
في خضم سباق دول العالم المحموم لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي لضمان عدم التأخر عن الركب، دعا مسؤولون إلى اتباع منهج متأن في التعامل مع تبعيات انتشار هذه التقنية الحديثة على اقتصادات الدول وأسواق العمل وميزانياتها العالمية.
سلط المشاركون في جلسة حوارية مخصصة لمناقشة تحديات الذكاء الاصطناعي تحت عنوان تعزيز نمو الإنتاجية في العصر الرقمي الضوء على التحديات التي يتعين على حكومات الدول معالجتها، والمقومات التي يجب توفرها عند تطبيق التكنولوجيا الجديدة. ضمت الجلسة كلاً من “كريستاليناغورغييفا” مديرة صندوق النقد الدولي، و”محمد الجدعان” وزير المالية السعودي ورئيس اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية التابعة لصندوق النقد الدولي، “وروث بورات”، الرئيس والمدير التنفيذي للاستثمار في شركتي “ألفابت” و”جوجل”، و”توني أو إلوميلو” رئيس مجلس إدارة مجموعة “هيرز” القابضة، و”سيمون جونسون” الأستاذ في كلية سلون للإدارة التابعة لمعهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا.
أعرب “الجدعان” عن تفاؤله، محذر بشأن اعتماد الذكاء الاصطناعي حول العالم، مشيرا إلى أن هذه التكنولوجيا ستخلق فجوة حقيقية متزايدة بين الدول المختلفة، ومن ناحية أخرى، داخل الدول نفسها، وهذه الفجوة تتسع بالفعل، مما يخلق تحديات كبيرة داخل الدول.
وعن التحديات التي يجب أن تتعامل معها الحكومات مع زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، قال “الجدعان” إن الأشخاص سيشعرون بأنهم متخلفون عن الركب، لذا على الحكومات العمل على ضمان إتاحة الفرصة للمواهب لإعادة تأهيلها، خاصة أن الوظائف ستتأثر مع انتشار هذه التكنولوجيا. في ظل زيادة إقبال الحكومات خلال الفترة الماضية على الذكاء الاصطناعي، أضاف “الجدعان” أن الحكومات عليها توخي الحذر في كيفية إنفاق المال العام وأموال الضرائب عبر مساءلة الشركات التكنولوجية، بخصوص الحوافز التي تحصل عليها من أموال الشعوب.
الفجوة التكنولوجية وتداعياتها على الأسواق العالمية
أشارت مديرة صندوق النقد الدولي “كريستاليناغورغييفا”، إلى وجود فجوة ضخمة في جاهزية الدول لتبني الذكاء الاصطناعي، معربة عن توقعها أن تؤثر هذه التقنية على أسواق العمل حول العالم، حيث من المتوقع أن تتأثر 60 بالمائة من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة خلال السنوات القادمة، على أن تتأثر 40 بالمائة من الوظائف في الأسواق الناشئة.
وأضافت أن هذا يعني أنه سيكون هناك تحسن في الإنتاجية وتحويل كبير للوظائف، إنه تسونامي يضرب سوق العمل، فهل نحن جاهزون، لست متأكدة.وأوضحت “غورغييفا” أن مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي يصنف الدول بناء على 4 معايير أساسية وهي توافر البنية التحتية الفعلية الحقيقية، والمهارات في سوق العمل، ومدى انتشار الابتكار في الاقتصاد، واللوائح والتنظيمات.
وبحسب هذا التصنيف، جاءت الاقتصادات المتقدمة الثرية، وتلك الغنية بالطاقة من الأسواق الناشئة في المراتب الأولى، في حين جاءت الدول ذات الدخل المتدني والنامية في المراكز المتأخرة. وأعربت “غورغييفا” عن قلقها إزاء العديد من التحديات التي تواجه الدول، معتبرة أن الأولوية القصوى للاقتصادات النامية هي البنية التحتية والمهارات، مشيرة إلى أن نصف سكان إفريقيا محرومون من الكهرباء، وهذا أمر غير مقبول إذا أردنا أن يكون العالم أكثر تقارباً لا تباعداً. كما أشارت إلى ضرورة الاهتمام بمسألة التنظيم والشبكات، مؤكدة على أهمية معالجة هذه التحديات لضمان تحقيق الاستفادة القصوى من تقنيات الذكاء الاصطناعي دون توسيع الفجوة بين الدول.
النهج الانتقائي في مواجهة الضجيج الإعلامي
أكد “الجدعان” في مقابلة على هامش الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك وصندوق النقد الدوليين، على ضرورة تبني نهج انتقائي في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، مستعرضاً التجربة السعودية في هذا المجال، مشيراً إلى أنهم لا يسايرون الضجيج الإعلامي، معتبرا أن محاولة بعض الدول القيام بكل شيء بالذكاء الاصطناعي هو خطر بالغ.
وأوضح أنه يتعين على الدول أن تكون انتقائية للغاية في تحديد أي جزء من سلسلة قيمة الذكاء الاصطناعي تتمتع فيه بميزة تنافسية، وأن تضاعف جهودها، وهذا ما تفعله المملكة العربية السعودية. كما ألمح وزير المالية السعودي إلى ضرورة اهتمام الحكومات بالتعليم، مؤكداً أن الأمر لا يتعلق بالمناهج التي يتم دراستها، بل بتحضير الطلاب ليكونوا قادرين على التعلم، وضمان تحضير المنظومات التعليمية بطريقة تجعل الطلاب أكثر تكيفاً وقابلية على تعلم المهارات الجديدة.
واتفقت مديرة صندوق النقد الدولي مع وجهة النظر هذه، معتبرة أن الاستثمار في التعليم وإعادة تأهيل المهارات يمثلان حجر الزاوية في الاستعداد لموجة الذكاء الاصطناعي القادمة. وأكدت على أهمية تطوير المنظومات التعليمية لتواكب متطلبات العصر الرقمي، مع التركيز على بناء القدرة على التعلم المستمر والتكيف مع المهارات المتغيرة. كما شددت على ضرورة أن تعمل الحكومات على تهيئة بيئة تنظيمية متوازنة تشجع الابتكار مع حماية مصالح المواطنين، وأن تستثمر في البنية التحتية الرقمية التي تمثل الأساس لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال وآمن.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله