
أكّد رئيس الجمهورية، السيد “عبد المجيد تبون”، أول أمس، أن الجزائر اليوم تتعامل مع مختلف الرهانات بنفس جديد، أتى ذلك في رسالته عشية احتفالات الذكرى الـ 63 لعيد الاستقلال.
وأبرز الرئيس تطلع الجزائر إلى رفع التحديات بكامل الثقة في قدراتها ومقدراتها الوطنية، وقال رئيس الجمهورية إنّ “بلادنا قطعت أشواطاً متتالية على نهج الجزائر المنتصرة الوفية لمبادئها”. ونوّه إلى حرص الجزائر المرسّخة لمرجعياتها الساعية إلى ترسيخ المواطنة الحقة، وتمكنها بتضحيات بناتها وأبنائها من الانتصار، وأبرز رئيس الجمهورية أنّ ذكرى استقلال واسترجاع السيادة الوطنية “تدفعنا إلى النظر ملياً حول ما يشهده العالم اليوم من تحولات”، وركّز على أنّ “التلاحم والتكاثف والحس الوطني اليقظ، هو أمثل مسلك لتجنيب الأوطان ويلات الهزات والأطماع”.
وأضاف: “على هذا المنحى الوجيه، كان الشعب الجزائري دوما حريصا على التمسك بوحدته ورصّ صفوفه”، وأشاد الرئيس تبون بأن الشعب الجزائري ظلّ عبر مختلف وقفاته التاريخية، عبرةً للشعوب في الولاء للوطن.
وهنّأ رئيس الجمهورية المجاهدات والمجاهدين والجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، والأسلاك الأمنية والنظامية التي تحفظ أمن الوطن والمواطن، ودعا الرئيس أبناء الجزائر إلى البذل والتفاني والوعي بالرهانات تأسّياً بالمبادئ العظيمة التي سار على نهجها شهداؤنا الخالدون.
الجزائر فاعل رئيسي في الساحة الطاقوية الدولية
قطع القطاع الطاقوي في الجزائر منذ الاستقلال، أشواطا كبيرة وواجه تحديات جساما، في سبيل ضمان الأمن الطاقوي وتعزيز مكانة البلاد كمصدر موثوق للطاقة، ما مكنها من التموقع كفاعل رئيسي على الساحة العالمية.
ومنذ استقلالها في 5 يوليو 1962، قامت الجزائر باستثمارات ضخمة في مجال الطاقة، حيث كثفت من مشاريع استخراج وتحويل المحروقات لتلبية الاحتياجات الوطنية والدولية وذلك في إطار رؤية إستشرافية تأخذ بعين الاعتبار مختلف التحديات المستقبلية.
وتميز القطاع من بداياته بقرار استراتيجي هام، تمثل في إنشاء الشركة الوطنية للمحروقات “سوناطراك” بتاريخ 31 ديسمبر 1963، التي أصبحت الركيزة الأساسية للسياسة الطاقوية الوطنية، وفرضت نفسها كقوة قارية رائدة في مجالها، خدمة لتنمية البلاد. كما شكل تأميم المحروقات في 24 فبراير 1971 محطة مفصلية في مسار تطوير القطاع، حيث كرس هذا القرار السيادة التامة على الموارد الطبيعية، ملزما الشركات الأجنبية بالشراكة مع “سوناطراك” للاستثمار في هذا القطاع.
إطلاق استثمارات ضخمة لإنجاز بنى تحتية إستراتيجية
إلى جانب ذلك، تم إطلاق استثمارات ضخمة لإنجاز بنى تحتية إستراتيجية شملت مجالات البترو- كيمياء، والتكرير على غرار المركبات الغازية في أرزيو وسكيكدة، ومصافي تكرير موزعة عبر مختلف ولايات الوطن لضمان تثمين الموارد محليا.
وقد سطرت الجزائر اسمها في تاريخ الطاقة العالمي سنة 1964 عندما أصبحت أول دولة في العالم تصدر الغاز الطبيعي المسال انطلاقا من مركب أرزيو، حيث تحقق هذا الإنجاز التقني في وقت كان فيه هذا النوع من الغاز في بداياته، مما يعكس التقدم الريادي للجزائر في هذا المجال الاستراتيجي.
وتتصدر الجزائر حاليا إنتاج الغاز الطبيعي المسال في إفريقيا، وتحتل المرتبة السابعة عالميا من حيث طاقة التسييل بقدرة تفوق 3ر25 مليون طن سنويا بفضل منشآتها الحديثة وموانئ التصدير ذات الموقع الاستراتيجي. كما تم استثمار مبالغ كبيرة في تطوير شبكات النقل والتوزيع بما في ذلك شبكة واسعة من الأنابيب (أنابيب النفط والغاز) التي تضمن تغطية شاملة للتراب الوطني وتسهل التصدير خصوصا نحو أوروبا.
ولتعزيز الأمن الطاقوي الداخلي، أنشأت الجزائر مراكز تخزين للمحروقات في عدة ولايات، بالإضافة إلى إنشاء محطات توليد الكهرباء ومصانع لإنتاج التجهيزات الخاصة بالقطاع الطاقوي. واليوم، يتمتع أغلب الجزائريين بالولوج إلى الكهرباء والغاز بأسعار مدروسة، ما يعكس إرادة الدولة في تعميم الاستفادة من الطاقة على جميع شرائح المجتمع. وفيما يتعلق بالإنتاج، فقد ارتفعت القدرات بشكل مستمر لتصل إلى 140 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، يوجه منها أزيد من 50 مليار متر مكعب للتصدير.
وعبر شركة “سوناطراك”، فرضت الجزائر نفسها كمصدر أساسي للغاز الطبيعي والمسال خاصة نحو أوروبا ما يعزز صورتها كمورد موثوق وآمن للطاقة. أما على صعيد الاحتياطات، فإن الاكتشافات الأخيرة تفتح آفاقا واعدة لزيادة الإنتاج، حيث تقدر الاحتياطات المؤكدة من المحروقات (النفط، الغاز، المكثفات وغاز البترول المسال) بأزيد من 4300 مليون طن مكافئ نفط، 55 بالمئة منها من الغاز الطبيعي. وفيما يخص الجانب التشريعي، تم اعتماد قانون جديد للمحروقات يهدف إلى جذب الاستثمارات من خلال تقديم تسهيلات عديدة منها الحوافز الجبائية وتبسيط الإجراءات، ما استقطب اهتمام شركات دولية كبرى.
وتوجت هذه السياسة مؤخرا بمنح الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات “ألنفط” تراخيص للاستكشاف والاستغلال في 5 مواقع، لتحالفات من شركات دولية وذلك في إطار مناقصة “ألجيريا بيد راوند 2024″، مما يدل على الجاذبية المتجددة لهذا القطاع.
إطلاق مشاريع بترو- كيميائية قيد الإنجاز بقيمة 7 مليارات دولار
بالإضافة إلى ذلك، توجد عدة مشاريع بترو- كيميائية قيد الإنجاز حاليا بقيمة إجمالية تبلغ 7 مليارات دولار، ومن المقرر أن تدخل حيز الخدمة ما بين عامي 2025 و2029، بحيث ستساهم هذه المشاريع في تعزيز تثمين الموارد الوطنية من المحروقات.
كما تراهن الجزائر على الانتقال الطاقوي من خلال التزامات قوية لتطوير الطاقات المتجددة وتقليل الأثر المناخي لصناعة النفط والغاز. وفي هذا الإطار، تعمل “سوناطراك” على تنفيذ مشاريع لإزالة الكربون بهدف تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة والحد من عمليات الحرق في المشاعل.
يضاف إلى ذلك، برنامج طموح يهدف إلى تركيب 15000 ميغاواط من الطاقات المتجددة بحلول عام 2035 من بينها 3000 ميغاواط قيد التنفيذ حاليا. وفي إطار هذه الديناميكية، يجرى تنفيذ عدة مشاريع لتعزيز الربط الكهربائي مع أوروبا، بالإضافة إلى تطوير شعبة الهيدروجين، خاصة من خلال مشروع “ساوث اشت 2 كوريدور”.
الجزائر تعزز أمنها المائي بمشاريع استراتيجية
أحيت الجزائر الذكرى الـ 63 لاسترجاع السيادة الوطنية، في وقت قطعت فيه أشواطا كبيرة نحو تحقيق أمنها المائي، بفضل مشاريع استراتيجية هيكلية، شملت بناء السدود، تكثيف حفر الآبار وإنشاء 5 مصانع لتحلية مياه البحر، إلى جانب توسيع شبكات توزيع المياه على امتداد ولايات الوطن.
ويصادف إحياء هذا التاريخ المجيد (5 يوليو 1962) هذه السنة، دخول 4 مصانع جديدة لتحلية مياه البحر حيز الخدمة، بعد تدشينها من قبل رئيس الجمهورية، السيد “عبد المجيد تبون” بولايات الطارف (كودية الدراوش)” بومرداس (رأس جنات)، تيبازة (فوكة 2) ووهران (الرأس الأبيض)، فيما ينتظر تدشين مصنع بجاية (تيغرمت-توجة) قريبا، ما من شأنه رفع مساهمة المياه المحلاة في تغطية الاحتياجات الوطنية من 18 إلى 42 بالمائة، في إطار مقاربة وطنية تهدف إلى مواجهة آثار التغيرات المناخية وتقليص الاعتماد على الموارد التقليدية.
وقد تم إنجاز هذه المصانع، بطاقة إنتاجية يومية تبلغ 300 ألف متر مكعب لكل منها، في ظرف قياسي لم يتجاوز 26 شهرا، في إطار المخطط الاستعجالي، ليصل بذلك عدد مصانع تحلية المياه العاملة في البلاد إلى 19 مصنع، بطاقة إنتاج إجمالية تفوق 7ر3 ملايين متر مكعب يوميا، ما سمح بتزويد نحو 15 مليون مواطن بالمياه الصالحة للشرب. وبفضل هذا الإنجاز، أصبحت الجزائر تحتل المرتبة الأولى إفريقيا والثانية عربيا من حيث القدرة الإنتاجية لتحلية مياه البحر.
مشاريع تنجز بكفاءات جزائرية
وعلى خلاف مصانع التحلية التي شيدت مطلع الألفية بالشراكة مع متعاملين أجانب، تم إنجاز هذه الوحدات الجديدة بالكامل بأياد جزائرية، من طرف مؤسسات وطنية تابعة لمجمعي سوناطراك وكوسيدار.
وكان رئيس الجمهورية قد أشاد خلال تدشينه لمصنع التحلية بوهران في فبراير الماضي، بالكفاءات الجزائرية التي أنجزت المشروع، قائلا: “بفضل إرادة الرجال، من العامل البسيط إلى أعلى المسؤولين تم رفع التحدي”، مؤكدا أن الجزائر المستقلة أصبحت تحقق إنجازات كبرى في وقت قياسي وبأحدث التكنولوجيات.
وتتضمن المرحلة الثانية من المخطط الوطني لتحلية مياه البحر (2025-2030) إنشاء 6 مصانع جديدة بكل من سكيكدة، جيجل، تيزي وزو، الشلف، مستغانم وتلمسان، بطاقة إضافية تقدر بـ 8ر1 مليون متر مكعب يوميا، ما سيسمح بتغطية 60 بالمائة من الاحتياجات الوطنية بالمياه المحلاة في أفق 2030. كما تعتزم الجزائر الاستثمار في تطوير إنتاج تكنولوجيات التحلية محليا، لاسيما أغشية التناضح العكسي، بما يعزز استقلالها الصناعي والتكنولوجي في هذا المجال الحيوي.
وفضلا عن تحلية مياه البحر، أنجزت الجزائر على مدار العقود الستة الماضية، أكثر من 80 سدا بسعة تخزينية إجمالية ناهزت 3ر8 مليار متر مكعب، على أن ترتفع هذه السعة إلى 12 مليار متر مكعب في أفق 2030. كما بلغت نسبة التغطية بشبكات مياه الشرب أكثر من 98 بالمائة من السكان، بفضل مشاريع التحويلات الكبرى وآليات الربط البيني بين السدود، في إطار التضامن المائي بين المناطق.
كمال.و