احتضنت قاعة المحاضرات بمقر بلدية عين تادلس بشرق ولاية مستغانم نهار أول أمس فعاليات ندوة علمية تاريخية حول سيرة ومسيرة العلامة سيدي عبد الله الخطابي مؤسس ومعمر مدينة مستغانم الحديثة، حسب ما كتبه عنه الباحث في علم الأنساب الشيخ “القاضي حشلاف” الذي أرّخ للمرابط المجاهد، حيث يبقى ضريحه بحي المطمر العتيق، كما هو حال الأسوار ومباني حاضرته، شواهد على ما خلفه من إنجازات، معالم، مآثر ومناقب جعلت الجميع يهتدي إلى تلقيبه بسلطان زمانه خلال النصف الثاني من القرن الخامس عشر ومطلع القرن السادس عشر.
الندوة العلمية التاريخية التي أشرفت على تنظيم أشغالها جمعية “كنوز مستغانم” للتراث وحفظ الذاكرة الوطنية، برئاسة الأستاذ “الحاج عبد القادر رحامنية”، التي تضم تشكيلتها مجموعة من الأساتذة الباحثين في الشأن التاريخي، وبالتنسيق مع المجلس الشعبي لبلدية عين تادلس، كانت ناجحة بامتياز بفعل الحضور المتميز فضلا عن ثراء برنامجها الذي يتضمن محورين أساسيين من جلستين علميتين شمل محتوى كل منهما 4 مداخلات لأساتذة جامعيين، شيوخ زوايا وأئمة خطباء، وذلك بمساهمة ومشاركة المجلس الشعبي لبلدية عين تادلس المتميزة بكرم أهلها وجودهم، فضلا عن رعاية المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي للولاية الذي غالبا ما يثمن الملتقيات العلمية، كما يحفز القائمين عليها ويحث على إبراز مآثر أهم شخصياتها وأعلامها.
الجلسة العلمية التي سوف يترأسها الإعلامي الأستاذ بجامعة “احمد بن بلة” بوهران “الجيلالي عباسة”، تركز محتوى مداخلاتها على سيرة ومسيرة العلامة سيدي عبد الله، وما أغدق به أحفاده من بعده من عطاءات علمية ومساهمات في الحفاظ على البنية الاجتماعية وجهاد ضد الصليبيين من الغزاة طوال 6 قرون من الكفاح في مجابهة الإسبان والفرنسيين، على غرار مؤسس الزاوية السنوسية وفروعها التي انتشرت عبر ربوع بلاد المغرب الإسلامي، وحكمهم لدولة ليبيا خلال القرن الماضي.
كما تمحورت مضامين الجلسة العلمية الثانية التي أدار مواضيعها الإعلامي والأستاذ “ع.رحامنية” حول دور الزوايا والمدارس القرآنية في ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال والمحافظة على مقومات الشخصية الوطنية، ناهيك عن المساهمة الفعالة في مجابهة التيارات المتطرفة الدخيلة، وذلك باعتبارها رباطات دينية ظلت تشكل الدعامة الصلبة للأمة بفعل امتداداتها الشعبية في مختلف الحقب والأزمنة، وما جسدته من أدوار رائدة في حماية الشباب من محاولات يائسة لزرع الفتن التي باءت جلها بالفشل، وما ينبغي عليها اليوم ومستقبلا أن تفعله في نطاقها لاستيعاب آلاف الطلبة الراغبين في حفظ القران الكريم وتدارس مختلف التخصصات الدينية، كما هو الحال بشأن لغة الضاد لصيانتها من كيد الحاقدين وتظل الحارس الأمين لثوابت الأمة إلى يوم الدين.
وبالمناسبة، اقتربت من عديد المشايخ والعلماء بمنطقة عين تادلس على غرار الإمام الشيخ “الحاج عبد القادر البوراسي”، فضلا عن شيخ الزاوية البوتشيشية “الحاج بلقاسم”، الشيخ المجاهد الإمام المتقاعد صاحب الـ 96 سنة “سي قدور بلعربي”، فضلا عن قائد زاوية “الشيخ بلحول” أحد أقدم الزوايا بالتراب الوطني التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى أواخر القرن الخامس عشر ميلادي، حيث تزامن ذلك مع نبوغ نشاط العلامة “سيدي عبد الله الخطابي” في شتى مناحي الحياة، كما التقيت بمشايخ الزوايا الحاضرين على غرار “الشيخ البوزيدي” و”الشيخ بودينار” من تيسمسيلت، “الحاج بوعناني” من ولاية تلمسان، “الحاج الناصر” من ولاية البيض، فضلا عن النجم الشيخ “شمس الدين الجزائري”، إذ تم الإجماع على النجاح الباهر الذي تحققه الندوة العلمية، حيث أعربوا عن سرورهم الشديد كما أجمعوا على مدى أهمية التظاهرة كحدث استقطب جمهورا واسعا من المتتبعين للشأن التاريخي العلمي وتراث المنطقة الزاخر ومحبي العلامة “سيدي عبدالله”، ومكانته العظيمة وسط سكان قبائل مجاهر وأهل ولاية مستغانم، كما هو الأمر بالنسبة لباقي الولايات المجاورة.
التوصيات ركزت على ضرورة تكريم الإعلام من خلال إحياء مآثرهم ونفض الغبار عنها، كما تم التأسيس لإحداث جائزة لأفضل بحث يتناول مسيرة مؤسس مستغانم الحديثة العلامة “سيدي عبد الله الخطابي الحسني الإدريسي”.
م. مختار