أخبار العالم

قيس سعيّد يلغي الامتيازات المالية لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء

خطوة التضييق على القضاء بعد البرلمان

بعد مرور ستة أشهر على إجراءاته الاستثنائية التي أثارت ولا تزال الكثير من الجدل داخل تونس، قرر الرئيس قيس سعيّد أن يحدّ من الامتيازات المالية التي كان يحظى بها أعضاء المجلس الأعلى للقضاء.

وفيما رد مجلس القضاء على قرار سعيّد بالتأكيد على أنّ أعضاءه سيواصلون عملهم، يبدو أنّ الرئيس التونسي يقترب من ملف القضاء خطوة لأجل الإصلاح حسب قوله، أو خطوة من أجل المزيد من التضييق على إحدى السلطات الثلاث كما يتّهمه خصومه.

ولا تُعَد انتقادات قيس سعيّد لعمل القضاء وتحفظاته على عمل المجلس الأعلى، بالأمر الجديد. وفي المقابل، فإن معارضة المجلس لقرارات سعيّد أيضًا ليست جديدة، ولكن يبدو أنّ التوتر هذه المرة بدأ يأخذ منحى أكثر تصعيدا.

فهل يمتلك الرئيس التونسي تصورا واضحا لإصلاح القضاء، أم أن إجراءاته تهدف للسيطرة على السلطة القضائية لهدف سياسي؟ وهل يستغل الرئيس التونسي الانقسامات بين القضاة وهياكلهم لتمرير مشروعه؟

خطوة أولى للإصلاح

هكذا إذًا، وبعد أسابيع من التلميح، صرح قيس سعيّد بوضع حد لامتيازات أعضاء المجلس الأعلى للقضاء.

في تقدير سعيّد، تلك محض خطوة أولى لإصلاح العدالة، وفي تعريفه القضاء مجرد وظيفة داخل الدولة، وفي توصيفه هو ليس سلطة تستقل بقرارها عن الرئيس، هكذا يُدخِل قيس سعيّد لمعجم السياسة في تونس ثوابت جديدة إذًا.

لكن في القضاء، لا يبدو ذاك إصلاحا هادئا بل ضغطًا مضافًا على المجلس الأعلى للقضاء الذي يقول قضاته إنهم سيواصلون العمل، صارفين النظر عن قرارات الرئيس.

سلطة لا تقبل القسمة

هي باختصار صورة أخرى من صراع جزء من التونسيين مع رئيس يرى أنّ الرئاسة تعني سلطة لا تقبل القسمة مع أحد.

يقول قضاة وحقوقيون ومحامون ردًا على المرسوم إن قيس سعيّد يضيق الآن على القضاء كتضييقه قبل أشهر على البرلمان، يشكك في استقلاله، يشل عمله، يعتدي على اختصاصاته، لكن، على الطرف الآخر يصر مؤيدو قيس سعيّد أن الرئيس مصلح ويتكبّد عناء مواجهة الفساد.

قضاء الدولة

يرى القاضي السابق والمتحدث باسم حزب “حراك تونس الإرادة” عمر السيفاوي، أن المرسوم الأخير للرئيس قيس سعيّد يأتي بعد حملة قام بها ضد القضاء.

ويشير، إلى أن الرئيس منذ إجراءاته غير الدستورية التي اتخذها في 25 جويلية، والتي تمثل برأيه انقلابا على الدستور وانفرادا بالسلطة بدأ التضييق على القضاء.

ويلفت إلى أن قيس سعيّد يعتبر أنه لا توجد سلطة قضائية، وإنما يتحدث عن قضاء الدولة، وهو بذلك يعطي في الحقيقة مفهومًا خاصًا به للسلطة القضائية خصوصا حينما يقول إن القضاء وظيفة وليس سلطة، ويشدد على أن الدولة التي يتحدث عنها قيس سعيّد هي دولة منحصرة في السلطة التنفيذية لأنه أغلق البرلمان واعتبر أنّ القضاء وظيفة، مشيرا إلى أن قيس سعيّد لا يعترف باستقلالية القضاء.

ويلفت، إلى أن قيس سعيّد أصدر المرسوم الأخير لأنه يبدو أنه لم يستطع حل المجلس الأعلى للقضاء بعد حملة التهديدات التي أطلقها، معتبرا أن هذا المرسوم ينطوي على تدخل في عمل هذه الهيئة الدستورية المشرفة على القضاء.

لا نيّة للمساس بالقضاة

في المقابل، يعتبر الباحث السياسي محمود البارودي أن المسألة لا تتعلق بالقضاة بقدر ما تتعلق بإصلاح القضاء، ويوضح أنه ليست هناك أي نيّة للمساس بالقضاة ولا سيما الشرفاء منهم ولا المساس بقوتهم، متحدثًا في السياق عن إرادة حقيقية لإصلاح القضاء، وإذ يقر بأن قيس سعيّد يقوم بهذه المبادرات بصفة منفردة، يشدد على أن كل الأطياف السياسية في تونس كانت تدعو إلى إصلاح المنظومة القضائية التي سببت أزمة الحكم منذ 2011.

ويرى أن ما يمكن أن نعيبه على الرئيس قيس سعيّد هي مسألة عدم إلغاء المجلس الأعلى للقضاء”، مرجحًا حدوث مناكفات كبيرة بعد إلغاء الامتيازات للقضاة، لكنه يشدد على أن القضاة بأنفسهم يقرون بوجود أزمة في المجلس الأعلى للقضاء.

طريقة الرئيسأحادية وصدامية

أما الكاتب السياسي صلاح الدين الجورشي، فيرى أن القضية التي يطرحها رئيس الجمهورية منذ شهرين حول إصلاح القضاء هي قضية صحيحة، وأن عددا كبيرا من التونسيين يتفقون على ذلك ويطالبون بإجراءات لإصلاح القضاء.

لكن الجورشي يعتبر، أن الطريقة التي يعتمدها رئيس الجمهورية هي طريقة أحادية وطريقة أدت به عمليا إلى الدخول في صدام ليس فقط مع المجلس الأعلى للقضاء كهيكل يمثل القضاة ولكن مع جسم القضاء ككلّ.

ويشير، إلى أن ما نلاحظه داخل المؤسسة القضائية هو تضامن حاصل بين مختلف الهياكل القضائية ضد أسلوب رئيس الجمهورية في طرح مسألة الإصلاح القضائي، ويوضح أن رئيس الجمهورية لا يتحدث في المضمون عن إصلاح فقط ولكنه ينفي عن السلطة استقلاليتها ويعتقد بأن هذه السلطة يجب أن تكون تابعة أو خاضعة للسلطة التنفيذية ممثلة في شخصه باعتباره رئيس الدولة.

ق.د

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى