المجتمع

متسولون يستنزفون جيوب المواطنين

ظاهرة "التسوّل" بأساليب حديثة تغزو شوارع تلمسان

انـتـشـرت في الآونة الأخيرة بعدد من شوارع ولاية تلمسان، خاصة في المدن الكبرى حالة من الفوضى جراء انتشار المتسولين والمتشردين الجزائريين والأجانب بصورة مزعجة وملفتة للانتباه، حيث تحولت مختلف الفضاءات العمومية كالأرصفة والحدائق والمساجد وحتى المقابر إلى أمكنة احتكرها المتسولون من كل الفئات أبدعوا في لغة الاستعطاف لكسب ثقة المارة الذين لا يترددون في “صرف” دنانير عليهم… أطفال رضع يمشون حفاة وعلى حواف طرق السيارات، متسولات يعرقلن حركة المارة على الأرصفة، وبيوت من  “الكرتون” تشوه مناظر المواقع الرئيسية، ملابس منشورة على سياج مؤسسات عمومية وبقايا فضلاتهم في كل مكان.

حيث تعرف ظاهرة المتشردين تزايدا ملحوظا في الشوارع بما تحمله في طياتها من مؤشرات تنذر بخطورة الوضع، خاصة على المارة الذين أصبحوا يتخوفون من الاعتداءات، بعد أن اختلطت فئة المتشردين بين متعاطين للمخدرات ومتسولين ومدمنين على الدعارة، بالإضافة إلى المختلين عقليا، فالمتجول في شوارع العاصمة قد يصادف في طريقه إلى البيت أو العمل فئات من مختلف الأعمار، أطفالا، نساء رجالا ومسنين، يفترشون الأرض في غالب الأحيان، أو قطعا من “الكرتون” أو أي شيء رث على قارعة وزوايا الطرقات أو داخل أقبية العمارات، تحت الجسور، وبجانب المحلات المغـلقة.

 

المتسولون… تتعدّد الأساليب والهدف واحد

ما اكتشفـناه هو أن المتسولين أصبحوا يبدعون في ابتكار فنيات وتقنيات التسول قصد التأثير في نفوس المارة والظفر ولو بقطعة نقدية، فمعظمهم يستخدم عبارات دينية تدعو للمارة بالخير والرحمة، ومنهم من يعتمد وضع وصفات طبية وعلب الأدوية أمامهم، وتحمل النساء معهن أطفالا حديثي الولادة، وآخرين يبدون عاهاتهم وإعاقاتهم الجسدية، وكل هذه الفنيات ترافقها ملامح حزينة وعبارات مؤثرة يجذب المتسولون من خلالها لفت انتباه المارة وإثارة شفقتهم.

“البديل” اقـتـربت من بعض النسوة المتسولات مع أطفالهن لمعرفة الأسباب الحقيقية التي أدت بهن للوصول إلى التسول، فأجمعن في شهاداتهن على أن الفقر يبقى أهم الأسباب التي تدفعهن إلى امتهان التسول، كونهن يعجزن عن تلبية حاجيات عائلاتهن من متطلبات ومختلف المواد الغذائية. كما أكدن على أن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المرفقة بارتفاع القدرة الشرائية التي يعيشونها بمنازلهن أجبرتهن على الخروج مع أطفالهن للتسول، حيث يعجزن حسبهن عن اقتناء أبسط حاجياتهن، وفي هذا الصدد قالت لنا متسولة أرملة وأم لثلاثة أطفال: “أنا فقيرة ولا أجد خيارا آخر غير التسول للحصول على المال والإنفاق على أطفالي، حيث أعجز عن اقتناء أبسط المواد الغـذائية”، وهو ما يعني أن المشاكل العائلية كالطلاق والتعرض لسوء المعاملة سبب رئيسي لخروج النسوة وفلذات أكبادهن إلى التسول في الشوارع وما شابه ذلك، والى جانب ذلك كشف لنا بعض التجار أن بعض المتسولين خاصة منهن النسوة، يمتهنون هذه الحرفة نتيجة تعودهم عليها، كما يحضر متسولون آخرون من مختلف المناطق الأخرى والبلديات المجاورة للتسول، نظرا لغياب السلطات المعنية وعدم تحركها.

يستعطفون المارة لمنحهم بعض الدنانير

ظاهـرة أخرى مبتكرة تتمثل في التسوّل بقوالب متنوعة تعتمد بالأساس على طرق الاستعطاف للإطاحة بأصحاب القلوب الرقيقة واستنزاف جيوبهم بحجة أنهم تائهون وأنهم قدموا من أماكن بعيدة ولا يجدون مالا للعودة إلى المنزل، فـبعـدما وصلتنا أنباء من مواطنين تؤكد غزو أناس غرباء عن الولاية يعتمدون على التسول بطرق مبتكرة بحجة أنهم غرباء ولا يملكون المال للعودة إلى ولاياتهم، ليتبين بعد ذلك أنهم مجرد مجموعات منظمة – وإن صح التعبير- هم شبكات منظمة للتسول وكسب المال بالاحتيال.

توجهنا إلى مدينة مغنية الحدودية أقصى غرب ولاية تلمسان، أين تنتشر هذه الظاهرة بكثرة، لرصد آراء المواطنين في هذه الظاهرة الجديدة للتسول، حيث أكدت لنا احمد أنه تعرض لهذا الموقف، حيث استوقفه رجل في العقد الخامس من عمره يرتدي ثيابا أنيقة مدعي أنه تائه وينحدر من ولاية من ولايات الشرق الجزائري، ولا يملك المال للعودة إلى البيت، ليعطيه حق تذكرة السفر نحو ولايته بدون أي تأخير، لكنه يقول “أحمد” أنه تفاجأ عند رؤيته في اليوم الموالي بنفس المكان وهو يستعطف مواطنين آخرين بنفس العبارات قبل أن يستوقفني المتسول مرة أخرى لكن “احمد” ذكره قائلا له “ألم تعد بعد إلى بيتك ماذا عن المبلغ الذي أخذته مني البارحة”، فإذا به يحمر وجهه خجلا من الموقف الذي وضع نفسه فيه، ويهم مسرعا وكأنه هاربا نحو وجهة مجهولة…”.

من جهته، أفاد “محمد” برأيه من خلال قوله “إنها طريقة جديدة ابتكرها بعض الأشخاص من أجل الحصول على المال، حيث يتموقعون بالأماكن التي تعج بالمارة وخاصة بمحطات نقل المسافرين وأمام مقر الولاية والبلديات وغيرها، يوقفون الناس… يدعـون حاجتهم إلى المال لكونهم قادمين من أماكن بعيدة ولا يملكون مالا من أجل العودة، والغريب أن الكثير من الناس يصدقون رواية هؤلاء، فيما تفطن آخرون إلى أنها كذبة يلجأون إليها لكسب بعض المال بطريقة السرقة والاحتيال…”، أما “سمير” فقال: “هذه الطريقة مبتكرة ومدروسة بالنسبة لهؤلاء المتسولين، فهم لا يظهرون بالثياب الرثة والمظهر المقزز، بل يتمتعون بمظهر جميل وثياب لائقة، غير أنهم يستعطفون الناس بالعبارات والأقاويل وبحجة أنهم لا يقطنون بالولاية وهم ينحدرون من ولايات أخرى ولا يملكون المال للعودة على وجهاتهم، فـبعـد الدعاء والترجي والتوسل يحصلون على المال…”، والغريب في تحقيقنا في هذا الموضوع أننا اكتشفنا أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الفتيات فقط بل إن بعض العائلات بأكملها، أي مكونة من الزوج والزوجة والأبناء تتواجد بالشوارع، وتجدها توهم الناس أنها جاءت من ولايات أخرى في زيارة لأقاربهم أو للعلاج بالمستشفى لكنها لا تملك المال الكافي للعودة.

يؤكـد أحد المسنين أنه في السابق لم نكن نصادف المتسولين بالشارع لأن مثل هذه الأفعال مرادفة للإهانة وخدش كرامة الإنسان، فقد كان الفقراء يكتفون بطرق أبواب المنازل للحصول على المأكل والملبس، لكن اليوم لا يدخل هذا العمل في خانة “الحشمة” بعد أن تفطن المحتالون، فلو مررت بشارع من الشوارع الرئيسية للمدن الكبرى لولاية تلمسان على غرار مغنية، الرمشي، الغزوات، منصورة والحناية…وغيرها، لوقفـت أمام صور واضحة لعائلات بكل أفرادها اتخذت لنفسها أركانا قارة عبر الشوارع وعند مخارج المحلات من أجل بعض النقود، وهذه التصرفات لا تنحصر في الشوارع فقط بعد تتعداها إلى الطريق السريع فغالبا ما يجد السائق نفسه أمام زحمة للمرور بسبب عائلة بكل أفرادها اتخذت من وسط طريق السيارات مكانا للفت انتباه المارة للمطالبة بصدقة غير مبالية بالخطر الذي يهددها، كما يؤكد “حسين” أنه رأى في أحد الأيام بحافلة لنقل المسافرين عجوزا متقدمة في السن أخرجت من حقيبتها الرثة كيسا بلاستيكيا ممتلئا عن آخره بالنقود من فئة 10 و20 دج قدمته لقابض الحافلة بغرض استبداله بأوراق نقـدية.

أمــيــر. ع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى