الثـقــافــة

من معارك الجزائر الضارية لحرب التحرير

معركة ساقية موسى بمتليلي الشعانبة جنوب الجزائر

بقلم: الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون

معارك لا تنسى خلدها التاريخ لنقلها للأجيال للافتخار بمجد الآباء والأجداد، ليتناقلها الأحفاد وبتداولها لتدوينها وتوثيقها لأهميتها وقيمتها التاريخية كمادة دسمة لطلبتنا وباحثينا ومزال حبر الأقلام سيال لجمعها منذ أعوام على مر الأيام.

نظرا للأهمية مشاركة أبناء الجنوب بصحراء الجزائر العميقة وشساعتها تناول عديد الكتاب والمؤرخين عير مؤلفاتهم ومراجعهم من أحداث معاشة أو شهادات مسجلة وموثقة، وقائع أحداث مشاركة أبناء الصحراء في حرب الجزائر منذ اشتعال شرارتها الأولى عبر كافة التراب الوطني، والتي توسعت حتى صحراء الجزائر مسرحا لأحداثها، والتي شهدت على تفاصيل مجرياتها جبال المنطقة الشامخة من كاف مولاي سي عبد القادر، كاف الدخان وأفران وغيرهم، إضافة إلى الكثبان الرملية بداية وادي الدرين، سبسب، واد غزالا ت، العرق، كسيكيس، غريس إلخ، التي تروي للتاريخ ولأجيال المستقبل قصصها ووقائع أحداثها لتحكي لهم عن شجاعة أبناء الجنوب عامة، والشعانبة خاصة ودورهم الفعال في العمل على تمسكهم بوحدة الجزائر، شعبا وبحدودها وطنا. ولتبين البطولات والمعارك التي أوقعت الاستعمار الفرنسي في فخ أطماعه التوسعية ومحاول توغله أكثر والسيطرة على الأوضاع بالمكان، وهي الأطماع والطموحات الوهمية التي قوبلت بالرفض القاطع وعدم قبولها والتصدي لها من خلال المقاومات الشرسة التي قام بها مجاهدي المنطقة والتي لا تقل شأنا عن تلك الهجمات والمعارك التي قام بها مجاهدو الشمال إبان الثورة التحريرية الجزائرية المجيدة، بينما استثنيت مشاركة الشعانبة وبطولاتهم بكل دقة وشفافية إلا ما رحم ربي، والتي هي ثورة من أعماق التاريخ وأغوار دهاليزه ومعابر أنفاقه، تستحق الدراسة الشاملة والتطرق لها بتعمق لنقلها بكل صدق وأمانة محينة ومنقحة قابلة للإضافة من تصحيح وتنوير وتوضيح فسبحان الذي لا ينسى ولا يسهى.

مشاركة الشعانبة بالمنطقة عبر مراحل الثورات والانتفاضات:

لقد كانت للشعانبة أدوارا عديدة ومشاركات هامة و أساسية في تنشيط حركات الثورات الشعبية في مهدها منذ انطلاقتها من طرف الأمير عبد القادر رحمه الله، انتقالا لثورة الزعاطشة بعاصمة الزيبان وثورة واحة العامري للشيخ بوزيان بمشاركة كل من الشيخ محمد بلحاج بن سالم والشيخ علي  بن الريش شيخ زاوية متليلي والشريف محمد بن عبد الله والبطل الثائر الشريف بوشوشة بن التومي بصحراء الجزائر مرورا بورقلة إلى عين صالح، والبطل الناصر بن شهر بالأغواط وضواحيها، ومن أهم المشاركات كانت بداية بأم البطولات المقاومات للأمير مؤسس الدولة الجزائرية وشعلة الثورات ثورة أولاد سيدي الشيخ وقائدها الشيخ بوعمامة وختامها  ثورة التحرير الوطنية الفاتح 01 نوفمبر 1954، دون أن ننسى مشاركتها في الحركات الوطنية المسطرة ضمن أجندة الأحزاب الفاعلة يومها حزب الشعب وانتصار الحريات والتي قدمت قوائم لا تعد ولا تحصى من شهداء ومفقودين ومجاهدين عذبوا ونكل بهم منهم على سبيل المثال، الشهيد رسيوي محمد الشيخ النيمص بوهران الغرب الجزائري، الشهيد معمر بن محمد الرواني بمعركة الشوابير بأفلو بالقعدة جبال لعمور، الشهيد بين يتور الحاج علال الذي ألقي رميا من الطائرة ببشار، الشهيد بن زيطة ميلود بن محمد بتميمون، الشهيد زيدان موسى والصافي جلول بن حمو بجبال بوسعادة ولاية المسيلة والشهيد جديد الساسي بن بن محمد بعين بسام ولاية البويرة و الشهيد الرمز شهيد المقصلة أخر المعدمين سليمان بلمختار، إلخ.

أهم المشاركات والمعارك الضارية بمنطقة متليلي الشعانبة

منذ فجر انطلاق ثورة التحرير في أول نوفمبر 1954 كانت للشعانبة مشاركات فعالة في الهياكل التنظيمية التي سبقت هذه المرحلة وبالضبط في صفوف جيش التحرير لمواجهة مختلف الصعوبات الموضوعية بالمنطقة وتحدياتها ومن بينها ما يلي: مواجهة العدو الفرنسي والتصدي له بكل قوة، التغلب على صعوبات قساوة الطبيعة خاصة ندرة الماء وبعد المسافات ومسالكها الوعرة وأهمها قوة الصبر للتحمل التقلبات الجوية من رياح عاتية وحرارة حارقة عبر الصحاري وفيافيها.

وللتصدي لذلك كان لزاما وضع هيكل تنظيمي للثورة بالمنطقة من طرف القيادة. لٌلإشارة كانت المنطقة متليلي وضواحيها في البداية تابعة للمنطقة التاريخية الأولى سنتي 1956/1957. المنطقة الثالثة إلى غاية بداية سنة 1958، ومنها تم تشكيل هيكلا تنظيميا جديدا للثورة تكون من الناحية 3 الثالثة، المنطقة 3 الثالثة والولاية التاريخية 6 السادسة.

وضمت الناحية الثالثة أربع 04 قسمات تاريخية منها على سبيل المثال القسمة 59 والتي تتضمن بلديات غرداية عاصمة الولاية حاليا – ضاية بن ضحوة – بريان والقرارة. والقسمة 60: والتي تضم بلديات: متليلي الشعانبة – المنيعة – حاسي لفحل – المنصورة – زلفانة – بني يسجن – العطف وبنورة. القسمة 60 التي تضم من بيها هياكلها بلدية متليلي التي أسندت مسؤولياتها إلى المساعد المجاهد الراحل الفقيد قرمة بوجمعة بن الخير رحمه الله التي بموجبها خاض قيادة معركة ساقية موسى بمتليلي.

 تسمية المعركة وموقعها

سميت المعركة بإسم ساقية موسى نسبة للمكان وهو ساقية سيل مياه الأمطار لصاحبها موسى طبقا لتقسيم مياه السيل بالمنطقة وشعابها، ولنا عودة لاحقا للموضوع في أكثر تفاصيل، وقعت بالمنعرج (الفيراج) الثالث، بعد الهبوط من أعلى القعدة بطريق سبسب.

تاريخ المعركة ونوعها

وقعت معركة خلال شهر سبتمبر1959 بساقية موسى والتي كانت أول معركة عسكرية نوعية محليا بمتليلي الشعانبة بعد الهيكلة التنظيمية وتأسيس القسمة 60، وهي نوع من أنواع الكمائن التي تعود مجاهدي جيش التحرير نصبها والتفنن فيها بكل احترافية، كمين نصبته مجموعة من مجاهدي جيش جبهة التحرير تحديدا بالمنعرج الفيراج الثالث كما سلف.

قـيـادة الـمـعـركـة

أسندت قيادة المعركة للمساعدة قرمة بوجمعة بن الخير ومساعده المجاهد بوعامر محمد بن جلول وبن شعاعة قادة بن محمد، بمشاركة كل من المجاهد الشحم محمد بن سالم حفظه الله والمجاهدين الهاشمي الدارم، محمد الرسيوي، الهاشمي لحرش، الطيب الكوطي، قدور بن ثامر، موسى بوجرادة، عبدالقادر دهان، لطيب محجوب رحمهم الله .

أسـبـاب الـمـعـركـة

تعود أسباب المعركة إلى اكتشاف خبر مغادرة دورية من جيش التحرير الوطني التابعة للقسمة 60 المتكونة من حوالي 20 جنديا المتوجهة إلى مدينة سبسب في مهمة جهادية للقيام بأعمال عسكرية، حيث مكثت في أحد المراكز الثورية عند المجاهد أحمد مهاية، قبل أن تعود أدراجها ليلا إلى شعبة واد نشو وتمكث هناك.

وفي مساء اليوم الموالي انسحب الجنود نحو متليلي عبر مدخل ساقية موسى للقيام ببعض الأعمال الثورية بعدما خلفوا 08 ثمانية من رفاقهم المجاهدين بشعبة واد نشو. وعند وصول المجموعة إلى المدخل الجنوبي لمدينة متليلي بأعالي ساقية موسى، أكشف أمرهم من  جنود مركز المراقبة العسكرية المتمركز فوق جبل سيدي مولاي عبد القادر وسط المدينة الكاشف لمداخل ومخارج المدينة وأحيائها بكل دقة، فقام بإخبار الدورية العسكرية التي كانت متمركزة بأسفل الشعاب والتي بدورها قامت بإرسال جنود لتأكد من صحة الخبر، إلا أن دورية الاستطلاع لفرقة المجاهدين المكونة من بن شعاعة قادة بن محمد ومحمد بوعامر قامت باكتشاف تلك التحركات قبل وصول أفراد الجيش الفرنسي إليهم وقاما بتحذير رفاقهم من أجل الانسحاب السريع من المكان، قبل أن يقوم محمد بوعامر بإطلاق النار على أحد الجنود الفرنسيين ممن أكتشف وجودهم وبدأ في تعقبهم فأرداه قتيلا على الفور.

وبقتل الجندي الفرنسي اندلعت المعركة بكل ما أوتيت من قوة، حيث استعملت فيها القوات الفرنسية كل أسلحتها الثقيلة الرشاشة لمصوبة نحو جنود جيش التحرير البواسل، فقامت بتوجيه نيرانها نحو فرقة المجاهدين، وبحنكته وخبرته وفراسته تمكن المجاهد محمد بن جلول بوعامر وبن شعاعة قادة من الانسحاب إلى مكان آخر، فقاما بإطلاق النار على العدو الفرنسي من أجل تسهيل المهمة ليتمكن رفقاء السلاح من الانسحاب بكل أريحية، وهو ما تم بالفعل بعد تبادل كثيف لإطلاق النار دام عدة ساعات حتى ساعات من الليل و حلول الظلام وانتهى في الأخير بانسحاب المجموعة غربا تحت جناح ظلام الليل باتجاه الشعاب القريبة من مدينة سبسب، بينما انسحب كل من المجاهد محمد بن جلول بوعامر وقادة بن شعاعة عبر شعاب أخرى نحو حي شعبة سيد الشيخ، ثم نحو شعاب لعريق بمتليلي وذلك بعدما كبدوا قوات العدو الكثير من الخسائر الفادحة.

1انتقام العدو الفرنسي

وتبعا لنتائج المعركة المشرفة لمجاهدي جيش التحرير وخروجهم سالمين غانمين منها وما نتج عنها، قام جيش العدو الفرنسي بحملة تمشيط وتفتيش واسعة عبر أرجاء مدينة متليلي وحصارها ليوم كامل والتي شملت جل المنازل أملا في العثور على جنود جيش التحرير أو القبض عليهم، إلا أنها تكبدت خسارة فاد وهزيمة نفسية نكراء غير متوقعة وراحت تجر أذيالها والتي لم تفلح في ذلك وانتقاما قامت باعتقال المجاهد المسبل “بن عمرة حيدة” وتعذيبه وإعدامه أمام منزله في مشهد مروع أين فاضت روحه لبارئه رحمة الله وعلى شهدائنا.

نتائج المعركة وخسارة العدو الفرنسي:

تمكن مجاهدي جيش التحرير من إلحاق خسائر فادحة في صفوف العدو الفرنسي بمقتل 13 جندي وجرح العديد من الجرحى.

كانت معركة نوعية بارزة سجلت بأرقام وأحرف من ذهب في السجل الذهبي لجيش التحرير بالمنطقة عامة وللشعانبة خاصة، معركة مشرفة، كانت مفخرة محفزة ومشجعة مكنت جيش التحرير من تفادي خسائر كبيرة وإعادة هيكلة صفوفه من جديد بزرع الثقة ويقين ثابت بمبادئ قضيته العادلة المصرية وخوضه لباقي المعارك بكل طمأنينة لاحترافيته وخبرته التي لا يستهان بها من شجاعة بسالة رحم الله جميع من توفي وحفظ الأحياء.

 

مـلاحـظـة: عضو سابق بالمجلس الوطني للمنظمة الوطنية لأبناء المجاهدين والأمين الولائي للأبحاث والدراسات التاريخية بولاية غرداية سابقا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى