
في خطوة تُعد الأولى من نوعها في عالم التقنية الرقمية، أعلنت شركة “كلاود فلير” عن إطلاق أداة مبتكرة تهدف إلى حماية المحتوى المنشور على المواقع الإلكترونية من الاستخدام غير المصرح به من قبل روبوتات الذكاء الاصطناعي، التي تعتمد على الزحف الرقمي لجمع المعلومات، حيث تُتيح هذه الأداة لصناع المحتوى فرض قيود على وصول هذه الروبوتات إلى صفحاتهم مع إمكانية فرض رسوم مالية مقابل ذلك.
وتأتي هذه الخطوة استجابة لمخاوف متصاعدة بين الناشرين والمواقع الإلكترونية الذين لاحظوا تراجعا في زيارات المستخدمين الفعلية بعد انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، التي تستخرج المعلومات مباشرة من المواقع دون إحالة الزائر إلى المصدر الأصلي مما أثّر على عائدات الإعلانات والإيرادات المباشرة للعديد من المنصات الإعلامية.
وبحسب بيان الشركة، فإن هذه الأداة الجديدة تعتمد على نموذج “الدفع مقابل التصفح” بحيث يختار صاحب الموقع ما إذا كان يرغب في السماح للروبوتات بالوصول إلى المحتوى أو منعها تمامًا أو فرض رسوم مالية على الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي للاستفادة من ذلك المحتوى.
أثر متزايد لأدوات الذكاء الاصطناعي على حركة المواقع
تشير بيانات حديثة إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي باتت تؤثر بشكل مباشر على مصادر الدخل للمواقع الإلكترونية، وخصوصًا تلك التي تعتمد على حركة الزوار القادمة من محركات البحث حيث انخفض معدل الإحالة من محرك “غوغل” إلى المواقع الإلكترونية من نسبة 6 إلى 1 إلى نسبة 18 إلى 1 خلال نصف عام فقط، مما يعني أن الزائر بات يحصل على المعلومة من محرك البحث دون الحاجة إلى زيارة المصدر.
أما بالنسبة لأدوات أخرى مثل تلك التابعة لشركة “أوبن إيه آي”، فقد وصلت نسبة الإحالة إلى مستوى غير مسبوق بلغ 1500 إلى 1 ، مما يُظهر اعتمادًا كثيفًا على المحتوى دون مقابل أو توجيه المستخدم إلى المواقع الأصلية، وهو ما يعد تهديدًا مباشرًا لمستقبل صناعة النشر الرقمي على الإنترنت.
تُعتبر هذه الأرقام مؤشرا خطيرا بالنسبة للناشرين الذين بدأوا يشعرون بأن مجهوداتهم الكتابية ومحتواهم الحصري يُستخدم في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي دون أي عائد مادي، بل وبدون إذن مسبق أو تعاقد قانوني يسمح بذلك.
لهذا وجدت الأداة الجديدة من “كلاود فلير” ترحيبًا واسعًا من مؤسسات إعلامية بارزة ومنصات رقمية كبرى مثل “أسوشيتد برس” و”كوندي ناست” ومواقع التواصل، التي بدأت تواجه مشكلات مماثلة من الاستخدام المكثف لمحتواها من قبل روبوتات الذكاء.
معركة الملكية الرقمية تتصاعد والناشرون يتحركون
مع تصاعد هذه التحديات، بدأت العديد من الشركات الإعلامية والمنصات الرقمية باتخاذ خطوات قانونية لوقف هذا الاستغلال، حيث رفعت بعض الجهات دعاوى قضائية ضد الشركات المنتجة لأدوات الذكاء الاصطناعي مطالبين بتعويضات مالية وتنظيم عملية استخدام المحتوى المنشور على الإنترنت.
من أبرز هذه الدعاوى تلك التي قدمتها صحيفة “نيويورك تايمز” ضد شركتين رائدتين في مجال الذكاء الاصطناعي، بتهمة استخدام الأرشيف الصحفي في تدريب النماذج الرقمية بدون اتفاق، كما رفعت منصة تواصل اجتماعي شهيرة دعوى ضد شركة تقنية أخرى بسبب استخدام مشاركات مستخدميها في تدريب أنظمة الذكاء دون إذن مسبق.
في المقابل، لجأت بعض الشركات إلى التفاوض وعقد اتفاقيات مالية تسمح باستخدام المحتوى في إطار من الشفافية والاحترام لحقوق الملكية الرقمية مثلما حدث بين شركة تقنية كبرى ومنصة معروفة للنقاشات الرقمية، حيث تم توقيع اتفاق يتيح استخدام المشاركات مقابل مادي محدد.
وتؤكد “كلاود فلير”، أن الأداة الجديدة لا تهدف إلى التصادم مع تطور الذكاء الاصطناعي، بل تسعى إلى خلق توازن عادل بين حماية حقوق الناشرين وضمان تطوير مستدام للتقنيات الرقمية وتوفير بيئة شفافة تعترف بقيمة المحتوى، وتكافئ أصحابه بدلًا من استغلالهم بدون مقابل.
ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة نقاشًا واسعًا حول ضرورة تنظيم العلاقة بين صناع المحتوى وشركات الذكاء الاصطناعي، حيث باتت الحاجة ماسة إلى تشريعات حديثة تراعي التطور السريع في هذا القطاع وتحفظ حقوق جميع الأطراف في بيئة رقمية تتطور بوتيرة غير مسبوقة.
ياقوت زهرة القدس بن عبد الله