الحدث

مؤتمر الصومام 20 أوت 1956.. المنعطف الحاسم في تاريخ الثورة الجزائرية

يعد مؤتمر الصومام الذي إنعقد في 20 أوت 1956 بقرية إيفري بواد الصومام بولاية بجاية الحدث الأكثر أهمية في تاريخ الثورة المسلحة بحيث استطاع جيش التحرير أن يستثمر خبرة عشرين شهرا مضت على الحرب ويضع تنظيما سياسيا وعسكريا محكما للثورة الشيء الذي أعطاها دفعا جديدا نحو طريق الحرية والاستقلال.


 

لقد كان مؤتمر الصومام إجراء ضروريا لوضع الخطط العريضة لمستقبل الكفاح المسلح و لإيجاد حل سلمي للنزاع بالإضافة إلى أن انعقاده كان ضروريا لتزويد الثورة بقيادة مركزية موحدة بهدف تنظيم الكفاح المسلح وتحديد القواعد السياسية والإيديولوجية التي تتحكم في مسار المعركة وتوجهها وكذا تدارك النقائص خاصة في ما يتعلق بمجال التموين، التحويل والاتصال ومن الظروف التي دعت إلى عقد هذا الاجتماع.

حيث ساهمت المعارك التي شهدتها تلك الفترة في الرفع من معنويات أفراد جيش التحرير وكان للهجوم على الشمال القسنطيني تأثيرا على سيرورة الأحداث وانعقاد المؤتمر التاريخي الذي ساهم في تعميم الثورة على مستوى كامل التراب الوطني وفق قواعد متينة وفي إطار تنظيمي محكم نجم عنه فك الحصار على منطقة الأوراس و سمح بالربط بين الولايات.

وبعد سلسلة من الاتصالات جمعت بين القادة تم الاتفاق على عقد المؤتمر بالمنطقة الثالثة و بالضبط في “أوزلاقن” وذلك لعدة اعتبارات أهمها أن قرية إيفري محصنة كونها تقع في أحضان الجبال داخل غابة “أكفادو” الكثيفة إلى جانب تغلغل الثورة في أوساط سكان القرية ومن ثم فإن اختيار المكان لم يكن إعتباريا بل كان تحديا للسلطات الفرنسية التي طالما كانت تزعم السيطرة الكلية على المنطقة ورسالة تأكيد من الثوار مفادها استمرار الكفاح للنهاية.

كما تزامن انعقاد المؤتمر مع انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، هذه المناسبة التي اختارتها جبهة التحرير الوطني هي تذكير للمجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه الشعب الجزائري وحقه لتقرير مصيره طبقا للفقرة رقم (1) و(55) من ميثاق الأمم المتحدة. إلى جانب هذا هناك نقطتين بارزتين حددتا ما يجب أن تكون عليه الدولة الجزائرية في المستقبل هما :

إقرار مبدأ أولوية الداخل على الخارج و أولوية الكفاح السياسي على العسكري داخل الوطن عن خارجه و قد رست أرضية الصومام على إنشاء مجلس وطني للثورة متكون من 34 عضو منهم 17 عضوا دائما و17 آخرون إضافيا

وإنشاء لجنة التنسيق والتنفيذ مع منح المجلس صلاحيات موازية لأي هيئة تشريعية أخرى إلى جانب إنشاء مجالس شعبية وبلدية وتوحيد التنظيم العسكري والسياسي في قيادة موحدة مقسمة على شكل مناطق ونواحي.

لذلك سجل تاريخ 20 أوت 1955 نهاية أسطورة عمليات حفظ النظام و الإدعاءات القائلة أن الجيش الفرنسي “قوة لا تقهر” واعترفت فرنسا مجبرة بأنها تواجه ثورة شعبية حقيقية وصفت في كثير من المرات بأنها مدبرة من قبل قطاع الطرق والخارجين عن القانون و بفضل ثورة الشعب تمكن الثوار من لفت انتباه العالم إلى ثورته وإبراز مدى شرعية الكفاح الذي خاضه الشعب إذ تم تسجيل القضية الجزائرية لأول مرة في جدول أعمال الأمم المتحدة في الدورة التي إنعقدت في نوفمبر 1956.

مما سمح بتدويل القضية الجزائرية وكسب المساندة والدعم من قبل الدول الشقيقة والصديقة ماديا من خلال الإمداد بالأسلحة ومعنويا بالضغط على فرنسا والتنديد بالسياسة الإستعمارية المتبعة في الجزائر.

وكرد فعل حاولت السلطات الاستعمارية تظليل الرأي العام العالمي بخصوص مصداقية الثورة بوصفها أعمالا تقترفها عصابات خارجة عن القانون وسارعت لإيجاد حل لمستعمراتها (تونس والمغرب) اللتان تحصلتا على إستقلالهما سنة 1956م للتفرغ كليا لما أسمته بالمشكل الجزائري.

من منظور آخر فإن هذا المؤتمر سمح بإعادة هيكلة القوات المسلحة التي كانت آنذاك متفرقة حيث تم إنشاء جيش التحرير الوطني كجيش نظامي في مستوى سائر الجيوش يستطيع الرد على الإضطهاد الاستعماري بكل أشكاله (التعذيب، القصف بالنابالم، نفي الشعب إلى المحتشدات…..) وقصد اجتناب كل التباس سواء في المجال العسكري أو السياسي أو الاجتماعي ركزت أرضية الصومام على ما يلي:

التعريف بأهداف الحرب والتي تتعلق بإضعاف الجيش الفرنسي لجعل انتصاره بالسلاح مستحيلا وإضعاف اقتصاده بهدف عرقلة إدارة البلاد ونقل الثورة إلى التراب الفرنسي وعزله سياسيا على الصعيد الدولي والسعي لتدويل القضية الجزائرية وتوسيع حركة التضامن والمساندة. وتقسم التراب الوطني إلى ست ولايات ومن جهة أخرى فإن أرضية الصومام حددت الشروط اللازمة لوقف إطلاق النار ونذكر منها:

(1)- الاعتراف بالدولة الجزائرية كدولة موحدة.

(2)- الاعتراف باستقلال الجزائر وتحقيق سيادتها في كل الميادين بما فيها مجالي الدفاع الوطني و الدبلوماسي.

(3)- إطلاق سراح كل المعتقلين والمسجونين والمنفيين الذين تم اعتقالهم قبل وبعد 1 نوفمبر 1954.

(4)- الاعتراف بجبهة التحرير على أنها الممثل الوحيد للشعب الجزائري والمفاوض الوحيد والمسؤول عن وقف إطلاق النار، هذا وتناول المؤتمر أيضا مسائل أخرى كضرورة إقامة حكومة مؤقتة بالإضافة إلى وسائل الاتصال وأخيرا دور المرأة في الثورة، وهذا تأكيدا على الطابع السياسي والاجتماعي لثورة التحرير .

أحمد الشامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى