
بعد غياب دام أكثر من 4 سنوات عن القمة، استعادت “هواوي” صدارتها في سوق الهواتف المحمولة في الصين خلال الربع الثاني من العام الجاري. متفوقة على منافسين كبار مثل “أبل” و”شاومي”. حيث تمكنت من بيع ما يقارب اثني عشر ونصف مليون جهاز في تلك الفترة. مما منحها حصة سوقية تقدّر بحوالي ثمانية عشر فاصل واحد بالمائة. هذا الصعود المثير يأتي رغم أن الشركة كانت تمر بمرحلة صعبة تخللتها قيود وعقوبات. جعلت الكثيرين يشككون في قدرتها على العودة من جديد.
منذ عام 2019. واجهت الشركة عقبات ضخمة نتيجة قرارات اتخذتها الولايات المتحدة. إذ فرضت الأخيرة قيودًا صارمة على إمكانية “هواوي” الحصول على تقنيات معينة تدخل في تصنيع أجهزتها. الأمر الذي دفعها إلى الاعتماد على نفسها في تطوير مكوناتها ومعداتها الخاصة.
هذا التحدي الكبير لم يمنعها من التقدم، بل كان حافزًا لها لتثبت أن بإمكانها الوقوف على قدميها من جديد رغم الحصار المفروض عليها. وعلى الرغم من اتهامات وجهت لها بشأن استخدام أجهزتها لأغراض تجسسية. إلا أنها أنكرت الأمر مرارًا، وبذلت جهودًا مكثفة لحماية سمعتها محليًا ودوليًا.
سوق مضطرب وقيادة جديدة
ورغم أن السوق الصيني شهد نموًا على مدى ستة أرباع متتالية. إلا أنه خلال هذا الربع الأخير سجل تراجعًا بنسبة 4 بالمائة مقارنة بالعام الماضي. حيث بلغ عدد الهواتف الذكية المتداولة ما يقارب 69 مليون جهاز. هذا الانكماش يأتي في وقت حساس تمر فيه البلاد بظروف اقتصادية غير مستقرة. فالطلب المحلي يعاني من ضعف في الثقة.
والوضع المالي للمستهلكين لم يتحسن بالشكل الكافي. وهو ما أكده “آرثر غو”، أحد المحللين في شركة تحليل البيانات. حين أشار إلى أن أي نمو حقيقي في المبيعات سيظل محدودًا في ظل هذه الأجواء المتقلبة، حتى لو حدث نوع من التهدئة في الصراع التجاري القائم بين الصين والولايات المتحدة.
رغم هذه الظروف، فإن الصعود السريع لهواوي يعبّر عن ثقة متجددة من قبل المستهلك الصيني تجاه المنتج المحلي، ويبدو أن التطورات التقنية التي أدخلتها الشركة في منتجاتها، إلى جانب حملاتها الدعائية الذكية، لعبت دورًا محوريًا في جذب انتباه الجمهور، كما أن موجة الوطنية الاقتصادية التي اجتاحت الصين مؤخرًا دعمت توجه المواطنين نحو الشركات المحلية، وخاصة تلك التي تعرضت لضغوط خارجية، فصار شراء منتجات هواوي يُنظر إليه ليس فقط كخيار تقني، بل كفعل رمزي يدعم سيادة الصين وحقها في التطوير.
تراجع الكبار وثبات المنافسة
من اللافت أيضًا أن الشركات المنافسة لم تتمكن من الحفاظ على مواقعها، وعلى رأسها “أبل”. التي تراجعت إلى المرتبة الخامسة في السوق، بحصة تقدّر بثلاثة عشر فاصل تسعة بالمائة فقط، ويعزى ذلك إلى عدة عوامل. من بينها ارتفاع أسعار أجهزتها مقارنة بالمنافسين المحليين.
بالإضافة إلى تصاعد الخطاب السياسي الذي جعل بعض المستهلكين يعيدون النظر في علاقتهم مع الشركات الأجنبية. كما أن تغير أولويات المستهلك، خاصة مع دخول تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والهياكل المعتمدة على الأنظمة المحلية. أدى إلى تحول تدريجي في الولاء نحو علامات تجارية تقدم قيمة مقابل السعر.
في المقابل، يبدو أن الشركات الصينية الأخرى مثل “شاومي” و”فيفو” ما زالت تحافظ على منافستها القوية. لكنها لم تتمكن من إزاحة هواوي هذه المرة. ما يشير إلى أن المشهد التنافسي في السوق الصيني سيشهد تحولات كثيرة خلال الشهور القادمة، خاصة إذا واصلت هواوي تعزيز قدراتها الذاتية وتوسيع عروضها التقنية.
يمكن القول إن “هواوي” لم تنتصر فقط في سوق الهواتف المحمولة، بل أثبتت قدرتها على الصمود والابتكار في وجه الحصار. كما أنها قدمت نموذجًا عن كيفية تحويل التحديات إلى فرص. وبينما لا تزال المعركة الاقتصادية بين بكين وواشنطن مستمرة. فإن هذه العودة القوية لهواوي تضعها مجددًا كلاعب رئيسي على الساحة العالمية. وتعيد رسم خريطة المنافسة داخل الصين وخارجها.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله