
استيقظ العالم يوم أمس على تصريحات رؤساء تنفيذيين كبار في شركات تكنولوجية عملاقة مثل أمازون ومايكروسوفت، مؤكدين أن موجة الذكاء الاصطناعي الحالية قد تؤدي إلى تقليص أعداد الموظفين، مع الإبقاء على مئات الملايين من الوظائف العاملة حسب الحاجة. وتحوّل النقاش من سؤالي “هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل البشر؟” إلى تحليل دقيق لمن سيكون أول من يفقد وظائفه، أصحاب الخبرات القديمة أم المبتدئون.
الخبراء يواجهون خطر الإقالة
انتشرت تقارير غير رسمية تربط تقليص الوظائف الأخيرة في الشركات الكبرى بخفض كلفة العمالة، مقابل الاعتماد المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في المهام الروتينية. وقد لاحظ البعض أن الذكاء الاصطناعي بات يُجيد كتابة العقود أو تحليل المستندات بدقة وكفاءة، ما دفع بعض الشركات القانونية إلى الاستغناء عن محامين ذوي خبرة في مهام التراجعات وتحرير المستندات. وعلّق خبراء على أن معظم المهام المتكررة أو الكتابية ذات التي جمعها الممارسون المتوسطو الخبرة يواجه خطر أن تؤدي إليها برامج الذكاء الاصطناعي، بينما تُبقى الوظائف التي تقيم وتحلل تلك المخرجات بحكمتها تحت إدارة بشرية.
الناشئون أولى الضحايا
في المقابل، طرح محللون مثل داريو أمودي من شركة “آنثروبيك” نظرية تثير القلق، تقول إن تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة قد تحل فعليًا محل نصف العمال الجدد في المكاتب المكتبية، وخاصة الباحثين عن أول عمل لهم. تدعم البيانات الواردة من مواقع توظيف كبرى هذا الرأي، إذ انخفضت وظائف الخريجين بنحو 30 إلى 33 في المئة منذ 2023.
وتفيد دراسة أجرتها منصة “هاي بوب” بأن 80 بالمائة من العمال، يؤمنون أن الذكاء الاصطناعي قضى على وظائف المبتدئين، بينما دفعت بعض الشركات HR إلى توجيه الخريجين مباشرة إلى أدوار أكثر تقدمًا دون المرور بمناصب تقليدية.
من يستفيد من الذكاء الاصطناعي؟
الدراسات العلمية أثبتت أن المبرمجين ممن لديهم مستوى خبرة متوسطة هم من أكثر المستفيدين من أدوات الذكاء الاصطناعي، حيث يستطيعون إنجاز الأعمال الفريقية باحترافية أكبر وتنظيم عملياتهم بفعالية تفوق قدرة المبتدئين الذين يستعملون الذكاء الاصطناعي لأداء المهام لحسابهم الشخصي قبل تحسين طرق العمل . ويسهم الذكاء المصاحب في تقصير زمن التفريغ أو التحليل بنسبة تصل إلى ٢٧ إلى ٣٩ في المئة عند المبتدئين، لكن خبراء يحققون فقط من ٨ إلى ١٣ بالمئة زيادة .
نقطة تحوّل في التعليم والمؤسسات
تشير هذه التحوّلات إلى ضرورة إعادة بناء طرق إعداد القوى العاملة. فمن جهة، يجب أن يقدم التعليم الجامعي تدريبًا عمليًا يسبق الوظائف التقليدية، ويعزز من كفاءات التقنية الذكية والأخلاقية. ومن جهة أخرى، يتطلب الأمر بناء هيكل مصاحب لتقديم mentorship للشباب أثناء استخدام الذكاء الاصطناعي، وتعريفهم على “لماذا” وليس “كيف” فحسب.
استنتاج متوازن
في المحصّلة لا يمكن القول إن الخبراء سيبقون محصنين، بينما يتم استبدال المبتدئين، أو العكس، فجميع الشرائح مهددة وفقًا لطبيعة المهام وطريقة إدارة الذكاء الاصطناعي. إذ إن المهام الروتينية في المستويات المبتدئة يمكن الذكاء من أتمتتها بسهولة بينما الخبراء الموجهون نحو اتخاذ القرار والإشراف قد يُبقى عليهم إن كان بمقدرتهم استخدام الذكاء كأداة مساعدة.
السوق اليوم ليس في حاجة إلى إقصاء البشر بل إلى إعادة توظيفهم. على المؤسسات أن تبني مسارات وظيفية جديدة يشغلها محترفون قادرون على إدارة وتوجيه الذكاء الاصطناعي. وعلى الحكومات أن تكثف برامج التدريب وإعادة التأهيل لتعويض الفجوات المهارية. والأهم أن على الأفراد أن يتحلّوا بالمرونة لاكتساب مهارات الذكاء الاصطناعي وتكاملها مع خبراتهم لإبقاء أنفسهم في قلب التحوّل التقني.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله