خاص

” لا أحد يستطيع أن ينكر الجهد الكبير الذي قامت به الجزائر لصالح القضية الفلسطينية “

مديرة مكتب جريدة الشرق الأوسط بواشنطن، "هبة القدسي" لِـ "البديـل":

▪ رغم الفيتو الأمريكي الذي دائماً ما أحبط دعوات الجزائر في الأمم المتحدة إلا أنها مازالت تواصل الضغط .

▪  المحكمة الجنائية الدولية لا تملك ذراعاً تنفيذياً لتنفيذ أحكامها الصادرة ضد إسرائيل.

 

بداية، دعينا نبدأ من نقطة الرفض الأمريكي لعضوية كاملة لفلسطين في مجلس الأمن ، ماذا وراء الفيتو الأمريكي ؟

الفيتو الأمريكي ضد عضوية كاملة لفلسطين في مجلس الأمن تقرر وسيتقرر، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعهدت بالتصويت ضد أي قرار بالأمم المتحدة يسعى لمنح فلسطين العضوية الكاملة في المنظمة الدولية، والسفير الأمريكي روبرت وود نائب السفيرة برين فيلد، قال إن الولايات المتحدة الأمريكية ستواصل معارضة هذه الإجراءات لأن وجهة النظر الأمريكية هي أن إقامة دولة فلسطينية لابد أن تأتي من خلال مفاوضات مباشرة تفضي إلى حل الدولتين بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، وليس بتحركات أحادية عبر أروقة الأمم المتحدة الأمريكية لذا جاء التصويت الجمعة الفارطة بأغلبية 143 صوتا مقابل 9 أصوات معارضة وامتناع 25 عضواً آخر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ورغم التفاؤل بهذه الأغلبية الساحقة في التصويت لصالح عضوية فلسطين، إلا أن الضغوط الأمريكية على 25 دولة وأيضاً على 9 أعضاء الذين صوتوا بالمعارضة تشير إلى عرقلة أمريكية مستمرة وستستمر خلال الفترة القادمة حتى إن عاد القرار مرة أخرى إلى مجلس الأمن الدولي.

كانت هناك محاولات كثيرة للقفز على المخاوف من إقدام الولايات المتحدة على التصويت بالفيتو، وأيضاً من الضغوط الأمريكية التي مارستها على دول أخرى ولذا كان هناك تغييرات في المسودة الأصلية لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة أكثر من مرة، وفي محاولة للتخطي أو لنقل تعويض دولة فلسطين عن الفيتو الأمريكي المتوقع كان هناك نوع من المزايا التي منحتها الجمعية العامة للأمم المتحدة للجانب الفلسطيني هو ما يتعلق بالحق في اتخاذ أعضاء في مجلس الجلسات العامة واللجان الرئيسية للجمعية العامة للأمم المتحدة ، الحق في المشاركة في فعاليات الأمم المتحدة والاجتماعات الدولية بما يتماشى مع المستويات الرفيعة للأمم المتحدة ، لكن لا يزال (لا يحق) للجانب الفلسطيني باعتبار فلسطين دولة مراقبة لا يحق لها التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو التقدم بترشحها لعضوية أجهزة الأمم المتحدة .

ما رأيك في الخطوة الإيجابية التي قامت بها جنوب إفريقيا برفع دعوى قضائية ضد إسرائيل؟ وهل المحكمة الجنائية كانت منصفة حقاً ؟

بالنسبة للخطوة الإيجابية التي قامت بها جنوب إفريقيا برفع دعوى قضائية ضد إسرائيل، كانت بالفعل دعوى قانونية مهمة للغاية ومستندة إلى قواعد وأسس قانونية تتعلق باتهام إسرائيل بارتكاب انتهاكات لاتفاقية الإبادة الجماعية التي وقعت عليها إسرائيل في عام 1948 ، وبالتالي جنوب إفريقيا طالبت المحكمة الجنائية الدولية بالاتخاذ تدابير مؤقتة لوقف العمليات العسكرية ومنع إسرائيل من ارتكاب أفعال محظورة وفقاً لهذه الاتفاقية، خاصة ما يتعلق بالنصوص المنصوص عليها في الاتفاقية من أعمال القتل والأضرار الجسدية والعقلية الجسيمة.

طالبت جنوب إفريقيا المحكمة بأن تضع على إسرائيل ضمانات لعدم القيام بارتكاب هذه الأفعال و منع ارتكاب جرائم إبادة جماعية وتسهيل عمل الإغاثة الإنسانية لغزة، وبالفعل جاء قرار المحكمة الجنائية الدولية بمطالبة إسرائيل بوقف كل العمليات التي قد تنتهك هذه الاتفاقية لكنها في الوقت نفسه لم تفصل فيما كانت إسرائيل ارتكبت جرائم إبادة جماعية أم لا، ولم تستجب لطلب جنوب إفريقيا بأن تأمر المحكمة بوقف إطلاق النار في فلسطين، ورغم ذلك هناك تلويح بأن تكون هناك قرارات بإصدار أوامر اعتقال ضد قادة إسرائيليين بمعنى أن مسؤول إسرائيلي حينما يحط الرحال أو يسافر إلى أي دولة أجنبية على سبيل المثال إذا سافر إلى بريطانيا فإن على هذه الأخيرة أن تقوم بعملية تسليم هذا المسؤول إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ورغم أن قرارات المحكمة الجنائية الدولية، قرارات على المستوى الدولي إلا أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك ذراعاً تنفيذياً لتنفيذ هذه الأحكام ويكون الأمر خاضعاً لإرادة الدول الأعضاء في مساعدة المحكمة في تنفيذ هذه الأحكام ، لكن في نهاية الأمر ما صدر من المحكمة ضد إسرائيل له تأثير على صورتها على المستوى الديبلوماسي، وعلى صعيد الرأي العام العالمي، لكن المحكمة الجنائية الدولية تواجه ضغوطاً من الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير وتهديدات من إسرائيل إذا تم بالفعل أي إجراءات لتهديد القادة الإسرائيليين وتهدد إسرائيل بالقيام بإجراءات تصاعدية ضد السلطة الفلسطينية منها تجميد عائدات الضرائب الممنوحة للسلطة الفلسطينية، وبالتالي هذا التجميد قد يؤدي إلى إفلاس السلطة التنفيذية وشل قدرتها على الحركة بشكل كبير، هناك أيضاً توجهات داخل الولايات المتحدة الأمريكية من المشرعين الجمهوريين لإصدار تشريع ضد المحكمة الجنائية الدولية يشكك في اختصاص المحكمة الجنائية في مسألة النظر في هذه القضية ، هناك ازدواجية في توجهات الولايات المتحدة الأمريكية لأن الأمريكيين رحبوا بقرارات المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكنهم الآن يساندون إسرائيل ويمنعون أي قرارات ممكن تؤثر على القادة الإسرائيليين وهم هنا يحاولون التملص من هذه المقارنة والإصرار على أن المواقف مختلفة وأنه لا يمكن مقارنة التفاح بالبرتقال كما يقال في الأمثلة الأمريكية، ووصفا لهجمات حماس في السابع أكتوبر أنها كانت سبب للرد الإسرائيلي ، و يروجون أن لإسرائيل سلطة قضائية مستقلة وقادرة على مقاضاة أي نتهاكات، وبالتالي هناك فارق كبير بين توجهات المحكمة فيما يتعلق بروسيا وتوجهاتها فيما يتعلق بإسرائيل .

هل تعتقدين أن الغرب ينظر للواقع في فلسطين بنفس الاهتمام الذي يوليه لأوكرانيا؟

بالنسبة لنظرة الغرب إلى كل من الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية في غزة بالتأكيد هناك الكثير من الشواهد التي تشير إلى ازدواجية المعايير لأن الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت موقفاً حاسماً و صارماً ضد احتلال روسيا لأراضي أوكرانيا، بينما لم تتخذ أي موقف مشرف بنفس الصرامة والحسم ضد احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وضد القصف المتواصل لقطاع غزة ، وعلى مدى الشهور الماضية كافحت إدارة بايدن في التفرقة ما بين الحربين وإرساء نوعية من الأرضية الأخلاقية في إدانة روسيا التي قامت بالمبادرة بانتهاك سيادة دولة أخرى وقتل المدنيين وبين مساندة إسرائيل في حربها ضد حركة المقاومة حماس التي تصنفها الولايات المتحدة الأمريكية جماعة إرهابية وأن حماس هي التي قامت بهجوم السابع أكتوبر الماضي تم تشبيهه بهجمات 11 سبتمبر حتى يتم اختلاق نوع من التعاطف الغربي مع إسرائيل ، وقد لاقت هذه الحجة نوعا من الصدى في الدول الغربية لكنها بكل تأكيد لم تجد أي قبول في بقية دول العالم خاصة أن عدد القتلى من المدنيين في غزة تجاوز 35 ألف شخص على مدى 7 أشهر فقط، بينما لم يتجاوز عدد القتلى المدنيين في أوكرانيا وروسيا على مدى الحرب المستمرة منذ أكثر من 50 شهر مثل هذا العدد، كذلك احتضان الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل سياسيا ودبلوماسياً وعسكرياً أدى إلى اتهامات واسعة للولايات المتحدة بالنفاق، وبالتالي هذه الاتهامات صدرت من عدة دول من بينها دول في منطقة الشرق الأوسط وانتقادات لقادة عرب مثل الرئيس السيسي والملك عبد الله ملك الأردن وأيضا وزير الخارجية السعودي فيصل فرحان الذين وصفوا نهج الولايات المتحدة الأمريكية بالنهج مزدوج المعايير، وأن الولايات المتحدة تطالب بتطبيق القانون بشكل انتقائي ينطبق على روسيا و لا ينطبق على إسرائيل، وهذه الاتهامات لم تنحصر على دول من الشرق الأوسط بل صدرت كذلك من دول أخرى من شرق ٱسيا مثل الهند وإندونيسيا والصين وأيضا دول في الشرق اللاتيني مثل البرازيل والأرجنتين وكل هذه الانتقادات بازدواجية المعايير ستجعل محاولات أمريكا لحشد المجتمع الدولي في فرض عقوبات ضد روسيا أمرا صعباً للغاية نتيجة هذه الاتهامات .

هناك كذلك جانب في هذه المساحة الأخلاقية ، لأن هناك اعتقاد بدأ يتزايد بأن الغرب يهتم أكثر باللاجئين الأوكرانيين و معاناتهم أكثر من معاناة اليمنيين في اليمن و الفلسطينيين في غزة و السودانيين و السوريين .

أيضاً الحرب الإسرائيلية في غزة جاءت في صالح روسيا لأنها أبعدت الأنظار عن الأحداث في أوكرانيا إلى حد كبير، أيضاً الرئيس الروسي فلديمير بوتين وصف الحصار الإسرائيلي على غزة بحصار مدينة ليلينغراد في الحرب العالمية الثانية و هذا التشبيه له رمزية سياسية و هالة روسية مقدسة و هذا أدى إلى وقوف روسيا و الصين ضد محاولات الولايات المتحدة الأمريكية بإدانة حماس في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وانتقدت كل من روسيا والصين قيام إسرائيل بقطع المياه والطعام وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية وانتقدت سقوط الآلاف من القتلى المدنيين الفلسطينيين، ودعت كل من بيكين وموسكو إلى وقف إطلاق النار وبالتالي هذه الحرب أحدثت شقاق كبير وأدت إلى أتساع فجوة الاستياء من سياسات الولايات المتحدة الأمريكية.

قبل أقل من ستة أشهر عن موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبعد تراجع شعبية الرئيس جو بايدن بسبب دعمه وانحيازه الواضح لإسرائيل، هل تتوقعين فوزه بعهدة ثانية ؟

بالنسبة للانتخابات الرئاسية الأمريكية هناك بالطبع تراجع لشعبية الرئيس جو بايدن و بحسب استطلاعات الرأي فإن الرئيس السابق دولند ترامب يتقدم في 5 من الولايات المتأرجحة والتي تعد ولايات حاسمة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة ، لكن الفارق في تقدم ترامب على الرئيس بايدن هو فارق يتراوح بين نقطة إلى ثلاث أو ستة نقاط فقط رغم ما يعانيه الرئيس السابق ترامب من ملاحقات قضائية، خاصة الجلسات الحالية في ولاية نيويورك المتعلقة بقضية أموال الصمت التي قد تكون العقوبة فيها مؤثرة على حملة الرئيس السابق ترامب ، لكنه في الوقت نفسه استطاع تأجيل المحاكمات والقضايا الثلاث الأخريات إلى أجل غير مسمى، وبالتالي لم تتأثر استطلاعات الرأي، يعني أن ترامب لا يزال لديه كثلة راسخة وصامدة من المناصرين في المقابل مازال القلق حول مسألة عمر الرئيس بايدن البالغ 81 عام مستمراً لدى الناخبين الديمقراطيين و ما يتعلق بقدراته الذهنية و البدنية على القيام بمهامه لمدة أربع سنوات قادمة .

الديبلوماسية الجزائرية لعبت دور كبير في المطالبة بالحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني ومنها حقه في تقرير مصيره ونيل عضوية كاملة في مجلس الأمن، ما تعليقك ؟

لا أحد بالتأكيد يستطيع أن ينكر الجهد الكبير الذي قامت به الجزائر لصالح القضية الفلسطينية سواء قبل أحداث 7 أكتوبر أو بعدها، على سبيل المثال في قمة الجامعة العربية في نوفمبر 2022 كان للجزائر دور كبير في محاولة التركيز على القضية الفلسطينية رغم صفقات التطبيع التي جرت بين بعض الدول العربية و إسرائيل لكن تزايد هذا الجهد الديبلوماسي من قبل الجزائر في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين والضغط من أجل الاعتراف بدولة فلسطين على الساحة الدولية ، في فبراير هذا العام تقدمت الجزائر بمشروع قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة و حشدت الدعم الديبلوماسي لهذا القرار الذي حظي بتأييد 13 عضو من أصل 15 في مجلس الأمن ، وللأسف تم استخدام حق الفيتو من قبل الولايات المتحدة الأمريكية مما عرقل هذا القرار ورغم ذلك حاولت الجزائر مرة أخرى تقديم نص يدعو لوقف مؤقت لإطلاق النار و مازالت الجزائر تواصل الضغط من أجل وقف إطلاق النار و وقف إراقة دماء الفلسطينيين ودعا وزير الخارجية أحمد عطاف إلى الاعتراف الكامل بدولة فلسطين كدولة مشاركة في عضوية الأمم المتحدة، لكن مازالت العرقلة الأمريكية تؤدي إلى وقف هذا الجهد الديبلوماسي وبالتالي عرقلة أي مسارات للاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية لكن رغم كل هذه العراقيل تظل الجزائر ملتزمة بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية والإسرار على التوصل إلى حل سلمي للصراع .

أخيراً.. هل تتوقعين توصل المجتمع الدولي لحل عادل للقضية الفلسطينية ؟

هناك سرديات عديدة تتعلق بإشكالية ما الحل العادل للقضية الفلسطينية، الإدارات الأمريكية خاصة الديمقراطية منها ترى حل الدولتين كفكرة لحل الإشكالية لكن هناك سردية أمريكية بين الجمهوريين بصفة خاصة تقول أنه تم تقديم فكرة إقامة دولة فلسطينية على مدى عدة عقود و رفضها القادة الفلسطينيين، خطط التقسيم الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1947 نصت على دولتين دولة عربية ودولة عبرية منفصلة و قبلت إسرائيل بهذا التقسيم لكن الدول العربية رفضتها مما أدى إلى الحرب في سنة 1948، أيضا قرار قمة الخرطوم 1967 التي جاءت بفكرة لا سلام مع إسرائيل لا مفاوضات معها .

حاورها : عز الدين بن أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى