تكنولوجيا

معمارية الثقة الصفرية… تحصين رقمي في زمن الانتهاكات السيبرانية

في عصر تتزايد فيه التهديدات الرقمية ويتسارع تطور الهجمات السيبرانية، لم تعد آليات الحماية التقليدية كافية لحماية الأنظمة الحساسة والمعلومات الخاصة من الاختراق أو التلاعب، ومع ظهور مفاهيم جديدة في مجال أمن المعلومات تصدّرت معمارية الثقة الصفرية كحل جوهري، لإعادة ضبط قواعد الأمن الإلكتروني لتصبح أكثر صرامة وفعالية.

 

تقوم معمارية الثقة الصفرية على مبدأ بسيط لكنه صارم، مفاده “لا تثق بأحد وتحقق من الجميع”، إذ لم يعد يكفي أن يكون المستخدم داخل شبكة المؤسسة أو النظام ليحظى بصلاحيات الوصول، وإنما عليه أن يثبت هويته وشرعية طلبه في كل مرة يحاول فيها الدخول إلى مورد معين سواء كان ذلك من داخل المؤسسة أو خارجها وتكمن الفكرة الأساسية في التعامل مع كل محاولة وصول على أنها قد تكون خبيثة، ما لم يُثبت العكس بشكل موثق.

وتعتمد هذه المعمارية على عدة ركائز، من أبرزها التحقق المتعدد المستويات وتحديد صلاحيات دقيقة لكل مستخدم وتسجيل كل محاولة دخول أو تعديل، كما تستخدم آليات مراقبة مستمرة لتحليل سلوك المستخدمين والأجهزة، وعند رصد أي نشاط غير معتاد يتم عزل الجهة المشبوهة فورًا لمنع تفاقم التهديدات وتنتقل المؤسسات من منطق الثقة المسبقة إلى منطق الفحص الدائم والتقييم المستمر.

لا تعتمد معمارية الثقة الصفرية على موقع المستخدم أو الجهاز، وإنما على التحقق من الهوية والمطابقة مع سياسات الوصول المحددة مسبقًا فحتى لو كان الجهاز داخل جدار الحماية لا يتم منحه الصلاحية إلا بعد المرور بسلسلة من الفحوصات الأمنية، وبذلك يتم تقليص مخاطر الهجمات التي تستغل ثغرات الوصول الداخلي والتي تعد من أخطر أنواع التهديدات السيبرانية.

ومن مزايا هذه المعمارية أيضا، أنها تفرض مبدأ أقل قدر من الامتيازات بحيث لا يحصل المستخدم أو التطبيق إلا على الحد الأدنى من الصلاحيات اللازمة لأداء المهام المحددة، مما يحدّ من قدرة المهاجم على استغلال أي تسلل لتنفيذ عمليات أوسع كما تساعد في تحسين استجابة المؤسسة للهجمات والتعافي منها بشكل أسرع.

وفي ظل ازدياد الاعتماد على الحوسبة السحابية والعمل عن بُعد، أصبحت الحاجة إلى تبني معمارية الثقة الصفرية أكثر إلحاحًا فالنظام لم يعد محصورًا داخل حدود مادية واضحة، بل أصبحت الموارد موزعة في مواقع متعددة والمستخدمون يتصلون من أجهزة وشبكات متنوعة، وهو ما يجعل من الصعب ضبط البيئة الأمنية دون حلول مرنة ومتقدمة.

رغم التحديات التي قد ترافق تطبيق هذا النموذج مثل ارتفاع التكلفة أو الحاجة إلى تدريب المستخدمين على إجراءات جديدة، إلا أن فوائده تتفوق بوضوح، إذ يمنح المؤسسات قدرة أكبر على التحكم والسيطرة، ويساهم في بناء بيئة رقمية أكثر أمنًا وصلابة في وجه الهجمات المتطورة.

ولذلك، تسعى العديد من الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة حول العالم إلى دمج معمارية الثقة الصفرية ضمن بنيتها الأمنية باعتبارها استراتيجية طويلة الأمد، لا تقوم فقط بردع التهديدات بل تمنعها من الأساس وتضع أسسًا جديدة لفهم العلاقة بين المستخدم والنظام تقوم على التحقق لا الافتراض وعلى الحذر لا التساهل مما يجعل هذه المعمارية حجر الأساس لأمن المستقبل الرقم.

بن عبد الله ياقوت زهرة القدس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى