تكنولوجيا

من أداة رقمية إلى شاهد إلكتروني.. التحول الغريب لتطبيقات المحادثة الذكية

لم تعد برامج المحادقة المدعومة بالذكاء الاصطناعي مجرد أدوات مساعدة في المجالات التعليمية أو المهنية أو الإبداعية، بل أصبحت تدخل بشكل متزايد في عالم الجرائم الإلكترونية والجنائية، حيث تتحول هذه التطبيقات من محرض غير مباشر إلى دليل رقمي تستعين به الجهات الأمنية للكشف عن الجناة وتحديد مسؤولياتهم. وتظهر حوادث حقيقية كيف يمكن لهذه التقنيات أن تلعب دورا مزدوجا في التحريض من ناحية والإثبات من ناحية أخرى.

 

تعلم مراهق في الـ13 من عمره في إحدى مدن ولاية فلوريدا درساً قاسياً حول مخاطر الخصوصية عند استخدام تطبيق تشات جي بي تي . وذلك بعد أن أوقفته الجهات الأمنية لقيامه بتوجيه سؤال إلى التطبيق حول طريقة قتل أحد أصدقائه. وكان المراهق قد استخدم جهاز حاسوب محمول وفرته المدرسة يحتوي على برنامج مراقبة إلكتروني، حيث رصد النظام الاستفسار بشكل فوري وأبلغ الجهات المعنية التي سارعت إلى مكانه واعتقلته خلال ساعات قليلة.

 

الوهم الخطير للخصوصية الرقمية

يخلق الأسلوب الودود الذي تتبعه برامج المحادثة الذكية شعورا زائفابالأمان لدى المستخدمين، مما يدفعهم للتعامل معها كما لو كانت أصدقاء مقربين أو مستشارين موثوقين. حيث تقدم هذه التطبيقات إجاباتها بنبرة دافئة وتظهر تفهماً واهتماماً، لكنها في الحقيقة ليست سوى برامج حاسوبية معقدة. فهي ليست أطباء نفسيين ملتزمين بالسرية المهنية، ولا أصدقاء يحافظون على الأسرار، بل مجرد آلات إلكترونية تقوم بمعالجة البيانات المدخلة. وفي كثير من الأحيان يتم تسجيل تلك المحادثات ومراقبتها أو الإبلاغ عنها للجهات المختصة.

ورغم أن الحادثة السابقة تم كشفها عبر نظام مراقبة مدرسي، فإن المخاوف المتعلقة بخصوصية استخدام هذه التطبيقات تتجاوز بكثير نطاق البيئة التعليمية. حيث يمكن للشركات والمؤسسات مراقبة استخدام موظفيها لهذه الأدوات الذكية، كما يمكن لأولياء الأمور الاطلاع على سجلات محادثات أبنائهم. بالإضافة إلى ذلك فإن أجهزة إنفاذ القانون يمكنها طلب الوصول إلى هذه البيانات عند الضرورة. وهكذا تخلق واجهة المحادثة الودية وهم الخصوصية الذي لا وجود له في الواقع.

 

من أدلة التحقيق إلى إثبات التهم

في حادثة أخرى، أعلنت الجهات العدلية الأمريكية عن توقيف رجل من ولاية فلوريدا متهم بإشعال الحريق الهائل الذي دمر مساحات شاسعة من مناطق في ولاية كاليفورنيا في بداية العام الجاري. وأسفر هذا الحادث عن مقتل 12شخصاً وتدمير آلاف المنازل. والمثير للاهتمام في هذه القضية أن تطبيق محادثة ذكي لعب دوراً أساسياً في التحقيقات، حيث كشفت الوثائق الرسمية أن المتهم استخدم التطبيق لطرح سؤال مباشر حول مسؤوليته في حال اندلاع حريق بسبب سيجارته.

ولم يكن رد التطبيق هو الدليل الوحيد، بل احتوت الأجهزة الإلكترونية التي صادرتها السلطات من المتهم على صورة أنشأها باستخدام التطبيق الذكي تظهر غابة مشتعلة وناس يفرون من النيران، حيث أنشأ هذه الصورة قبل أشهر من وقوع الحريق الفعلي.

وأظهرت الأوراق القضائية أن المتهم استخدم التطبيق لتخيل مشاهد الحريق، وقد ساعدت هذه البيانات الرقمية المحققين في إثبات صلته المباشرة بالواقعة. ويواجه المتهم الآن تهمة تدمير الممتلكات عن طريق الحرق، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الاتحادي بالسجن لمدة قد تصل إلى 20 عاماً.

 

الفجوة بين التوقع والواقع

على الرغم من الاختلاف الواضح بين الحادثتين، إلا أنهما تكشفان معاً عن اتجاه جديد في العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والجريمة. ففي الحادثة الأولى كان التطبيق الذكي أداة استخدمت في سياق تهديدي، بينما في الحادثة الثانية تحول إلى جزء من أدلة الإدانة ذاتها. وأكد المختصون أن الخطر الحقيقي لا يكمن في التكنولوجيا بحد ذاتها، بل في طريقة استخدامها وسوء فهم المستخدمين لحدودها وإمكاناتها.

فالتفاعل مع التطبيقات الذكية لا يعتبر محادثة خاصة بأي حال من الأحوال، بل هو نشاط رقمي يتم تسجيله وتخزينه ويمكن الرجوع إليه عند الحاجة القانونية. ومع تزايد اعتماد الأفراد على هذه التطبيقات في مختلف جوانب حياتهم اليومية، يرى المحللون أن الحاجة أصبحت ملحة لوضع أطر قانونية واضحة تنظم استخدام هذه الأدوات. كما يجب حماية المستخدمين من عواقب سوء الاستخدام أو التورط في جرائم رقمية دون قصد.

ياقوت زهرة القدس بن عبد الله 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى