
تم الكشف عن خطة طموحة تهدف إلى نقل مراكز المعالجة الرقمية العملاقة إلى مدار الأرض من قبل رجل الأعمال جيف بيزوس في محاولة لتخفيف الأعباء البيئية المتزايدة التي تسببها التقنيات الذكية.جاء الإعلان عن هذه المبادرة خلال مشاركته في فعاليات أسبوع التكنولوجيا المنعقد في إيطاليا حيث أكد أن البنى التحتية الفضائية يمكن أن تسهم بشكل كبير في خفض معدلات التلوث الناجم عن الاستهلاك المتصاعد للطاقة والمياه على سطح الكوكب.
تشهد الأنظمة الذكية تطوراً غير مسبوقاً فيما تستمر التكاليف البيئية المرتبطة بها في الارتفاع بشكل ملحوظ.تعتمد البنى التحتية الحوسبية السحابية التي تدعم كل شيء من أنظمة اللغة الضخمة إلى معالجة الفيديو الآلية على مراكز معالجة هائلة تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء وموارد المياه العذبة.أثارت هذه القضية اهتماماً متزايداً من قبل العلماء وصناع القرار وقادة قطاع التكنولوجيا الذين يسارعون للبحث عن حلول بديلة.أصبحت هذه المراكز محور نقاش بيئي حاد مع تزايد التدقيق في الطلب المتصاعد على الموارد الطبيعية.
الأبعاد الحقيقية للاستهلاك
وفقاً لأحدث التقارير الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية فقد بلغ الاستهلاك العالمي للكهرباء في مراكز المعالجة الرقمية أربعمائة وخمسة عشر تيراواط ساعي خلال العام الماضي.تمثل هذه الأرقام زيادة سنوية ثابتة بنسبة اثنتي عشرة بالمائة منذ عام ألفين وسبعة عشر وهو ما يعادل استهلاك ملايين المنازل.يستهلك القطاع في الوقت نفسه حوالي خمسمائة وستين مليار لتر من المياه العذبة سنوياً لأغراض التبريد مع توقعات بتضاعف هذا الرقم أكثر من مرة بحلول عام ألفين وثلاثين.
يعكس حجم العمليات التشغيلية الطلب المتسارع لتطوير الأنظمة الذكية حيث تتطلب النماذج المتطورة أجهزة متقدمة ومساحات تخزين هائلة واستمرارية تشغيل شبه دائمة مما يدفع المراكز للعمل بشكل شبه مستمر.تشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن مسار النمو حاد ومرتبط ارتباطاً وثيقاً بتوسع تطبيقات الأنظمة الذكية التوليدية.
المميزات المدارية الطبيعية
خلال كلمته الرئيسية في أسبوع التكنولوجيا الإيطالي قدم جيف بيزوس تصوره لبناء مراكز معالجة رقمية عملاقة في الفضاء خلال العقدين المقبلين.تعتمد رؤيته على المزايا الطبيعية للبيئة المدارية التي توفر طاقة شمسية مستمرة ودرجات حرارة منخفضة طبيعياً وغياب العوامل الجوية المزعجة.
قال بيزوس للحضور إن الفضاء سيصبح أحد الأماكن التي تساعد الأرض مشيراً إلى أن أقمار الطقس والاتصالات تظهر بالفعل الفوائد العملية للبنى التحتية الفضائية.أضاف أن الطاقة الشمسية المتاحة بشكل دائم في الفضاء قد تجعل مراكز المعالجة المدارية أكثر كفاءة من حيث التكلفة مقارنة بنظيراتها الأرضية.
التأثير البيئي للتقنيات الذكية .. البدايات العملية
بدأت الخطوات التنفيذية الأولى لتحقيق هذه الرؤية تأخذ شكلها العملي على أرض الواقع.ففي شهر مارس الماضي أطلقت شركة متخصصة من ولاية فلوريدا مركز معالجة مصغر بحجم الكتاب إلى القمر عبر حمولة تجريبية حملها مسبار قمري وأطلق عبر صاروخ فضائي.
هدفت المهمة إلى تقييم كيفية عمل البنى التحتية الصغيرة للبيانات في الفضاء مع التركيز على الأداء والمتانة في الظروف القمرية.ورغم أن نشر مراكز المعالجة واسعة النطاق يبقى هدفاً طويل الأجل فإن خطة بيزوس تعكس تحولاً أوسع في القطاع.
أصبحت مراكز البيانات التي كانت تعتبر سابقاً أصولاً حصرية على الأرض محوراً لاستراتيجية صناعية خارج الكوكب مدفوعة ليس بخيال علمي بل بالحاجة الملحة لتقليل التكاليف البيئية للتقنيات الذكية على كوكب الأرض.تشكل هذه المبادرة جزءاً من جهود أوسع يبذلها رواد التكنولوجيا لمواجهة التحديات البيئية المصاحبة للثورة الرقمية الحالية.
تمثل قضية الاستهلاك المتزايد للطاقة والمياه في تشغيل الأنظمة الذكية تحدياً بيئياً حقيقياً يتطلب حلولاً غير تقليدية.تأتي خطة الانتقال إلى الفضاء كأحد الحلول المطروحة التي قد تساهم في تحقيق التوازن بين التطور التكنولوجي والحفاظ على الموارد الطبيعية.
بن عبد الله ياقوت زهرة القدس