الأطفال، وضع مقاييس في المناهج التربوية من قبل الوزارة، التمكين الاجتماعي للاستخدام الأمثل للوسائط التقنية والذكية، تقديم ملاحظات لمسؤولي منصة “التيك توك” بحضر الموقع على الفئة العمرية أقل من 15 سنة، تفعيل دور الإمامة “الامام” للحث على سلبيات وايجابيات استخدام الوسائط الرقمية في دروس العلمية والخطب المسجدي. تفعيل الدور الرقابي من قبل المشرفين التربويين في المدارس والمؤسسات التعليمية لتقليل او الحد من استخدام “التيك توك” داخل الوسط المدرسي.

في الوقت الذي يرى “د.محمد مساهل”، أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة قسنطينة 3، أن المشكلة في مواقع التواصل الاجتماعي اليوم ومنها تطبيق “التيك  توك”، هو أننا نسيء استخدامها، فعوض أن نستخدمها فيما يفيدنا، أصبح المجتمع يستغلها في الجوانب السلبية فقط، وهذا يرجع إلى كون هذه التكنولوجيا هي عنصر دخيل علينا، فلسنا نحن من قمنا بإنتاج هذا النوع من التكنولوجيا ولا تربينا على استخدامها، فالرهانات والتحديات المطروحة اليوم، حسبه تتموحور حول كيفية تربيتنا لأبنائنا على استخدام هذه الوسائط وحماية مجتمعاتنا من أخطارها.  مضيفا أنه من جانب آخر هذه التكنولوجيا، هي وليدة بيئة غربية دخلت علينا بسياقاتها التي فرضت الأفراد استخدامها، فتلك الطريقة أصبحت فضاءا لإخراج المكبوتات، وسقطت كل الطابوهات المجتمعية فيها، وذلك راجع إلى انبهار المجتمع بها، وضعف الوازع الأخلاقي عند الفرد في تعاملهم مع التكنولوجيا، وعليه يجب العمل على أخلقة الفرد في استخدام التكنولوجيات الجديدة لاسيما مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها منصة “تيك توك”، عبر العمل على أخلقة المجتمع، خاصة بالنسبة للجيل الصاعد، وضرورة إدراج التربية، من خلال استخدام التكنولوجيا ضمن المقررات الدراسية في مختلف الأطوار، إلى جانب ضرورة توفير منظمة تشريعة تؤطر فعل الاستخدام ضمن هذه الفضاءات، يضيف الأستاذ “مساهل”.

في السياق نفسه ذكرت “كريمة عراب” برلمانية سابقة ومنخرطة في 3 منظمات (المنظمة الوطنية للتوجيه والترقية الأسرية، المنظمة الوطنية للشباب ذوي الكفاءات العلمية والمهنية وكذا المؤسسة الجزاىرية لحقوق الإنسان)، أن تطبيق “التيك توك” أصبح مكبا للذين يعانون من المكبوتات والاضطرابات النفسية، وهذه الفئة تلقى ترحيبا وتشجيعا كبيرين من طرف المتابعين، في الوقت الذي يستغله البعض للابتزاز والتحشر، لتحقيق مكاسب مالية، وهو ما حوله إلى مجال مضر وخطر حقيقي على المجتمع والأسرة، بفعل المحتوى الهابط الذي يتم نشره، والذي يساهم في الانحلال الخلقي، ويشجع على التمرد على الأخلاق والآداب المجتمعية، والتحرر الكبير الذي يؤدي إلى التخلي عن الاحترام العائلي، داعية إلى ضرورة اعتماد الردع القانوني، لوضع الأمور في نصابها حتى يحترم أصحاب “التيك توك” وباقي منصات التواصل الاجتماعي غيرهم، إلى جانب تفعيل دور المختصين اجتماعيا، لنشر الوعي والسهر على أخلقة المجتمع لمنعه من الانهيار.

يذكر أنه في الوقت الذي طغت الصورة المشينة على “التيك توك” ورواده، هناك أشخاص يعملون على تطهيره من الانحطاط عبر بث مواضيع ذات قيمة مجتمعية تعنى بالشأن الداخلي الجزائري وحتى العلاقات الدولية، إلى جانب إثارة مواضيع تهم الأسرة والمجتمع وما يهم الشباب، في خطوة أخلاقية ومجتمعية لنشر الوعي والتحسيس بضرورة مواكبة ما يجري من تطورات في مختلف المجالات وليس الانحصار في التفاهة ومضيعة الوقت.

إعداد: سليمة. ق

 

زر الذهاب إلى الأعلى