تكنولوجيا

لتدعيم إشارات الملاحة في المدن المكتظة.. باحثون يبتكرون حلا ثوريا

في عصر الاعتماد المتزايد على أنظمة التموضع، باتت مشكلة ضعف الإشارات في المناطق الحضرية تشكل تحديا ملحا للملايين حول العالم، حيث تؤثر المباني الشاهقة سلبا على دقة تحديد المواقع، مما دفع فريقا بحثيا نرويجيا لتطوير نظام ملاحي متقدم يحمل اسم “الملاح الذكي”، هذا النظام واعد بتحويل تجربة التنقل في المدن المزدحمة من خلال توفير دقة غير مسبوقة.

 

تعود المشكلة الأساسية إلى ما يعرف باسم “الأودية الحضرية”، وهي المناطق المحاطة بالمباني العالية التي تعترض وصول الإشارات القادمة من الأقمار الاصطناعية بشكل مباشر، مما يؤدي إلى انعكاسها وتشويهها، وبالتالي ظهور مواقع غير دقيقة على الخرائط الإلكترونية، هذه الإشكالية لا تقتصر على المستخدمين العاديين فحسب، بل تمثل خطرا حقيقيا على تقنيات المستقبل مثل المركبات ذاتية القيادة التي تتطلب دقة متناهية لضمان السلامة.

 

نظام متكامل يعيد رسم خريطة الملاحة

 

يعتمد النظام الجديد على 3 ركائز أساسية متكاملة، تبدأ بتحسين جودة الإشارات من مصدرها عبر استخدام تقنية متطورة في معالجة البيانات القادمة من الأقمار الاصطناعية، تتيح هذه التقنية الحصول على تصحيحات فورية دون الحاجة إلى محطات أرضية باهظة التكلفة، مما يجعل النظام اقتصادياً وسهل التطبيق.

أما الركيزة الثانية فتركز على تحسين طريقة استقبال الإشارات، حيث يعتمد النظام على تحليل الموجات اللاسلكية كما تصل إلى الجهاز المستلم، من خلال تتبع طور الموجة الحامل الذي يوفر قياسات أكثر دقة للمسافات، على الرغم من أنه يتطلب وقتاً أطول قليلاً للمعالجة، لكنه يضمن نتائج أفضل في البيئات المعقدة.

وتأتي الركيزة الثالثة متمثلة في الاستفادة من قواعد البيانات ثلاثية الأبعاد التي توفر معلومات مفصلة عن أشكال وأبعاد المباني في آلاف المدن حول العالم، حيث تستخدم خوارزميات متطورة هذه المعلومات للتنبؤ بمسارات انعكاس الإشارات وتصحيح الأخطاء الناتجة عنها.

 

نتائج مبهرة وتطبيقات واعدة

 

أسفرت الاختبارات الميدانية للنظام في شوارع مدينة نرويجية عن نتائج استثنائية، حيث تجاوزت دقته كل التوقعات، وتمكن من تحديد المواقع بهامش خطأ لا يتجاوز 10 سنتيمترات في 90 بالمائة من الحالات، هذه الدقة المتناهية تشكل قفزة نوعية في مجال الملاحة الحضرية، خاصة أنها تحققت باستخدام تقنيات اقتصادية تناسب الأجهزة الذكية الشائعة.

يتميز النظام بقدرته على دمج multiple مصادر للبيانات، بما في ذلك الشبكات اللاسلكية والخلوية وأجهزة الاستشعار المدمجة في الهواتف الذكية، مما يجعله حلاً شاملاً لمشاكل الملاحة في المناطق الصعبة، كما يفتح الباب أمام تطبيقات جديدة في مجالات متعددة، بدء من أنظمة النقل الذكية ووصولاً إلى خدمات الطوارئ والإنقاذ.

يشير المطورون إلى أن هذه التقنية يمكن أن تحدث ثورة في مجال التنقل الذكي، حيث ستسهم في تعزيز سلامة المركبات المستقلة وزيادة كفاءتها، كما ستوفر حلاً عملياً لمشاكل الملاحة اليومية التي يعاني منها ملايين المستخدمين حول العالم، دون الحاجة إلى استثمارات باهظة أو بنى تحتية معقدة.

مستقبل واعد لتقنيات التموضع

 

يمثل هذا الابتكار خطوة مهمة towards حل إحدى أكبر العقبات التي تواجه تطور أنظمة الملاحة الحديثة، حيث يجمع بين الدقة العالية والتكلفة المنخفضة وسهولة التطبيق، مما يجعله مناسباً للانتشار على نطاق واسع.

تعمل الشركات التقنية الكبرى بالفعل على تطوير حلول مماثلة، حيث أطلقت إحدى هذه الشركات خدمة جديدة لمستخدمي أنظمتها تعتمد على النماذج ثلاثية الأبعاد للمباني لتحسين دقة التموضع، لكن النظام النرويجي يتميز بكونه أكثر شمولية ودقة.

يؤكد الباحثون أن هذا التطور سيسرع من وتيرة اعتماد التقنيات الذكية في المدن الحديثة، وسيسهم في رفع كفاءة أنظمة النقل الذكية، كما سيساعد في تحسين تجربة المستخدمين العاديين من خلال توفير معلومات ملاحية دقيقة وموثوقة، مما يضع أساسا متينا للمدن الذكية في المستقبل.

يتطلع الفريق البحثي إلى تعميم هذه التقنية على نطاق أوسع، حيث يعملون على تطوير تطبيقات عملية تتيح الاستفادة منها في مختلف المجالات، من التنقل الشخصي إلى التطبيقات الصناعية المتخصصة، مما يبشر بعهد جديد في عالم أنظمة التموضع والملاحة.

بن عبد الله ياقوت زهرة القدس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى