
حاورتها: ميمي قولان
تسعى الجزائر لتكون من الدول المتطورة لاسيما في المجال التعليمي الذي يعد قاعدة انطلاقة نحو بناء دولة قوية، عبر توفير كل الظروف والإمكانيات التي تسمح بتحضير أجيال تدرس وفق مناهج متطورة، لاسيما استغلال التكنولوجيا الرقمية، لأن عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي لا يسمح لمن لا يجيد السير وفق قواعده بالبقاء بين الأمم المتقدمة.
وفي هذا الإطار، عبرت “منيرة عبد الرحمن” وهي معلمة تكنولوجيا وإعلام آلي ومدربة، عن موقفها من دور التكنولوجيا الرقمية في التدريس، في دردشة لها مع مجلة “منهجيات” الإلكترونية المهتمة بالتعليم في العالم العربي، هذه فحواها:
لو كنت طالبةً اليوم، كيف سيكون شكل التعليم الأحبّ بالنسبةِ إليك؟
يكون التعليم 30 بالمائة نظريا، و70 بالمائة تطبيقيا يعتمد البحث وإدارة مشاريع فرديّة أو جماعيّة، لاكتساب الكثير من المعارف. فيكون هناك نقاش بين الطلّاب؛ ممّا يعزِّز الانفتاح العقليّ.
إلى أي مدى يمكن التوفيق بين تعليم المهارات الاجتماعيّة وتعليم المعارف العلميّة وفق البرامج التعليميّة الحديثة؟
إلى حدّ بعيد؛ فإذا كانت المناهج تعتمد الاثنين في آن واحد، أي إذا كانت المناهج التربويّة تحتوي على مهارات اجتماعيّة تُكتـسَـب بالتعليم، فسيستفيد الطالب من كليهما.
كيف تحدّدين أهمّيّة دورك، معلّمةً، أمام ما يشهده عصرنا من ثورة الذكاء الاصطناعيّ؟
مواكبة العصر بما فيه من تطوّرات علميّة وتكنولوجيّة، ولا سيّما الذكاء الاصطناعيّ الذي يخدم بدوره الطالب بشكل فعّال ومفيد، والثناء على المكتسبات العميقة والقديمة كلّها، والتي لا نستطيع الاستغناء عنها، والتي طالما خدمت الطالب مسبقًا – طالب اليوم معلّم الغد – قبل ظهور الذكاء الاصطناعيّ (AI).
متى يكون الإشراف التربويّ مفيدًا للممارسة التعليميّة؟
عندما يكون هدفه الوحيد تطوير المنهاج التعليميّ ومساعدة المعلّمين على تطوير مهاراتهم وقدراتهم، لأداء أفضل وبلوغ الأهداف التربويّة المنشودة.
ما الأساليب الناجعة، في نظرك، لحلّ النزاعات بين الطلّاب داخل غرفة الصفّ؟ وما الأطراف التي ينبغي أن تشارك في هذه العمليّة؟
يعمل المعلّمون والإداريّون وأولياء الأمور على الأساليب الناجعة على مدى السنوات الدراسيّة، لتفادي الكثير من الاصطدامات التي تكون في الصفّ. علينا إدراج العمل الجماعيّ لخلق روح التعاون والتآزر والحدّ من الخلافات، فضلًا عن تعزيز العمل التنافسيّ لوضع الطالب في حالة دائمة من البحث والتفكير، وجعله يتقبّل التفوّق والتميّز عن غيره. كما يتقبّل، من ناحية أخرى، عدم تفوّقه، فهو يبحث ليتميّز. كما يجب أن يكون الصفّ نشطًا وحيويًّا لا يجد الطالب فيه وقتًا للنزاع مع صديقه، بالإضافة إلى ضرورة معرفة الحقوق والواجبات في الصفّ، بوضع ميثاق الصفّ، ومن يخالف يُجازى ومن يبادر بالعمل الجيّد يُكافَأ.
هل استخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس إيجابيّ دائمًا؟ وما حدود استخدامها؟
لا يعدّ استخدام الأدوات التكنولوجيّة إيجابيًّا دائمًا، كما أنّنا لا نستطيع الاستغناء عنها كليًّا، فهي تعزِّز المعارف والمكتسبات بطريقة سريعة ويسيرة؛ ممّا يخلق جوًّا مريحًا في اكتساب المعلومات، لكن سرعان ما تنشأ الاعتماديّة الزائدة، فيصبح المعلّم والطالب يعتمدان بالدرجة الأولى على الوسائل التكنولوجيّة دون غيرها من الطرق البيداغوجيّة. فإذا قلَّت أو انعدمت، فالبديل يكون صعبًا. لذلك، لاستعمالها حدود لا تتعدّى حدود القلم والورقة، فلكل دوره في اكتساب المعارف واستغلالها؛ فلا إفراط ولا تفريط.
هل يشكل تدخل الأهل مصدر دعم دائمًا في تعلم ابنهم؟ وكيف؟ وهل هناك توقيت مناسب لهذا التدخل؟
في نظري، نعم، تدخل الأهل مصدر داعم في تعلّم أبنائهم، لكن إذا كان في نطاق منظّم، أي لا يتعدّى الأهل الحدود المدروسة في المرافقة الدراسيّة لأولادهم، بحيث يتركون مسافة التعلّم و اكتساب المهارات لأبنائهم. فالمراقبة والإرشاد والمساعدة تكون عند الحاجة، بتوفير المكان والزمان والحاجيّات التي تساند الطالب وتساعده على التميّز وإخراج أفضل ما فيه. فالبيئة الداعمة ثمارها طازجة وناضجة.
هل تجدين أنّه قد آن الأوان للتخلّي عن الكتاب المدرسي بشكل كامل؟ لماذا؟
لا أجد أنه من المستحسن التخلي عن الكتاب المدرسيّ تخلّيًا كاملًا أبدًا، لأنّه أحد أهمّ الوسائل الرئيسة في التدريس. فهو يُعرَف بالمعلّم الصامت، إذ يرجع إليه الطالب في كلّ مرّة، للمراجعة أو حلّ تمارين، وحتّى في بعض الأحيان للمطالعة، ككتب الأدب العربي، فالكتاب المدرسيّ صديق الطالب الوفي الذي يحتوي على المادّة العلميّة التي يحتاج إليها في كلّ مادّة.
كم يجب أن تكون مدة الدوام المدرسي اليومي برأيك؟
يحتاج التدريس ذاكرة فتية تحتاج بدورها إلى مواد كيميائيّة- هرمونات تفرز عند النوم الجيّد- طوال اليوم، لتقدِّم أفضل ما لديها من قدرات على اكتساب المعلومات، وتنقص هذه الهرمونات تدريجيًّا خلال ساعات اليوم. لذلك، من الأفضل أن يكون التدريس في الفترة الصباحيّة، حيث تكون الهرمونات في أعلى قيمتها، ويجب أن تتراوح مدّة التدريس من 05 إلى 06 ساعات فقط في اليوم، هذا من الجانب الصحّيّ والعلميّ. أمّا من الجانب التربوي، فيكون في أعلى قيمته وأحسن مردوديته لأنّ الطالب يتمتّع بنشاطه وقدرته على الاستيعاب، وأما الجانب الشخصيّ، فيتسنّى للطالب الوقت لممارسة حياته الاجتماعيّة.
صِفي لنا تجربتك في التعليم مُستخدمة عنوان رواية من الأدب العربي أو العالميّ، وأخبرينا عن السبب وراء اختيار هذه الرواية.
إذا لم تكن رواية، فهي مقولة شهيرة لآدم سميث: “دعه يعمل؛ دعه يمرّ”. والسبب الذي جعلني أختار هذا القول ما وصلنا إليه من تفضيل تحصيل الدرجات على التحصيل العلميّ. أمّا الرواية فاخترت “البحث عن الزمن المفقود” لمارسل بروست، إذ تتلاقى أحداثها مع حال المعلّم الذي يبحث دائمًا عن شعاع، أو نبرة صوت يحسّن بها أداءه، وذلك بالملاحظة والتدقيق والتأمّل المستمرّ.