
في ركن “النساء الملهمات” من صفحة المرأة، نلتقي هذه المرة بـ “إكرام”، الأستاذة الشابة التي استطاعت أن تجمع بين التعليم، الشعر وصناعة المحتوى، دون أن تخسر بهجة الروح أو وضوح الرؤية. في هذا الحوار الخاص، تكشف إكرام عن بداية شغفها، صعوبات مسيرتها، فلسفتها في العمل، ورسالتها لكل فتاة جزائرية تسعى لتحقيق ذاتها.
ـ من هي “إكرام”؟
“إكرام” هي أستاذة لغة إنجليزية، شاعرة، صانعة محتوى، مدافعة عن الثقافة والسياحة المحلية، وتطمح إلى ترك بصمتها في مجالات متعددة، بروح مرحة وشغف لا ينطفئ.
ـ حدّثينا عن بداية رحلتك مع اللغة الإنجليزية، متى بدأ شغفك بها؟
بدأت رحلتي مع اللغة الإنجليزية في سن مبكرة جدًا، حين كنتُ أشاهد الأفلام مع والدتي التي تعشق السينما الهوليوودية. دون أن أشعر، وجدت نفسي أتعلم اللغة من خلال المشاهدة والاستماع، حتى أصبحت طليقة فيها في سن العاشرة، إلى جانب إتقاني للفرنسية والعربية.
هذا الشغف لم يكن مجرد اهتمام لغوي، بل أصبح بوابتي لفهم العالم والانفتاح على ثقافات مختلفة، وهو ما قادني لاحقًا إلى اختيار تخصص ESP والعمل في مجالات ترتبط باللغة والتعليم والسياحة والثقافة.
ـ هل واجهتِ صعوبات خلال مسارك الجامعي، خاصة كمدرسة وطالبة في نفس الوقت؟
نعم، التوفيق بين التدريس والدراسة العليا لم يكن سهلاً. في كثير من الأحيان، كان عليّ أن أدرّس صباحا وأذهب إلى الجامعة مساء، ثم أعدّ دروسا وأكتب بحوثا في وقت متأخر من الليل.
ولكن تلك الصعوبات صنعت مني شخصية منضبطة وقوية، قادرة على إدارة وقتها وتحقيق أهدافها رغم كل التحديات. لقد تعلمت أن الشغف بما أفعله هو الطاقة التي تدفعني للاستمرار.
ـ أنتِ تمارسين مهامًا عديدة إلى جانب التدريس، هل يمكن أن تطلعينا على هذه التجارب المتنوعة؟
إلى جانب كوني أستاذة، أنا أيضًا صانعة محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي،حيث أشارك فيديوهات سينمائية تُظهر جمال مدينة وهران، وتُشجع على السياحة الداخلية والتعرف على الموروث الثقافي الجزائري.
كما أشارك تجاربي في المطاعم المحلية من خلال تصوير الأطباق، وتقديم تقييمات صادقة للأماكن، مما خلق تفاعلًا رائعًا مع المتابعين.
وأنا أيضًا شاعرة أكتب بالعامية الجزائرية، وأطمح إلى إصدار ديوان شعري قريبًا. هذه المشاريع الإبداعية ليست مجرد هوايات، بل تعكس هويتي وارتباطي العميق بوطني وثقافتي.
ـ إلى أي مدى يمكن للفضاء الرقمي أن يكون منصة إيجابية لتمكين المرأة الجزائرية؟
الفضاء الرقمي هو مساحة ذهبية للمرأة الجزائرية، خاصة إذا استُخدم بشكل ذكي. يمكنه أن يكون منبرًا للحرية، للتعبير عن الذات، ومصدرًا للفرص المهنية والإبداعية.
رأيت بنفسي كيف ساعدتني المنصات الرقمية في إيصال صوتي، الترويج لأفكاري، والتواصل مع نساء ملهمات من مختلف أنحاء البلاد.الإنترنت، حين يُستخدم بشكل واعٍ، يُلغي الحدود ويُطلق العنان للطموحات.
ـ هل تلقيتِ يومًا رسائل أو مواقف سلبية بسبب نشاطك؟ وكيف تعاملتِ معها؟
نعم، كما يحدث لكل من يختار الظهور والمشاركة. وصلتني تعليقات سلبية أو استهزاء من أشخاص لا يفهمون رسالتي، لكنني تعلمت ألّا أعطي السلبية أكثر من حجمها.
أردّ عليها بالتجاهل أو بالإبداع، لأنني أؤمن أن النور لا ينطفئ بكلام الناس.الدعم الذي أتلقاه من صديقاتي، طلابي ومتابعيني أكبر من أي محاولة لتقزيمي.
ـ كيف تنجحين في التوفيق بين مسؤولياتك المهنية ومشاريعك الشخصية؟
أعتقد أن سرّ التوازن يكمن في التنظيم والدعم العاطفي، أُخصص لكل مشروع وقته المناسب، وأحيط نفسي بأشخاص إيجابيين يدفعونني للأمام.
صديقاتي المقرّبات هنَّ مصدر إلهامي الدائم، وأعتبرهنّ شريكات في كل إنجاز أحققه. كما أن طلابي، الحاليين والسابقين، يُلهمونني كل يوم. كل رسالة دعم، كل تقدم أراه فيهم، هو دافع إضافي يجعلني أؤمن أن ما أفعله له قيمة حقيقية.
ـ ما أبرز التحديات التي واجهتكِ أثناء انتقالك من مقاعد الدراسة إلى سوق العمل؟ وهل ترين أن التعدد المهني ضرورة اقتصادية أم خيار لتحقيق الذات؟
أبرز التحديات كانت في إثبات الذات كامرأة شابة وسط مجال يتطلب خبرة وثقة، كان عليّ أن أثبت جدارتي من خلال العمل الجاد والمستمر.
أما التعدد المهني، فأراه خيارًا ضروريًا ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل لتحقيق الذات وتوسيع الأفق. أؤمن أن الإنسان لا يجب أن يُحصر في قالب واحد، بل أن يعيش تجاربه بالكامل، وأن يزرع بذور أحلامه في أكثر من حقل.
ـ لكِ حضور لافت على مواقع التواصل الاجتماعي، ما الرسالة التي تحاولين إيصالها من خلاله؟
رسالتي بسيطة لكنها عميقة: الجزائر جميلة، ثقافيًا وطبيعيًا، وتستحق أن تُروى قصصها من منظور محلي أصيل. أريد أن يرى الناس وهران كما أراها أنا، مدينة تنبض بالحياة، غنية بالمطاعم، الأماكن الفنية والناس الطيبين.كما أهدف إلى إلهام الشابات الجزائريات ليُظهرن مواهبهن ويشاركن تجاربهن بشجاعة، دون خوف من الأحكام.
ـ كأستاذة شابة، ما التحديات التي تواجهينها في كسر الصورة النمطية عن المرأة المعلمة؟
من أكبر التحديات هو التصور التقليدي الذي يختزل المرأة المعلّمة في شخصية صارمة أو محدودة الطموح. أحاول كسر هذه الصورة من خلال طريقة تدريسي، القريبة من الطلبة، المتفاعلة والمليئة بالحياة.
أشجع طلابي على التفكير، التعبير والإبداع، وأُظهر لهم أن التعليم يمكن أن يكون تجربة ملهمة وليست مجرد نقل معلومات.
ـ من خلال تجربتك، ما الذي ترغبين في تغييره في طريقة التعليم في الجزائر؟
أرغب في تغيير الطريقة التقليدية التي تُعامل بها اللغة الإنجليزية في المدارس، والتي تفتقر غالبًا إلى التطبيق الواقعي. التعليم يجب أن يكون حيًا، مرتبطًا بحياة الطلاب، وليس مجرد قواعد محفوظة.
أطمح إلى إنشاء مدرسة خاصة لتعليم الإنجليزية بطريقة مختلفة تمامًا، موجهة خصيصًا للشركات الجزائرية (ESP)، تُركّز على التواصل، السيناريوهات الحقيقية، التدريب المهني وتقديم برامج لتحسين مستواهم في التواصل العالمي.
ـ هل تؤمنين أن تعلم الإنجليزية ضرورة أم خيار ثقافي؟
أؤمن أنها ضرورة ثقافية واقتصادية. فالإنجليزية ليست فقط لغة تواصل، بل جسر للوصول إلى المعارف، الوظائف والسفر. في عالم اليوم، من لا يتقن الإنجليزية، يُغلق على نفسه أبوابًا كثيرة.
ولكن أيضًا، هي خيار ثقافي لأنها تُعلّمنا كيف نفهم الآخر ونبني علاقات عابرة للحدود.
ـ أين ترين نفسك بعد خمس سنوات؟ وما هي مشاريعك المستقبلية؟
بعد خمس سنوات، أرى نفسي صاحبة مدرسة مبتكرة لتعليم الإنجليزية، ومؤسسة لأكاديمية تدريب مهني موجهة للشركات (ESP).كما أطمح إلى إصدار أول ديوان شعري باللهجة الجزائرية، يجمع قصائدي التي تعكس الحب، الحرية، والصداقة.
أريد أن أكون صوتًا جديدًا في الأدب الشعبي، وأمثل جيلي بلغته وقضاياه. وأطمع أيضًا لتوسيع نشاطي في الإعلام الثقافي والسياحي.
ـ ما هي الكلمة التي تقولينها لكل فتاة جزائرية تتردد في متابعة شغفها؟
أقول لها: لا تنتظري الإذن، ولا تتوقفي بسبب الخوف أو الشك. أنتِ كافية، وأحلامكِ ليست كبيرة عليكِ. الطريق قد يكون صعبًا، لكنكِ قادرة على خلق مساحتكِ الخاصة، على طريقتكِ.وحين تتعثرين، تذكّري أن كل امرأة ناجحة مرت باللحظة نفسها… لكنها نهضت.
ـ أخيرًا، ما العبارة التي تختزل فلسفتكِ الشخصية في الحياة والعمل؟
عِشن بشغف، شاركن النور ولا تخشين أن تكنّ أكثر من وجه واحد.
أنا معلّمة، شاعرة، صانعة محتوى، أخت، صديقة، وطالبة في مدرسة الحياة.أؤمن أن التعدد ليس فوضى، بل غنى… وأن كل تجربة نخوضها، تضيف لنا لونًا جديدًا في لوحة الحياة .
حاورتها : ياقوت زهرة القدس بن عبد الله