
في لقاء بتوقيت مثير، توعّد الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الجميع في ليبيا باستعادة الدولة، وتخليصها تلبية لرغبة الشعب كما يقول، سالكًا مسار القرار الحاسم، وخوض معركة فاصلة لتحرير البلاد، معللًا ذلك بحراك يتنامى لإحداث التغيير الجذري، إذا فشلت المساعي السلمية لإخراج القوات الأجنبية.
ولم يكد يسكن غبار الاستعراض العسكري بمدينة سبها جنوبي البلاد لأكثر فصائل حفتر شراسة، حيث دعا فيه أنصاره حينها إلى انتفاضة شعبية ضد الطبقة السياسية، متباهيا بجاهزية قواته المعدّة، وفق زعمه، لحماية الشعب في حال انتفاضته لتغيير الواقع.
ولم يكن الرجل يلقي دعابة حينها، بل عمد إلى نقل وحدات مسلحة عدة إلى الجنوب، وضعها في حالة استعداد مباشر لأي مواجهة محتملة، وتزامنًا مع صوت محركات عرباته العسكرية المتأهبة، كثف حفتر جولاته الميدانية لمدن عدة في الجنوب والشرق الموالية له، وبدا أنه تهيئة لأنصاره لأي عمل مسلّح في المستقبل القريب، حتى أن الاجتماعات العسكرية التي احتضنتها بنغازي والزنتان، وفق مصادر صحافية، اعتُبرت تجهيزًا لحملة عسكرية على العاصمة طرابلس.
في المقابل، لا تخفي حكومة الوحدة الوطنية استعداداها أيضًا لاحتمالات التصعيد العسكري، كما لا تخفي النخب السياسية عمومًا إحباطها المغلّفة بالقلق من عودة المقاتلين إلى بنادقهم بخاصة مع إخفاق الأمم المتحدة في تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية نهاية السنة الماضية وغياب التوافق على القاعدة الدستورية بين القوى المتنافسة، وأن المصافحة بين الغرباء هي محاولة يائسة لكسر الجليد بين معسكري الشرق والغرب.
وما يدلل على وجود انقسام حاد، تباين العرب في آرائهم مع انعقاد القمة العربية، حول ملف ليبيا، وأوضحها ضرورة الذهاب إلى انتخابات عاجلة، وإنهاء المراحل الانتقالية.
تصريحات حفتر…رسائل جوابية
وفي تعليقه على تلك التطورات، يشير فرج زيدان، الباحث في الشؤون السياسية، إلى أن تصريحات حفتر هي عبارة عن رسائل جوابية في مواجهة الأطراف التي تستمر في فرض حالة الاحتلال، ورفض قرارات الأمم المتحدة، وتقويض المسار الأمني في ليبيا.
ويقول زيدان، إن الجيش يبعث برسالة موضوعية تُفيد بأنه على جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الخروج من البلاد، من أجل عودة الاستقرار.
ويؤكد أنها رسالة للقول إن استمرار مبدأ وقف إطلاق النار مرهون بتنفيذ مخرجات المسار الأمني، واحترامها، وأن وحدة البلاد أصبحت بخطر، بحسب قوله.
وعن وجود مقاتلي فاغنر في ليبيا، استشهد زيدان بالتقارير الغربية التي تُفيد بتوجّههم إلى الساحة الأوكرانية.
حفتر يدعو إلى الحرب
في المقابل، يوضح عمّار الأبلق، عضو مجلس النواب الليبي، أن كلام حفتر مؤشر إلى أنه لا يريد الحل السياسي والاستقرار في ليبيا بل يدعو إلى الحرب.
ويقول الأبلق، إن وجود القوات التركية في ليبيا هو نتيجة لوجود قوات “فاغنر” الروسية التي استعان بها حفتر منذ عام 2015، في منطقة الهلال النفطي، ومنابع النفط، وعن دعوة حفتر إلى خروج كافة المرتزقة، نوّه الأبلق إلى أن حفتر كان يتحدث من قاعدة الجفرة التي تضمّ مقاتلي فاغنر.
ويشدّد الأبلق على أن الحرب في ليبيا هي حرب دولية، وتجري بمباركة دولية، وبالتالي، إذا لم تكن هناك إرادة دولية بعودة الحرب لن تكون هناك حرب، بالإضافة إلى أن الأطراف الداخلية أضعف من أن تبدأ أي حرب.
ويوضح في نفس السياق، أن حفتر في نظر الغرب الليبي هو “مجرم حرب”، وأنه بالنسبة إلى أنصار الرئيس الراحل معمر القذافي هو “عميل” للاستخبارات الأميركية، وبذلك، فإنه لا يملك شرعية أو إرادة شعبية حقيقية، مضيفًا أن الأشخاص الموجودين في المشهد السياسي الليبي هم أشخاص أمر واقع، ولذلك نطالب دائمًا باعادة تجديد الشرعية عن طريق صناديق الاقتراع.
تفاهمات إقليمية جديدة
بدوره، يوضح زهير أبو عمامة، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الجزائر، أن القمة العربية المنعقدة في الجزائر، وضعت في سلم أولوياتها، بعد القضية الفلسطينية، البحث في كيفية استعادة زمام المبادرة للإسهام في ايجاد تسوية توافقية للأزمة الليبية.
ويقول أبو عمامة، إن طول أمد الأزمة سيكون أحد أسباب تعقيداتها، بحيث تحوّلت الأزمة الليبية إلى معضلة حقيقية، لكنه يشير في الوقت نفسه، إلى أن كلام حفتر يُقرأ على أنه محاولة لإبراز أنه لا يزال رقمًا صعبًا، حيث يشعر أن البساط يُسحب من تحته، مع وجود مبادرة جديدة في القمة العربية لحل الأزمة الليبية، وأن الجزائر ومصر متفقتان على أن العودة إلى القتال خط أحمر.
ويشدّد أبو عمامة، على أن الجزائر يهمّها أمن ليبيا بالكامل، وأمن المنطقة كلها، مضيفًا أن قاعدة التفاهمات بين الأطراف الإقليمية تقوم على العودة إلى ما قبل إطلاق حكومة باشاغا.
دعوة برلمانية إلى كشف أسماء متورطين في قضايا فساد
طالب أعضاء بمجلس النواب الليبي، مكتب النائب العام وديوان المحاسبة، بالإفصاح عن أسماء الشخصيات العامة والموظفين المتورطين في قضايا فساد، التي كشفت عنها الجهتان خلال الفترة الأخيرة.
وكانت آخر تلك القضايا ما أعلنته النيابة العامة، حين جرى إيقاف “المكلف بوزارة الخارجية” في حكومة طرابلس، حيث أفضت تعليماته إلى صرف مليون و925 ألف دولار في غير الغرض المخصص لها.
124 متهما
ودعا عضو مجلس النواب عبدالمنعم العرفي، النائب العام المستشار الصديق الصور، بالكشف عن أسماء 124 شخصية أشار إليها في تقارير حول وقائع فساد، أفصح عنها مؤخرا، مؤكدا أن الشعب الليبي يملك الحق في معرفة من “خان الأمانة وسرق قوته”.
أشار العرفي، إلى أن عددا من النواب اقترحوا أن يمثل رؤساء الأجهزة الرقابية أمام البرلمان دون استثناء، وذلك من أجل كشف الحقيقة والتجاوزات ووقائع الفساد، وأكد أهمية المساءلة من أجل ضبط عملية إنفاق المال العام وإيقاف التجاوزات.
تحريك دعاوى
يتفق عضو مجلس النواب يوسف عبدالسلام علي الفرجاني، مع أهمية لعب مجلس النواب دورا في الضغط لتحريك دعاوى قضائية تطارد الفاسدين، وذلك بالتنسيق مع هيئة الرقابة الإدارية والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد باعتبارهم جهات رقابية تتبيع المجلس.
لكن الأزمة الأكبر في أن تلك الوقائع والجرائم، من الاستيلاء على الأموال العامة، ارتكبت “أمام الناس” دون خوف من المساءلة أو المحاسبة، ما يعد علامة على حالة الانهيار التام، كما يوضح الفرجاني، مشيرا إلى التقرير الرقابي الأخير الصادر عن ديوان المحاسبة عن العام 2021، وما احتواه من تجاوزات في عدة قطاعات.
لا معلومات عن التحقيقات
شملت التحقيقات في وقائع الفساد عدة قطاعات، سواء التعليم والصحة والثقافة وغيرها، حيث جرى استدعاء عدد من المتهمين، وحبسهم احتياطيا بتهم الفساد والإهمال، لكن جرى في النهاية إطلاق سراحهم، كما يقول عضو مجلس النواب، صالح أفحيمة.
ويستغرب أفحيمة من عدم توضيح التفاصيل الكافية حول تلك التحقيقات، وكيف كانت الإجراءات، والنتائج التي وصلت إليها، وكل ما حدث أن عددا من المسؤولين جرى إيقافهم لفترة ثم تركوا، وعاد بعضهم بالفعل لممارسة مسؤولياتهم، دون توضيح لما حدث، وعقب هذه القضايا مهمة وتتعلق بنهب أموال الليبيين، ولا بد من كشف ملابساتها.
وأورد ديوان المحاسبة في تقريره السنوي وقائع “إهدار مال عام” في عدة قطاعات، في ظل تصاعد كبير في الإنفاق الحكومي، مع عدم التزام جهات إدارية بتوجيهاته بخصوص التعاقدات وأوجه الصرف.
وقد جاء تقرير صادر عن هيئة الرقابة الإدارية مؤخرا متوافقا مع الملاحظات الواردة لدى الديوان، وبالمثل خرج النائب العام قبل فترة ليفصح عن وجود قضايا فساد عديدة يباشرها مكتبه، ومنها على سبيل المثال، استيلاء 2543 شخصا على 24 مليونا و107 آلاف دولار من منظومة بيع النقد الأجنبي للأغراض الشخصية، دون وجه حق.