
- اقتراح مشروع نظام ذكي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لفرز النفايات
- طلبة جامعة وهران يقدمون مشروع يعتمد على الرقمنة لتتبع عمليات إعادة التدوير
أسدل الستار مساء السبت 03 ماي 2025، على فعاليات الطبعة الثانية من “هاكاثون وهران” وسط أجواء احتفالية طغت عليها روح الفخر والإنجاز، وبعد 56 ساعة من التحدي المتواصل، اجتمع الطلبة والمنظمون ولجنة التحكيم لإعلان المشاريع المتوجة، وتكريم الفرق التي أبدعت في تقديم حلول رقمية مبتكرة تخدم البيئة وتُعزز مفاهيم الاستدامة.
وقد أشاد الحاضرون بالتنظيم المحكم، وبالجهود الجبارة التي بذلها نادي “ماستر مايند”، مؤكدين أن هذه التظاهرة باتت موعدًا سنويًا يُنتظر لما تحمله من طموح طلابي ورؤية مستقبلية ترتكز على اقتصاد المعرفة.
جامعة وهران تحتضن التحدي
احتضنت المكتبة المركزية لجامعة “وهران 2 محمد بن احمد” فعاليات الهاكاثون ابتداء من الخميس 01 ماي، بحضور مدير الجامعة، ممثلين عن الديوان الوطني للخدمات الجامعية، أساتذة جامعيين، خبراء في التكنولوجيا والبيئة، إضافة إلى وفود طلابية قدمت من مختلف ولايات الوطن، من بينها سطيف، سوق أهراس، بومرداس، غرداية، الجزائر العاصمة وسكيكدة.
وقد ألقى مدير الجامعة كلمة ترحيبية عبّر فيها عن اعتزازه باحتضان المؤسسة لهذه التظاهرة العلمية، مؤكدا أن الطلبة المشاركين يجسدون فعليا توجه الدولة نحو اقتصاد المعرفة، وأن الجامعة الجزائرية أصبحت فاعلا حقيقيا في بناء المستقبل. وقال في كلمته: “التواصل بين الطلبة والجامعة أصبح حقيقة بفعل الرقمنة، من أجل جزائر قوية، موحدة ومنتصرة لأنكم أنتم يا طلبة، أنتم المستقبل”.
جاء شعار الطبعة الثانية من الهاكاثون واضحا في رسالته العميقة: “البيئة والاستدامة ببرمجة عالم مصمم ليدوم”، وقد عملت الفرق الطلابية، المكونة من عشرين فريقا، على مدار ثلاثة أيام متواصلة، على ابتكار حلول رقمية تهدف إلى تحسين الواقع البيئي ومعالجة مشكلاته، وذلك باستعمال أدوات البرمجة، الذكاء الاصطناعي، التحليل الرقمي، وتقنيات التواصل الرقمي.
إبداع طلابي ورؤية استشرافية
لم يكن الهاكاثون مجرد مسابقة، بل كان فضاء خصبا لبناء الأفكار وتبادل المعارف، حيث شارك في الفعالية طلبة من تخصصات متعددة: الإعلام الآلي، علوم البيئة، الاتصال، الهندسة، الاقتصاد وغيرها، مما خلق ثراءً معرفيًا وتكاملاً في الرؤى. وقد انعكست هذه الديناميكية في المشاريع المطروحة، التي تميزت بإمكانية تطبيقها من جهة، وبقلة تكلفتها من جهة أخرى، ما يعزز فرص احتضانها من قبل مؤسسات حكومية أو خاصة.
ومن بين المشاريع التي لاقت اهتمامًا واسعًا، مشروع فريق جامعة سعيدة، الذي اقترح نظامًا ذكيًا يعتمد على الذكاء الاصطناعي لفرز النفايات، يعمل هذا النظام من خلال آلة قادرة على التعرف على نوعية المواد التي تدخل إليها، وتصنيفها حسب قابليتها لإعادة التدوير، كما يستطيع النظام التمييز بين المواد التي سبق معالجتها وتلك التي لم تُستغل بعد. وقد أظهر الفريق تكاملًا بين التكوين الأكاديمي والتفكير العملي، مما جعله من بين أبرز المرشحين للفوز.
أما طلبة جامعة وهران، فقد برزوا بمشروع متكامل يعتمد على الرقمنة لتتبع عمليات إعادة التدوير، حيث اقترحوا تطبيقًا يتيح للمواطنين والبلديات تقديم بيانات آنية حول جمع ومعالجة النفايات، مع إمكانية توليد إحصائيات دقيقة تفيد في تحسين السياسات البيئية المحلية، كما أشار الفريق إلى إمكانيات تحقيق أرباح مالية من خلال إعادة التدوير، مؤكدين أن “النفايات قد تتحول إلى فرص ربح يومي”.
في المقابل، تميز فريق جامعة سطيف بفكرة إنشاء منصة رقمية تتيح للمواطنين التبليغ الفوري عن المشكلات البيئية التي تصادفهم في محيطهم، سواء تعلق الأمر بتسربات المياه، تكدس النفايات، أو التعديات على المساحات الخضراء، تهدف المنصة إلى تفعيل المشاركة المجتمعية وربط المواطن بالإدارة البيئية بطريقة تفاعلية ومباشرة.
تنظيم مثالي رغم التحديات
رئيسة نادي ماستر مايند، الطالبة “محيوز حبيب”ة، أعربت عن فخرها العميق بنجاح هذه الطبعة، مؤكدة أن التحضير لها استغرق أكثر من ثلاثة أشهر من العمل المتواصل، وقالت في تصريحها: “أردنا أن نضع الطالب أمام تحدٍّ حقيقي، فكانت فكرة الهاكاثون هي النموذج الأنسب، رغم الصعوبات التي واجهتنا في التنظيم، من توفير الأكل والنقل إلى تسهيل المبيت والراحة، استطعنا تجاوز كل العوائق بفضل روح الفريق والعمل الجماعي”.
من التحضير إلى التتويج
لم يكن الوصول إلى هذه النتيجة بالأمر السهل، فقد انطلق التخطيط للهاكاثون قبل أكثر من خمسة أشهر، كما صرح بذلك “نور الدين بومعزة”، المدير الفرعي للأنشطة الثقافية والرياضية بالجامعة، وأكد أن الجامعة وفرت البنية التحتية اللازمة، من قاعات العمل، الإنترنت، فضاءات الإيواء والخدمات الجامعية، في حين عمل النادي على استقطاب الدعم من بعض الشركات الخاصة التي ساهمت في توفير الجوائز واللوازم التقنية. وأضاف بومعزة: “نحن نؤمن بإمكانات الطلبة ونسعى دائمًا إلى دعمهم مادياً ومعنوياً لتحقيق مشاريعهم وأحلامهم العلمية”.
الهاكاثون: ورشة تعليمية متقدمة
وصفت مسؤولة الإعلام في النادي، الطالبة “لبنى”، التجربة بأنها كانت بمثابة ورشة تعليمية مكثفة، حيث تعلم المشاركون كيفية إدارة الوقت، تقسيم المهام، العمل تحت الضغط، وتحقيق الأهداف ضمن زمن ضيق، وقالت: “واجهنا تحديات تنظيمية في البداية، خاصة في ما يخص الجانب الورقي وتحديد المواعيد، لكنها كانت دروسًا عملية خرجنا منها أكثر نضجًا واستعدادًا لمسؤوليات الحياة المهنية”، حيث حرص المنظمون على توفير بيئة داعمة للمشاريع من خلال تنظيم ورشات تكوينية في البرمجة، تصميم النماذج، إدارة المشاريع، والبيئة، أطرها أساتذة مختصون ومهنيون متمرسون. كما أتيحت للمشاركين فرص التواصل المباشر مع مؤطرين للإجابة عن تساؤلاتهم وتوجيههم ميدانيًا.
تكوّنت لجنة التحكيم من نخبة من الأساتذة الجامعيين والخبراء في مجالي البيئة والتكنولوجيا، واعتمدت في تقييمها على مقاييس دقيقة شملت قابلية المشروع للتطبيق، الإبداع، الأثر البيئي، والتنظيم الداخلي للفريق. وقد شهدت جلسة التحكيم الختامية نقاشات عميقة بين اللجنة والمشاركين، ما أضفى على الحدث طابعًا علميًا رفيعًا.
نحو استدامة الأفكار وتطبيقها ميدانيا
رغم انتهاء الفعالية رسميًا، إلا أن طموح المنظمين والمشاركين لا يقف عند حدود المسابقة، فقد عبّر العديد من الطلبة عن أملهم في أن تتبنى مؤسسات جامعية أو شركات ناشئة المشاريع الفائزة وتوفر لها الحاضنة الضرورية للتحول إلى حلول واقعية، وقالت الطالبة “محيوز حبيبة”: “نطمح لأن يرى أحد هذه المشاريع النور ويُحدث أثرًا حقيقيًا في محيطنا البيئي”.
رسالة أخيرة: الطالب صانع التغيير
في زمن تتكاثف فيه الأزمات البيئية وتشتد الحاجة إلى حلول مبتكرة ومستدامة، يأتي “هاكاثون وهران” ليؤكد أن الطالب الجامعي ليس متلقيًا سلبيًا بل فاعلًا أساسيًا في بناء الحل، فبين شيفرات البرمجة وتحليل البيانات، وبين التحديات الواقعية والأفكار الجريئة، ظهرت ملامح جيل جديد واعٍ بمسؤولياته، قادر على إحداث الفرق، رسالة هذا الحدث واضحة: المعرفة لم تعد ترفًا، بل هي أداة في خدمة الأرض، ومفتاح لعالم أكثر استدامة.
وهكذا طويت صفحة الطبعة الثانية لهاكاثون وهران والتي كانت ناجحة بكل المقاييس، على أمل أن يحمل المستقبل المزيد من الإبداع والمسؤولية، وأن تظل جامعاتنا فضاءً حيا.