بقلم: الأستاذ الحاج نور الدين أحمد بامون (ستراسبورغ – فرنسا)
تعتبر اللغة العربية كلغة سادسة رسمية اعترفت بها الأمم المتحدة وأدرجتها ضمن قائمات اللغات المعترف به.
يحتفل العالم باليوم العالمي للغة العربية في الـ 18 من ديسمبر من كل عام، وهو مناسبة تبرز أهمية هذه اللغة ودورها التاريخي والثقافي. يعد هذا اليوم فرصة لتعزيز مكانة اللغة العربية في المحافل الدولية وتذكير الأجيال القادمة بقيمتها وأهميتها في الحفاظ على الهوية. تتنوع الاحتفالات بهذا اليوم حول العالم من خلال إقامة الندوات الثقافية والمعارض الفنية والأمسيات الشعرية التي تحتفي بجمال اللغة وبلاغتها. كما تقام مسابقات أدبية وفكرية تشجع على الإبداع واستخدام العربية الفصحى.
إن الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية ليس مجرد فعالية رمزية، بل هو دعوة لإحياء التراث اللغوي والتأكيد على ضرورة حمايته من التراجع أمام تحديات العصر. ومن خلال هذه المناسبة، نجدد التزامنا بتطوير مناهج تعليم اللغة العربية وتشجيع استخدامها في مجالات العلوم والتكنولوجيا، لتبقى لغة الضاد حية نابضة تحمل في طياتها عبق التاريخ وأمل المستقبل.
أهمية اللغة العربية
إن للغة العربية أهمية كبيرة في الثقافة والتراث والأدب العربي، لأنها تعتبر جزء من الحضارة العربية، تعد اللغة العربية من اللّغات الإنسانيّة الساميّة، والتي ما زالت محافظةً على تاريخها اللغوي والنحويّ منذ قديم الزمان.
تعتبر اللغة العربية لغة العديد من الشّعوب والقبائل، وساهم ذلك في انتشارها في الجزيرة العربيّة وبلاد الشام. إن اللّغة العربية هي لغة الإسلام، والقرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، وساهم ذلك في تعزيز قيمتها ومكانتها عند العرب والمسلمين. ساهمت اللغة العربية في نهوض العديد من الحضارات، وخصوصاً الأوروبية، مما أدى إلى تشجيع الأوروبيين لتعلُمها وفهمها للتعرّف على حروفها وكلماتها. تتمتّعُ اللغة العربية بخصوصية لغوية تجعلها تتميز عن اللغات العالمية الأُخرى، والتي تظهر في بيانها ووضوح مفرداتها وكلماتها. تستخدَ العديد من الكلمات اللغويّة في اللغات الساميّة كلماتٍ ذات أصل عربي، مما ساهم في تعزيز التّقارب بين اللّغة العربيّة واللّغات العالميّة الأُخرى.
تاريخ قرار الاعتراف باللغة العربية لغة رسمية عالمية
جاء تاريخ قرار الاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية سادسة وفي أكتوبر سنة 2012، وخلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لليونسكو أين تقرر تكريس يوم 18 ديسمبر يوما عالميا للغة العربية، واحتفلت اليونيسكو في تلك السنة للمرة الأولى بهذا اليوم.
وفي 23 أكتوبر 2013 ، قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونسكو، اعتماد اليوم العالمي للغة العربية كإحدى العناصر الأساسية في برنامج عملها لكل سنة. وجاء الاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية سنة 1973 بموجب قرار الأمم المتحدة رقم: 3190 للمرة الأولى في تاريخ الاعتراف باللغة العربية، وأحتفل بها بعدما انضمت إلى اللغات الـ5 العالمية التي كرست لها الأمم المتحدة يوماً خاصا بها، وهي الإنجليزية، الإسبانية، الفرنسية، الصينية والروسية. وباستثناء الإسبانية، إن اللغات الأربع الأخرى عائدة للدول المتمتعة بعضوية مجلس الأمن الدولي الدائمة وهي من جانب آخر الدول الرسمية في العالم. وتجدر الإشارة وتندرج الاحتفالية بيوم اللغة العربية الذي ينسجم مع سياق العقد الدولي لتقارب الثقافات بين الثقافات للأعوام 2013– 2022 الذي تتولى اليونسكو ريادته.
أول احتفال باللغة العربية تاريخيا
احتفلت منظمة اليونسكو باليوم العالمي للغة العربية للأولى بتاريخ في 18 ديسمبر 2012، ومنه أصبح يوم 18 ديسمبر يوم عالمي كرس تاريخ سنوي للاحتفال به، ولإبراز وإظهار إرث اللغة العربية ومساهمتها العظيمة في الحضارة الإنسانية، وباقي الحضارات برمتها.
ومن خلال الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية تسعى منظمة اليونسكو لتسليط الضوء على المساهمات الغزيرة والمشاركات المتنوعة للغة العربية، من أجل إثراء التنوع الثقافي وتعزيز الرصيد اللغوي للإنسانية، فضلا عن مساهمتها في إنتاج العلوم المعرفية باختلافها، وذلك من خلال موضوع شعار هذا العام لسنة 2022 المعنون “مساهمة اللغة العربية في الحضارة والثقافة الإنسانية”.
وتجمع اللغة العربية أناسا من خلفيات ثقافية واجتماعية متنوعة، بوصفها إحدى الركائز التي تقوم عليها القيم الإنسانية المشتركة. وتنظِّم اليونسكو بمناسبة الاحتفال الخاص من كل عام. ويعتبر شعار هاته السنة 2022 بمثابة نداء متكرر مجدد للشعارات والنداءت السابقة للتأكيد على الدور الهام الذي تؤديه اللغة العربية في مد جسور الوصال بين الناس وعموم الشعوب على صهوة الثقافة والعلم والأدب وغيرها من المجالات الفكرية المتنوعة الكثيرة جدا، حيث تمثل الغاية من جهة أخرى ومن منظور زاوية أخرى لاستكمال محاور الموضوع في إبراز الدور التاريخي الذي تضطلع به اللغة العربية كأداة استعمال وتخاطب بين الشعوب.
التنوع الثقافي
تعد القيم الإنسانية المشتركة الإمكانيات التي تتيحها الأمم المتحدة في عملها الثقافي والتي ترمي مكانة للغات التي تهدف إلى تعزيز التعددية اللغوية والتنوع الثقافي والاحتفال بهما، كما ترمي إلى المساواة بين جميع اللغات الرسمية لمنظومة الأمم المتحدة والوكالات المنضوية تحت لوائها وهي: اللغة العربية (18 ديسمبر) اللغة الصينية (12 نوفمبر) اللغة الإنجليزية (23 أبريل) اللغة الفرنسية (20 مارس) اللغة الروسية (6 جوان) وأخيرا اللغة الإسبانية (12 أكتوبر).
الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية
إن الاحتفال باللغة العربية بات أمرا واجبا على كل عربي وكل متحدث بهذه اللغة العريقة السامية، حيث إن اللغة العربية من خلالها استطاع شعبها الأبي أن يتوصل إلى العديد من الحقائق وأن يكون لديه تاريخ عريق، إذ إنها جعلت لديه مكانة مميزة وفريدة من نوعها، ولاسيما وأنها لغة القرآن الكريم الذي أخص الله بها نبيه الكريم الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، مخاطبا إياه بأول كلمة (إقرأ) والأمة الإسلامية قاطبة، الأمر الذي أضاف إلى اللغة العربية أهمية جد كبيرة،وجعلها لغة مباركة يرغب بتحدثها كل وافد على الإسلام.
ميزة اللغة العربية
تمتاز اللغة العربية على باقي لغات العالم بخصوصية مميزة، بالرغم من تجاوز عدد لغات العالم 7,000 لغة، إلا أن العربية كانت وما زالت تتربع على عرش اللغات الأكثر تعاملا وتداولا وانتشارا لما تختص به من رصانة، كما أن من تميزها تغنى بجمالها الكثير من الشعراء العرب وأشادوا بأهميتها، على رأسهم “أحمد شوقي” و”حافظ إبراهيم”، فهي تحتل مكانة خاصة في قلوب جميع العرب، ما جعل إسمها يلمع في كل بقعة على هذه الأرض على الرغم من التحديات الكثيرة التي تواجهها، ونظرا لأهمية هذه اللغة الجميلة، كان لا بد من تخصيص يومٍ في تقويم السنة لتخليدها ونشرها على نطاقٍ أوسع. في هذا المقال لتسليط الضوء على مناسبة اليوم العالمي للغة العربية والفعاليات المرتبطة بها.
إحياء مدرسة “ابن باديس” بزوريخ لليوم العالمي للغة العربية
كعادتها في القيام بالنشاطات الموسمية والمناسباتية والدولية والتاريخية الأدبية والفنية والتربوية، قامت مدرسة “ابن باديس” التعليمية بزوريخ بسويسرا بإشراف طاقم مكتبها” بإحياء اليوم العالمي للغة العربية بتسطير برنامج فريد من نوعه وثري من حيث مضمونه وفقراته المقترحة.
لأجل إعطاء فرصة الحضور للجميع والاستمتاع بالنشاط، خاصة أن الحدث يتزامن وآخر يوم في العطلة المدرسية لنهاية السنة الدراسية 2024، التي مكنت عديد الأهالي من الحضور والمشاركة مرفقين بأطفالهم. تضمن الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية لسنة 2024 بمدرسة “ابن باديس” بزوريخ على غرار باقي الجهات والمؤسسات التي احتفلت باليوم العالمي، استقبال الضيوف والمشاركين، وباكتمال الحضور، إنطلقت سفينة الإبحار في بداية النشاط الذي جرت فعالياته في ظروف جيدة مقسمة إلى أربع فقرات.
التنظيم وبرامج الاحتفال
كان التنظيم جد محكم من طرف تلاميذ أقسام المدرسة وأمهاتهم المجندين جميعا، البداية كانت بكلمة ترحيبية بالضيوف والأسرة التربوية والتلاميذ المحتفى بهم، تلتها كلمة مدير المدرسة عن اليوم العالمي للغة العربية ومدى تأثير اللغة العربية في نقل حضارات القديمة لما نعيش اليوم، وكذا بعض أقوال أدباء غربيين ومستشرقين عن اللغة العربية. وعقبه القنصل العام للجمهورية الجزائرية عن نظرة الدولة الجزائرية وسبل تعزيزها وتشجيع تعليمها.
فقرات التلاميذ والطلاب
أولا: تم تنظيم جناح كتب للأطفال تم تسليمها لهم مجانا وبعضها بأسعار رمزية وكتب تم استبدالها بين الأطفال .
ثانيا: إلقاء قصيدة شعرية من طرف أطفال المدرسة.
ثالثا: عرض فيديو عن أعلام اللغة العربية عبر العصور.
رابعا: مسابقة عبر منصة كاهوت شارك فيها الأولياء مع أولادهم.
خامسا: جناح معرض الخط العربي.
سادسا: وجود خطاطين للحرف العربي كتبوا أسماء التلاميذ الذين فضلوا كتابة أسمائهم والاحتفاظ به كذكرى للتاريخ.
سابعا: كما خصص بالمناسبة جناح لعرض المأكولات التقليدية وحلويات أبدعن في إعدادهن أمهات تلاميذ المدرسة.
كما تم في الختام توزيع شهادات من طرف السيد القنصل العام للجمهورية الجزائرية الأستاذ “بلعسل محمد رضا” على التلاميذ الذين أبدعوا في إلقاء على الحاضرين بيوت شعرية والذي ختم كلمته بمقولته في حق التلاميذ، مازحا معهم بأنهم أفصح منا نحن الكبار نظرا لمجهوداتهم في إخراج الحرف العربي على أكمل وجه.
فلغتنا العربية وبالإجماع أنها سيدة اللغات، في ما لها من مقومات الجمال والإبداع ما يجعلها بحر البيان والبلاغة، يكفيها فخرا وشرفا أنها دون غيرها من باقي اللغات نزل القرآن الكريم كتاب الله عز وجل لفظا وغاية. فهي بحق منارة الإبداع والتألق والحسن والبهاء، وبختامها أسدل الستار على فعاليات اليوم الأول لإحياء مناسبة اليوم العربي للغة العربية لسنة 2024.