
أعلنت شركة “مايكروسوفت” عن اختراع جديد قد يغير مفهوم الحوسبة كما نعرفه وهو معالج كمومي متطور، أطلق عليه اسم “ماجورانا1” هذا المعالج يمثل قفزة نوعية في مجال الحوسبة الكمومية ويستعرض القدرة الهائلة التي تتمتع بها الحواسيب الكمومية، مقارنة بالحواسيب التقليدية التي نستخدمها في حياتنا اليومية.
في السنوات الأخيرة أصبحت التقنيات جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية سواء كنا نستخدم الهواتف الذكية أو أجهزة الكمبيوتر أو حتى الأجهزة المنزلية الذكية، لكن جميع هذه الأجهزة تعتمد في الأساس على وحدة المعالجة المركزية التي تقوم بتنفيذ الأوامر الحسابية، وتعتبر قوة المعالج ومدى كفاءته العامل الرئيسي الذي يؤثر في أداء الجهاز ومع تطور احتياجات العالم التكنولوجية، بات من الواضح أن الحواسيب التقليدية لم تعد قادرة على مواكبة التطور الهائل في البيانات والعمليات الحسابية، وهنا يأتي دور الحواسيب الكمومية التي تمتلك قدرة حسابية هائلة تتجاوز الحواسيب التقليدية، تعتمد هذه الحواسيب على الكيوبت الذي يمثل وحدة تخزين بيانات كمومية قادرة على معالجة كميات ضخمة من البيانات في وقت قياسي ومن خلال هذا المفهوم يمكن للحواسيب الكمومية إجراء محاكاة معقدة تستغرق سنوات باستخدام الحواسيب التقليدية في دقائق معدودة.
التسابق نحو الحاسوب الكمومي
يشهد العالم اليوم سباقًا محمومًا بين كبرى الشركات التقنية من أجل تطوير الحواسيب الكمومية التي يمكن استخدامها تجاريًا، وقد أصبحت شركات مثل “مايكروسوفت” وجوجل وآي بي إم وأمازون في مقدمة هذا السباق، ولكن “مايكروسوفت” استطاعت أن تقدم أخيرًا اختراعًا قد يشكل خطوة حاسمة في هذا المجال فبينما كان هذا النوع من المعالجات محصورًا في الأبحاث العلمية حتى الآن، فإن ابتكارها الجديد قد يفتح الطريق نحو إنتاج حواسيب كمومية تجارية.
معالج “ماجورانا1” وأبرز اكتشافاته
لقد أسفرت أبحاث مايكروسوفت عن عدة اكتشافات تقنية جديدة وفريدة تتعلق بكيفية إنشاء واستخدام الحواسيب الكمومية، أول هذه الاكتشافات كان العثور على حالة جديدة من المادة تسمى الموصل الفائق التوبولوجي، هذه المادة تعمل بشكل يختلف تمامًا عن المواد التقليدية، إذ تمتاز بخصائص غير مألوفة، مما يسمح لها بتحمل الظروف البيئية الصعبة التي كانت تؤثر سابقًا على الحواسيب الكمومية، كما نجحت مايكروسوفت في تطوير طريقة لقياس الحالة الكمومية دون التأثير عليها وهي خطوة محورية تسهم في استقرار هذه الحواسيب فضلاً عن اكتشاف تقنيات جديدة لتخزين البيانات باستخدام هذه المادة الفائقة التوبولوجية مما يحسن من فعالية الحوسبة الكمومية بشكل عام.
القدرة على بناء أنظمة كمومية قوية من خلال هذه الاكتشافات تمكنت مايكروسوفت من بناء نظام كمومي قادر على التوسع ليحتوي على مليون كيوبت في شريحة واحدة صغيرة يمكن إنتاجها تجاريًا، هذا الاكتشاف يعدّ ثورة في عالم الحواسيب الكمومية حيث سيقلل من حجم الأجهزة المطلوبة ويعالج مشكلة تبريد الأجهزة الكبيرة التي كانت تؤثر على الأداء في الماضي، كما أن استخدام جزئيات ماجورانا في الشريحة الجديدة يسمح بتقليل معدل الخطأ بشكل ملحوظ وهو أحد أكبر التحديات التي واجهت الحواسيب الكمومية التقليدية فقد كانت هذه الأجهزة معرضة للتلف بسبب الأخطاء العشوائية التي تحدث بسبب التفاعل مع البيئة، مما يؤدي إلى فقدان البيانات وتدميرها لكن مع هذه التقنية الجديدة أصبح من الممكن الحفاظ على استقرار البيانات داخل النظام الكمومي لفترات أطول.
رحلة البحث الطويلة
لم يكن الوصول إلى هذا الاختراع أمرًا سهلاً أو سريعًا، فقد استغرق البحث في هذا المجال أكثر من 19 عامًا من العمل المتواصل، شمل التعاون بين أكثر من 160 باحثًا في مختلف المجالات ،هذا البحث الطويل هو أحد أطول الأبحاث في تاريخ الشركة ويعكس التزام مايكروسوفت العميق بتطوير هذا المجال، ورغم أن مايكروسوفت أعلنت عن تمكنها من تطوير الشريحة المطلوبة، إلا أن هذا الإنجاز ليس سوى بداية لرحلة أطول وأكثر تعقيدًا إذ تسعى الشركة حاليًا إلى بناء مليون شريحة من ماجورانا1 لتفعيل هذه الأنظمة الكمومية بالشكل المطلوب في التطبيقات التجارية، وتتوقع الشركة أن تتمكن من إنتاج هذه الشرائح بكميات تجارية بحلول عام .2027
ما من شك أن الحواسيب الكمومية ستحدث ثورة في العديد من الصناعات التي تعتمد على المعالجة السريعة، والقدرة على إجراء محاكاة دقيقة مثل الأبحاث العلمية والطاقة والطب والذكاء الصناعي، على سبيل المثال يمكن للحواسيب الكمومية أن تسهم في تطوير أدوية جديدة من خلال محاكاة التفاعلات الكيميائية بشكل أسرع وأكثر دقة، كما يمكنها أن تساهم في تحسين تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال معالجة بيانات ضخمة بسرعة لا يمكن تصورها باستخدام الحواسيب التقليدية، بالإضافة إلى ذلك فإن الحواسيب الكمومية ستفتح آفاقًا جديدة في مجالات مثل الأمن السيبراني والعملات الرقمية، حيث يمكن لهذه الأنظمة حل المشكلات المعقدة التي لم يكن بالإمكان حلها في الماضي وبالتالي فإن الانتقال إلى استخدام الحواسيب الكمومية سيكون له تأثيرات بعيدة المدى على كافة جوانب حياتنا بدء من البحث العلمي وصولا إلى حياتنا اليومية.
ختاما تعد الحواسيب الكمومية نقلة نوعية في عالم التكنولوجيا، وابتكار مايكروسوفت الأخير هو خطوة كبيرة نحو المستقبل، ورغم أن الوصول إلى الحوسبة الكمومية التجارية ما زال في بداياته، إلا أن الاختراعات التي تقدمها الشركات الكبرى في هذا المجال ستغير شكل العالم في السنوات القادمة ومع كل اكتشاف جديد تزداد الآمال في أن تحقق هذه التقنية القدرة على تغيير حياتنا وتحقيق ما كان يبدو مستحيلا.ً
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله