
احتضنت جامعة “أحمد زبانة بغليزان، يوم الخميس الماضي، فعاليات ملتقى وطني هام جمع نخبة من الباحثين المتخصصين في تعليم اللغات واللسانيات التطبيقية، في إطار الجهود الرامية إلى تحديث مناهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، والانتقال نحو نموذج بيداغوجي جديد يستجيب لمتطلبات الرقمنة والتحول التكنولوجي. وقد أشرف البروفيسور “أحمد بحري”، مدير الجامعة، على افتتاح هذا الحدث العلمي، مؤكدًا في كلمته الافتتاحية أن هذا اللقاء يشكل “محطة أساسية في رسم معالم رؤية وطنية واضحة للنهوض بتعليم العربية في العصر الرقمي”.
حضور أكاديمي مميز وثراء في المداخلات
عرف الملتقى مشاركة نوعية لأساتذة وخبراء من جامعات عدّة، من بينهم البروفيسور ‘عبد الوهاب دحان’، عميد كلية الآداب بجامعة مستغانم، الدكتورة ‘غول’، رئيسة قسم اللغة العربية بالجامعة نفسها، الدكتورة ‘راضية بن عربية’ من جامعة الشلف والدكتور ‘بوداود براهيمي’ من جامعة أحمد زبانة، إلى جانب الدكتورة ‘هجيرة عدلاني’ من جامعة معسكر، بصفتها منسقة الملتقى.
قد شكّل هذا الحضور الواسع مساحة علمية خصبة لتبادل الرؤى حول التحديات التي تواجه تعليم العربية للأجانب، سواء فيما يخص تطوير المضامين الدراسية أو تكييفها مع السياق الجزائري، مع الحرص على مطابقتها للمعايير الأكاديمية الدولية.
الرقمنة في قلب مشروع تحديث المناهج
هيمنت الرقمنة على النقاشات التي شهدها الملتقى، حيث أجمع المشاركون على أنّ إدماج التكنولوجيا الحديثة أصبح شرطا أساسيا في تطوير أي منهج فعال لتعليم العربية.
وقد تناولت المداخلات أهمية الانتقال من الدروس التقليدية إلى بيئات تعليمية رقمية تعتمد على التفاعل، وتستثمر في الصوت والصورة والوسائط المحاكاتية. كما شدّد الباحثون على ضرورة تصميم موارد رقمية موجهة خصيصًا للمتعلمين الأجانب، على غرار تطبيقات تعليمية تفاعلية، معاجم إلكترونية مبنية على الاستعمال الواقعي للغة، إضافة إلى أدوات تقييم رقمية توفر قياسًا أكثر دقة لمستوى المتعلمين. كما برزت أهمية تكوين الأساتذة في استغلال الأدوات الرقمية بوصفها جزء لا يتجزأ من المنظومة الجديدة.
تأكيد الرهان على التعليم الرقمي
وفي حديث لجريدة ‘البديل’، أكد البروفيسور ‘أحمد بحري’ أن الجامعة تعمل على تبني رؤية شاملة في مجال الرقمنة، خاصة في تعليم العربية لغير الناطقين بها، مضيفا: “اعتماد الأدوات الرقمية ليس ترفا، بل هو الضامن الحقيقي لجعل العربية أكثر انتشارا وسهولة بالنسبة لطلاب العالم. نحن بصدد التحضير لإطلاق منصة تعليمية رقمية ستتيح محتوى تفاعليًا عالي الجودة للطلبة الدوليين”.
من جهته، شدد البروفيسور ‘عبد الوهاب دحان’، على أهمية هذا الملتقى في إعادة صياغة التوجهات العلمية في تعليم العربية، حيث قال: “التعليم الرقمي للعربية ليس تغييرًا في الوسائل فقط، بل هو تحول جوهري في الفلسفة التعليمية. نحن نتطلع إلى جعل العربية لغة قابلة للتعلم بنفس الديناميكية التي تُدرَّس بها اللغات العالمية الأخرى”.
أما الدكتورة ‘غول’، رئيسة قسم اللغة العربية بجامعة مستغانم، فقد عبّرت عن ضرورة مواكبة التطور التكنولوجي بقولها: “تطوير المناهج الرقمية يتطلب بناء محتوى يتناسب مع مختلف الخلفيات الثقافية للمتعلمين، فالتكنولوجيا تمنحنا اليوم فرصة لتقديم العربية بطريقة أقرب إلى حاجاتهم وأكثر فعالية”.
ومن جانبها، أكدت الدكتورة ‘راضية بن عربية’، على أهمية الاستثمار في البحث الميداني لتطوير المناهج، مضيفة: “لا يمكن أن نبني مناهج ناجحة دون دراسة دقيقة لاحتياجات المتعلمين. الرقمنة تتيح لنا أدوات قوية لجمع البيانات وتحليلها، ما يساهم في بناء محتوى مبني على أسس علمية.” كما دعا الدكتور ‘بوداود براهيمي’ إلى تعزيز تكوين الأساتذة في مجال الرقمنة، مشيرًا إلى أن:”الأستاذ هو محور العملية التعليمية، ولا يمكن الحديث عن التحول الرقمي دون تأهيله وتزويده بالأدوات اللازمة للتحكم في المنصات الرقمية.”
ومن جهتها، ركزت الدكتورة ‘هجيرة عدلاني’، منسقة الملتقى، على أهمية التنسيق بين المخابر والجامعات لتوحيد الجهود، حيث قالت: “نحن بحاجة إلى شبكة وطنية تعمل على توحيد مناهج تعليم العربية للأجانب، مع منح الأولوية للموارد الرقمية التي تضمن جودة التعلم واستمراريته”.
آفاق بحثية واعدة وتوصيات مستقبلية
اختُتم الملتقى بإجماع المشاركين على ضرورة وضع إطار وطني موحد لمناهج تعليم العربية للأجانب، يقوم أساسًا على الرقمنة كعنصر جوهري في العملية التعليمية. كما تم التأكيد على أهمية تشجيع التعاون بين المخابر الجامعية، وإطلاق مشاريع بحث مشتركة لإنتاج موارد رقمية مبتكرة تساهم في نشر العربية على نطاق أوسع.
وقد نجحت جامعة “أحمد زبانة”، من خلال هذا الملتقى، في إبراز ديناميكيتها الجديدة في مسار التحول الرقمي، وتعزيز مكانتها كقطب أكاديمي رائد قادر على قيادة مشروع وطني طموح لتطوير تعليم العربية لغير الناطقين بها.
جيلالي.ب



