
أكد السيد رئيس الجمهورية أول أمس من روما، أنّ مقاربة الجزائر في مكافحة الهجرة غير الشرعية قائمة على دعم السلم والاستقرار في البلدان التي تشهد نزوحا للمهاجرين، مع دعوتها إلى حشد المزيد من التمويل من أجل تنفيذ المشاريع التنموية وإعادة الإدماج وفق رزنامة زمنية محددة.
في كلمة قرأها، الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان، ممثلا لرئيس الجمهورية برسم الندوة الدولية حول التنمية والهجرة بروما، شدّد رئيس الجمهورية على أنّ الجزائر “ستواصل دعمها لمساعي التنمية في إفريقيا”، مذكرا بتخصيصها لمليار دولار لدعم التنمية والادماج بهذه الدول. و”تجسدت أولى خطوات تنفيذ هذا القرار من خلال تصور مشاريع تنموية لفائدة الدول الافريقية لا سيما النيجر ومالي” وهو ما يعدّ “مساهمة حقيقية في مساعي التنمية التي تعتبر أنجع السبل لمحاربة الهجرة غير الشرعية”. وفي السياق ذاته، أبرز رئيس الجمهورية “الاهتمام البالغ” الذي توليه الجزائر لملف الهجرة غير الشرعية، خاصة فيما يتصل بالارتباط الوثيق بينها وبين التنمية وما يترتب عن هذه الظاهرة من تحديات وإشكاليات يتوجب مواجهتها. ولفت في هذا الصدد إلى أنّ مؤتمر روما “يأتي في سياق يتميز بتفاقم الهجرة غير الشرعية في منطقتنا”، مع ما يفرضه هذا الوضع من تحديات ومشاهد مأساوية متكررة. ويعود كل ذلك -مثلما أوضح – إلى جملة من الأسباب “التي يعلم الجميع آثارها”، وفي صدارتها الاختلالات الهيكلية في المسار التنموي للعديد من البلدان، يضاف لها الحروب والنزاعات واتساع بؤر اللااستقرار وانعدام الأمن وتنامي ظاهرة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والتغيرات المناخية وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف رئيس الجمهورية “أصبحت هذه الظاهرة، تطرح تحديات أمنية خطيرة، بفعل ما يصاحبها من تنامي للجريمة المنظمة والاختراقات التي تعرفها شبكات التهريب والاتجار بالبشر من قبل منظمات تخريبية لتسهيل حركة الإرهابيين بهويات مزيفة”، الأمر الذي أضحى “يهدد الأمن الداخلي للدول”. أما بالنسبة للجزائر، فـ “تحولت بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي والتنمية الاقتصادية التي تشهدها في الفترة الأخيرة، والاستقرار الذي يميزها، من بلد عبور إلى بلد استقبال واستقرار للمهاجرين القادمين من دول منطقة الساحل والصحراء، ومن بين بعض مناطق النزاع في بعض الدول في إفريقيا والمنطقة العربية”. وتابع رئيس الجمهورية::” زاد هذا الوضع حدّة نتيجة التدابير والترتيبات الأمنية لحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وتشديد إجراءات منح التأشيرات”، غير أنّه و”على الرغم من ذلك، تبنت الجزائر لعدة سنوات وبحكم تضامنها الدائم مع دول الجوار، سياسة متساهلة لحد ما، تجاه هذه التدفقات”، ما أدى إلى “ارتفاع غير مسبوق في أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين استقروا على ترابها، مع ما لذلك من تداعيات على مختلف الأصعدة”. ونتيجة لكل ما سبق ذكره، أكد رئيس الجمهورية أنّ هذه الظاهرة ستستفحل مستقبلا إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة وتنفيذها في الوقت المناسب. في سياق ذي صلة، أبرز رئيس الجمهورية أنّ المعالجة الأمنية لملف الهجرة و”إن كانت تستجيب للضرورة الملحة للحفاظ على النظام العام ومكافحة شبكات التهريب والاتجار بالبشر، إلا أنها لا تساهم في معالجة هذه الظاهرة بشكل مستدام”. لذا شدّد رئيس الجمهورية: “أصبح من الضروري تصور حلول شاملة تضمن تحقيق الاستقرار والدفع بديناميكيات التنمية وخلق فرص الشغل للشباب في دول المصدر من أجل تطويق الهجرة غير الشرعية”، مضيفاً: “يتعين أن يولي التعاون بين الشمال والجنوب مكانة هامة لتقديم المساعدة والدعم إلى دول الجنوب من خلال رفع مستوى المساهمات المقدمة لها في مجالات التنمية.
يذكر أنّ أشغال الندوة الدولية حول التنمية والهجرة انطلقت بعد ظهر أول أمس، بالعاصمة الإيطالية روما، ويجري هذا الملتقى بحضور العديد من دول البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الشرق الأوسط والدول الإفريقية، بالإضافة إلى منظمات وهيئات دولية كالمجلس الأوروبي والاتحاد الإفريقي وصندوق النقد الدولي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وكذا المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وترمي الحكومة الإيطالية من وراء تنظيم هذا الملتقى إلى الخروج بنموذج جديد قائم على التقليل من دوافع الهجرة غير الشرعية، عبر الدفع بعجلة التنمية في الدول التي تشهد نزوح عدد كبير من مواطنيها نحو القارة الأوروبية، خاصة الفئات الشابة. وبهذا الخصوص، كانت الحكومة الإيطالية قد كشفت عن ارتفاع كبير في معدلات الهجرة التي قاربت الـ 150 بالمائة خلال السنة الجارية. وخلال افتتاحها لأشغال هذا الملتقى، ثمنت رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي، السيدة جورجيا ميلوني مستوى التمثيل في هذا الموعد، “ما يمهد لمسار جديد من التعاون متعدد الأطراف يكون مبنيا على الاحترام والحوار، من أجل الوصول إلى نتائج ملموسة ترضي الجميع”. وقالت ميلوني:” من شأن هذا الحوار الذي سيجمع بين الدول المعنية بهذه الظاهرة في كلا الاتجاهين، “اتاحة فرص عديدة للتعاون والتنسيق في سبيل توحيد الجهود لوقف المآسي الإنسانية التي تخلفها الهجرة غير النظامية والخسائر الاقتصادية الناجمة عنها”. في هذا الصدد، أوضحت أنّ “أحد أهم التزامات حكومتها يكمن في دعم التنمية في الدول الإفريقية التي تشكل مصدرا للمهاجرين غير النظاميين، ما يمثل خسارة كبيرة في مواردها البشرية، خاصة الشابة منها”، وهو الهدف الذي يمكن تحقيقه من خلال “خلق مشاريع تنموية في مجالات التعليم والصحة والزراعة والطاقة والمنشآت القاعدية، بغية إرساء مقومات الاستقرار بهذه الدول”، غير أنّه – بحسب ميلوني – “يتعين من أجل ذلك، إيجاد التمويل الضروري، وهو ما يعد أحد أبرز مرامي هذا الملتقى الدولي”. وتقوم المقاربة الإيطالية في مواجهة الهجرة غير الشرعية والحدّ من مخلفاتها السلبية على “تعزيز الدعم الموجه للدول الأوروبية التي تواجه هذه التدفقات”. يُذكر أنّ أشغال هذا الملتقى تجري في جلستين، على أن تختتم بتوصيات تحدد أهم معالم “مسار روما” لمواجهة الهجرة غير الشرعية.
ق.ح